طلبة في ضيافة البرلمان    إقبال واسع على جناح جامع الجزائر    احتجاجات عارمة بالمغرب    صايفي يرافق الخضر    بن عراب تتوّج بجائزة في الإمارات    السيد مراد يشرف على تنصيب والي عين تموشنت الجديد    "عدل 3".. أقطاب سكنية بمخططات مبتكرة    الأمن الغذائي والمائي أولوية للرئيس تبون    المرصد "الأورو متوسطي" يكشف جرائم صهيونية جديدة    مظاهرات حاشدة بمدريد للمطالبة بحقّ الشعب الصحراوي في تقرير مصيره    المغرب مازال مستعمرة فرنسية.. وأوضاعه تنذر بانفجار شعبي    الجزائر المنتصرة تدخل مرحلة جديدة من الإنجازات    مخزون فوسفات بلاد الحدبة قابل للاستغلال ل80 سنة    سيدات اليد الجزائرية يرفعن الرهانات بحجم الدعم والمرافقة    نخبة الكانوي كياك في مهمة التأكيد بتونس    أواسط "المحاربين" لتحقيق انطلاقة قوية    الوالي الجديد يحدد الأولويات التنموية    124 أستاذ جديد بوهران استلموا القررارات النهائية    شعراء يلتقون بقرائهم في "سيلا 2024"    الرابطة الأولى موبيليس/الجولة التاسعة: اتحاد الجزائر يلتحق بجاره مولودية الجزائر في صدارة الترتيب    الاجتماع البرلماني حول المناخ بأذربيجان: التأكيد على التزام الجزائر بمواجهة التحديات البيئية    لطفي حمدان أول جزائري يترجم "1984" إلى العربية    "ميناء بجاية" لمشهد ب"داليمان"    اختتام الطبعة ال 27 لصالون الجزائر الدولي للكتاب    ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الصهيوني على لبنان إلى 3452 شهيدا و14664 مصابا    الرابطة الثانية لكرة القدم هواة: شبيبة تيارت و اتحاد الحراش يشددان الخناق على المتصدرين وأول فوز للمشرية    مظاهرات حاشدة في مدن وعواصم عالمية تنديدا بالعدوان الصهيوني على قطاع غزة    قانون المالية 2025: الوزير الأول يخطر المحكمة الدستورية بالنظر في دستورية بعض التعديلات    وزير الطاقة والمناجم يعطي إشارة انطلاق أشغال فتح منجم الفوسفات بمنطقة بلاد الحدبة بتبسة    افتتاح الصالون الوطني للعسل بعنابة    سيلا 2024 : ندوة بالجزائر العاصمة حول كتابة التاريخ ونقله للأجيال    أعضاء مجلس الأمة يصادقون على نص قانون المالية ل2025    الجزائر- بريطانيا: لقاء بمجلس اللوردات حول الشراكة الثنائية    الجزائر العاصمة: 13 جريحا في حادث انحراف حافلة لنقل العمال    غرداية: 9 مخططات توجيهية للتهيئة والتعمير لفائدة الولاية    مجلس الأمن يعقد جلسة الاثنين القادم بعنوان "إنهاء الحرب وتأمين السلام الدائم في الشرق الأوسط"    تصفيات كأس إفريقيا للأمم 2025/الجزائر- ليبيريا: تصريحات اللاعبين الجزائريين في المنطقة المختلطة    الصالون الدولي للكتاب: ندوة تاريخية حول الثورة الجزائرية في الكتابات العربية والعالمية    كريكو تستقبل وزيرة صحراوية    هذه استراتيجية الحكومة لكبح جنون الأسعار    الخضر يُواصلون مسيرة اللاهزيمة    حيداوي في قمّة الشباب الإفريقي بأديس أبابا    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    13 حافلة للتكفل بتلاميذ كل الأحياء    توقيف 12 مطلوبا لدى الجهات القضائية    الصيدلي يلعب دورا محوريا في اليقظة الاستراتيجية للدواء    عرقاب يستقبل أوزسليك    وزارة الخارجية تكذّب    الرئيس يعزّي الشيخ سيدي علي بلعرابي    حوادث المرور: وفاة 5 أشخاص واصابة 264 آخرين بجروح خلال ال24 ساعة الماضية    انطلاق أشغال المؤتمر الوطني ال8 للفدرالية الجزائرية للصيدلة    اليوم العالمي للسكري: تنظيم أنشطة تحسيسية وفحوصات طبية طوعية بأدرار    إطلاق حملات تحسيسية حول الكشف المبكر لمرض السكري    الأمل في الله.. إيمان وحياة    الجهاد في سبيل الله    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عفراء قمير طالبي شاعرة جزائرية تختبر قصيدة الهايكو
نشر في الحياة العربية يوم 14 - 10 - 2018

عن دار بوهيما – تلمسان صدرت حديثاً مجموعة الشاعرة الجزائريّة عفراء قمير طالبي المعنونة ب «سبعة عشر نفساً تحت الماء». واللافت أن هذه المجموعة تجري قصائدها على نظام الهايكو الياباني، منخرطة بذلك في تيار شعريّ جزائري ما فتئ يغنم مساحات جديدة في الأدب الجزائري، ونعني بذلك تيار قصيدة الهايكو.
وقد لا نجانب الصواب إذا قلنا أنّ الشعراء الجزائريين هم من أكثر الشعراء العرب استرفاداً لهذا النّوع الشعري وتوظيفاً لإمكاناته الفنية والجمالية حتّى أنّ البعض تحدّث عن ظاهرة تختصّ بها مدونة الشعر الجزائري الحديث دون بقيّة المدوّنات الشعرية العربيّة الأخرى. ومن أهمّ شعراء الهايكو في الجزائر، نذكر الشاعر عاشور فنّي الذي يعدّ رائد هذا التيار الشعري. وقد عمد إلى اختبار هذا النوع الشعري في عدد من المجموعات الشعرية منها «أعراس الماء» الصادر عام 2003، و «هنالك بين غيابين يحدث أن نلتقي» الصادر عام 2007، كما استدعى الشاعر فيصل الأحمر هذا النوع الشعري في ديوانه «قلّ… فدلّ» وفارس كبيش في «كرز الحقد» والأخضر بركة في ديوانه «حجر يسقط الآن في الماء» ومعاشو قرور في ديوانيه «هايكو القيقب» و»هايكو اللقلق» وحبيبة المحمدي في عدد كبير من قصائدها.
لا شكّ في أنّ السبب الذي يفزع إليه الدارسون، كلّما أرادوا تأويل هذه الظاهرة، هو البحث عن ينابيع شعرية بكر تمتح منها القصيدة الجزائريّة طرائق مختلفة في الكتابة والأداء بعد أن نضبت الينابيع القديمة، بخاصّة الغربيّة منها فلم تعد تمدّ الشاعر العربيّ بطاقات تعبيرية جديدة. وهذا ما يؤكده الناقد الجزائري لونيس بن علي حين يقول: «استدعاء قصيدة الهايكو محاولة للانعتاق من أسر الشعريّات الغربية التي تعدّ أصل شعرنا الحديث… وتعتبر هذه القصيدة بإيجازها اللغويّ وكثافتها اللغوية منسجمة مع إيقاع العصر وأفق انتظار القارئ…». في هذا السياق، سياق اختبار هذا النوع الشعري، يندرج ديوان الشاعرة عفراء قمير طالبي.
والواقع أنّ قصيدة الشاعرة قد تشرّبت بعض خصائص الهايكو وعدلت عن بعضها الآخر، أثبتت بعض عناصره وتخلّت عن عناصر أخرى. وربما سعت من وراء هذه العملية، عملية التشرب والإثبات والعدول والتخلّي، إلى تطويع هذا النوع الشعري إلى تجربتها الشعرية الذاتيّة. فالهايكو في هذه المجموعة، وإن حافظ، في الظاهر، على بنيته الثلاثية، وأسلوب المفارقة إلّا أنّه تصرّف فيهما تصرّفاً واضحاً بحيث تبدّى، في كثير من الأحيان، قريباً من قصيدة الومضة التي لا تخضع لنواميس الهايكو الصارمة:
لا مرفأ في الأفق
لغيمةٍ
إلّا رأس الجبل
****
لا ليدخل الهواء
أفتح النافذة
بل لأخرج إليه…
مثل كلّ شعراء الهايكو عمدت الشاعرة إلى تشذيب قصائدها من أجل الإبقاء على بعض الكلمات التي تصنع شعرية القصيدة، وتقول توهّج تجربتها. هذا التشذيب قد يصل بالقصيدة إلى حدود التأتأة أي إلى حدود الصمت. فالشاعرة هنا تنهض بوظيفتين اثنتين: وظيفة الكتابة ووظيفة المحو، بل بدا المحو في هذه المجموعة أكثر حضوراً من الكتابة. في هذا السياق، ربّما قلنا أنّ الشاعرة تكتب بالممحاة أكثر من كتابتها بالقلم، فكلّ قصيدة من قصائدها ليست إلّا بضعاً من الكلمات تسبح كالمجرّات الصغيرة في بحر من البياض، من الفراغ… والقصيدة هنا ليست كلماتها فحسب بل بياضها أيضاً، أي صمتها، أي هذا الفراغ الهائل الذي يحيط بها من كل جانب… بل ربّما استدركنا قائلين أنّ القصيدة هنا إنّما هي الجدل المعقود بين السواد والبياض، بين الصمت والكلام، بين الامتلاء والخواء، بين الذي قيل والذي لم يقل.
من هذا الجدل تنبجس دلالات القصائد ورموزها وصورها… فالقصيدة لا تخاطبنا من خلال كلماتها وصورها فحسب، وإنّما تخاطبنا من خلال بياضها وصمتها أيضاً.
وإذا كان الشاعر الياباني يتكلّم بلغة الحكماء فيجمع بين المتباعدات ويؤلف بين المختلفات ليضيء الغامض والمعتّم… فإنّ عفراء تتكلّم بلهجة طفل يقف مندهشاً أمام العالم يريد أن يتهجّى صوره ومشاهده:
ما الذي يخيفني
حتّى أقصّر الحبل
يا طائرتي الورقية؟
****
يا تفاحتي
هل أثقلك الاحمرار
لتسقطي في البئر؟
في هذا السّياق، تتردّد في قصائدها صيغتان اثنتان تردّداً لافتاً: صيغة الاستفهام حيناً وصيغة التعجب حيناً آخر، بل ربّما وجدنا عدداً من القصائد تجمع بين الصيغتين في صيغة ثالثة أطلقت عليها البلاغة العربية التقليدية اسم الاستفهام التعجبي.
يحيّرني حجر
أستلّه من بين ثلج
ترى كيف يتجمّد؟!
****
وتقولين إنّه من تراب
كيف لا يتحلّل في النهر بياضك؟
لا شك في أنّ الأسئلة الكثيرة التي تنطوي عليها المجموعة تفصح عن دهشة الشاعرة وهي تتهجى كتاب العالم… فكل ما يحيط بها بدا غامضاً ملغّزاً. وبدل أن تقترف خطيئة المعرفة، وتقطف الثمرة المحرمة، نلفي الشاعرة تكتفي بتأمل العالم والطبيعة في شد واندهاش، تكتفي بالتحديق فيهما بعينين كبيرتين وفضول لا يحدّ… ولكي تتمكّن الشاعرة من ذلك وجب عليها أن تتشبّث بطفولتها مهما تعاقبت السنوات… فالطفولة هي الانفعال الأوّل أي المعرفة البدئية القائمة على الحسّ والغريزة… ومن شأن هذا الانفعال الأوّل أن يخلع روعة المجهول على المعلوم:
كبرت ثلاثين عاماً
وما زالت تدهشني الساقية
كأنّي في أوّل العمر
وبالفضول ذاته، تثير الشاعرة سؤال الموت لكن من دون تفجّع أو غضب… الموت هنا ليس ذلك الوحش الأسطوري الذي تحدث عنه أبو ذؤيب الهذلي ينشب أظفاره في الأحياء، وإنّما هو كائن أليف. أي أنّ الموت ليس نقيض الحياة وإنّما هو خيط في نسيجها، ليس الاستثناء وإنّما هو بعض من القاعدة… ولا يعني هذا أنّ الشاعرة «تفلسف» الموت أو تتأمّله تأمّل الحكماء… كلاّ… إنّها تنظر إليه بعفوية… تراه في كلّ شيء حولها: الطبيعة والعناصر والأشياء:
الأزهار التي تغطي التابوت
بعضها لبعضها / نعش آخر
هكذا، يتآخى الموت والميلاد في كل مظاهر الوجود… فليس للموت زمن وللحياة زمن آخر، وإنّما هناك زمن واحد يؤلّف بينهما في وحدة جامعة: شواهد القبور
للأزهار التي تفتّحت حولها شواهد ميلاد.
هذه لغة جديدة فيها، إذ أخذنا بعبارات النقاد القدامى، طلاوة ونضارة، لغة مكتنزة تريد أن تقول المعنى الأكثر في اللفظ الأقلّ معتمدة الإشارات البعيدة… إنّها أشبه شيء بالمخطط الإجمالي في الرسم… حيث يكتفي الرسام ببعض الخطوط والألوان اختصاراً لمجمل التكوين. كأنّنا إزاء قصائد تمهيدية لقصائد نهائية ستكتمل في أذهان القراء وعقولهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.