من ابرز الأسماء الكاتبة في المغرب الشقيق لها حضور طاغ ومتميز في المشهد الإبداعي شاعرة لا تملك و أنت تصغي لها سوى أن تسكن في الدهشة ..هي عاشقة للكتابة ومتموجة معها كما الماء ،وأنت تقرأ قصائدها تنخرط تماما في حلمها وعوالمها ، الشاعرة ريحانة بشير ممتلئة بهاجس الكتابة. صدر لها من قبل ديوان " قبل الإبحار" وحين يتكلم الماء" في هذا الحوار حاولنا أن ندخل عوالم الشاعرة ريحانة بشير فكانت أجوبتها ايضا مسربلة بالحلم والشعر وكان هذا المطر الخفيف. التقيت بها مؤخر بالرباط و كانت لي معها هده الدردشة. - أهلا و سهلا بك شاعرتنا المتميزة و ضيفتنا على صفحات جريدتنا الجمهورية؟ * أهلا و سهلا بك أخي العزيز الشاعر و الإعلامي إسماعيل و من خلالك كل مبدعي الجزائر وشعبها الحبيب . - لم يتوقف الجدل حول غاية الكتابة منذ أن وعى الإنسان وجوده معرفياً،ولم تتوقف الأسئلة التي تقول: لماذا نكتب؟ ولمن؟ ومن أجل أي هدف؟ربما كانت الكتابة عملية بناء وهدم في الوقت نفسه، على حد تعبير جبران خليل جبران،وربما كانت لكشف حقيقة زيفها الآخرون، أو استغلوا سذاجتنا وكسلنا الذي لا يدفعنا إلى الشك وإعادة التعلم، على حد تعبير لويس بورخيس.أم نكتب لنتخلص من خوفنا وقلقنا، كما قال الروائي البلجيكي جورج سيمنون؟ام أن الكتابة هي خيط نجاة يقودنا خارج متاهة قلقنا الوجودي، و وسيلة تساعدنا على تفسير ما لا يفسر ..؟ فما هي عند الشاعرة ريحانة بشير؟ *-الغاية من الكتابة/ بمجرد استحضار هذه الفكرة الكونية يثير فيّ المكوث طويلا في ركن بلا ملامح لاستعيد هويتي وكينونتي ،وكل الإرث الذي سأتركه أو سيتركني ويرحل لأني لم أحسن كتابته ومعايشته بكل صدق. الكتابة لدى ريحانة بشير ميراث وضيافة من أجل خلق حياة روحية إنسانية،أي استئناف الوعد بالمجاهدة نحو خرق المتداول مبنى ومعنى وذلك بعدم المكوث في اللغة أو الإقامة. عندما أكتب أعتلي مقامات الكتابة أتهجّد داخل أحوالها لأتصالح مع باطني، لأرفع الحجاب عن سرّي،لأتعرّى أمام اللغة لأجمع بأعناق متنافراتها وأطلب منها أن تكون حقيقة مصاحبة لسؤال الذات. فالشاعر كثيرا ما يبدأ نصه على غير ما ينهيه، في خضم الكتابة يكون هو لا غيره إلا إذا كان متصنّعا مغشوشا. أكتب لأكون أنا بلا قلق ليقرأني الآخرون من داخل أرواحهم الشفافة ، اتكلم بلسان أحوالهم الباطنية لكن بوعي ثقافي وأدوات تمكّنني من الالتفاف حول النص حتى لاأضيع في الفراغ .وتبقى شهوة الكتابة حدسي في الجرح وموتي المرتقب والمفروض المرفوض وجنوني الذي يستبيحني كلّما كلّمت البياض أو دعاني إليه ، لأن وعد الكتابة يفضح سرّ الشعرية الذي لايظهر إلا ليختفي ويبقى الأثر دالاّ عليه، وتبقى اللغة تنتحرو تخلق ذاتها من جديد لتكون وفية ويكون البياض المتاهة الوحيدة الصادقة والذات الكاتبة في بحث عن قواعد لّلغة باستعمال العنف عليها لخضوعها للبياض ولخضوع الكاتب كذلك للغة من أجل بناء سليم. - كيف تتحسس الشاعرة ريحانة بشير العلاقة بين النص والواقع ..؟ باعتبار أن الواقع ما هو إلا تكثيف مادي للنص ..والنص ما هو إلا تجريد ذهني للواقع ...وما هي الحدود التي يجب أن يقف عندها الشاعر أو الكاتب في تعرية الذات والواقع . في نظركم.؟ *الواقع تكثيف مادي للنص والنص تجريد ذهني للواقع، ومابين المادي والذهني مسافة يعبرها النص في تجاذب وتفاعل يؤدي إلى ضرورة طرح السؤال. مامدى فعاليةهذا التجاذب ليصل بنا إلى حقيقة تفعيل العمل الذهني غير مجرد من واقعه الذي يعيشه ولا يثمتله إلا لغة حاضرة خاشعة. لكن تاريخ الكتابة على مرّ العصور موتيفات استيباقية ومتجدّدة ،وبالطبع لايمكنني استحضار وقفات الشعر الفاعلة في تغيير مسارات الوعي لواقع مغشوش ،ضدّا على بعض المزاعم التي تشكك في قدرة النص على تشكيل خارطة واقع ما. لأننا نسقط في هامشية وتبلّد العقل نفسه الذي لايقف صارخا أمام التغيير للأفضل نظرا لحسابات ما ، لأن النص الشعري خصوصا لايعرف المهادنة .والكلمة لغة التعرّي والرقص على جرح الحقيقة بتقشير أوراقها الفاسدة . ويمكنني القول أن الحلاّج الذي قتلته نصوصه، فماكان إلا الخوف من تغيير واقع سيساهم في معرفة الله الحقيقة لظروف سياسية ما . فالشعراء هم الحقيقة حين يضيق أفق الواقع ويحار في تشكيل ذاته فالشعر الصادق الذي يرصد بعين استشرافية مآل الغد برؤاه هو الوجه الاخر للواقع غير المرتشي بأفكاره،إذ لزاما عليه الاستماع للغة الشاعر أو الكاتب عموما. والوقوف عند الخطوط الحمراء مهادنة زائفة فلا تواطؤا مع حرف لايصدق الرؤيا ويعجز عن نقلها في تجربة رصد قصوى لملامح واقعه بتفاعل حسي ومعرفي حتى يستأنف ضرورته التي خلق لها وهي الوعد الذي يؤسسه في مداه الأبعد عالم البياض عالم النقاء العرقي للكتابة والأخوة في الإبداع لتكون الشرارة الفاعلة في خلق واقع له خصائص لايغتصبها التاريخ المغيب الآن. _- ولم الكتابة الشعرية تحديدا في زمن متهم بانه ينتصر للرواية ..ولم هذه المسافة الفاصلة بين الديوان الاول قبل الابحار الصادر سنة 2002وحين يتكلم الماءالصادر في 2011...؟وكيف ترى الشاعره ريحانة بشير الحركة الشعرية في المغرب.؟ *حسب تنظيري للمرحلة الحالية فالمسار الإبداعي لم يعد يهتم للكيف لأن التراكم أصبح ظاهرة صحية من خلاله نستشف أو نستسقي العمل الجاد والمتميز. وتواجد الرواية والنزوح إليها لم يعد على كثير من الأهمية،طبعا بعيدا عن الحس التجاري . لأن الابداع فوق الإنسان فروح الكتابة شعرا أو رواية هي الروح التي تنشد الخلاص من البياض في عمل متميز، المهم أن تكون البذرة نافعة في الحقل الفكري للأمة لترقى بطموحاتها . وهناك من الكتاب من رأى روح الكتابة في الرواية وهناك من زاوجوا بينهما بحثا عن الخلود الأدبي وتحقيق اللذة المعرفية والذاتية حسب جنون الإبداع . لكن الشعر لي جسدي في جسد اللغة حين يتكلمان عبر تفاعل متخيل وبنية لغوية وجدانية ،عبر شظايا نار تتحدّى الركود. الطريق إلى الشعر الطريق إلى الوجود. يقول عبد الفتاح كليطو ناقد مغربي لايمكن أن أقرأ شعرا قبل النوم أفضل قراءة رواية أو نثراما.÷ الشعر يقرأ نهارإذ يتطلب مجهودا لقداسته وأهمية قراءته حتى يصل لمفاتيحه. فلقد كان سيمينون يكتب رواية كل أسبوع .لهذا إذا رأيت الكحل في عيون ريحانة فتأكّد بأنه الشعر لا كحل في عيونها سواه. ومن هنا أقدسه حد الامتناع عن إصدار أعمال لاتف حق هذا العاشق حقه في الاستمتاع بي وبه وبالمتلقي كذلك. فمجموعتي الاولى قبل الإبحار سنة 2002 والثانية2011 حين يتكلّم الماء ومع المدة ليس عزوفا لكن لظروف شخصية من جهة ومن جهة ثانية عرفت هذه المدة الزمنية كتابة قصائد كثيرة في عدة صحف وطنية ومنتديات رقمية لكن المعروف عني أتريث في طبع مجموعة شعرية لأنها مسؤولية تاريخية لأمانة الشعر واحترام المتلقي والكلمة الشاعرة الصادقة التي تضيف للمشهد الشعري والشاهد الشعري إضافة نوعية.لهذا عرفت هذه المدة وقفة مع قراءة العديد من الكتب في تخصصي وكذا في المجال الأدبي. والآن مخاضي يأخذ أشكال مختلفة استعدادا لمجموعة شعرية ثالثة . -علاقة الشاعرة ريحانة بشير بالكتابة وخصوصا قصيدة النثر تشبه علاقة حب أو هي كذلك ..لم هذا الاختيار ؟ * لم لا تكون قصيدة النثر اختياري وهي التي كانت تستفز شاعريتي وتدعوني لمملكتها عروسا أنقش حناءها، هي الحبيبة المنتشية حين يضيق أفقها تجدني في مداها ينبوعا أروي ضمأ حزنها فرحها نركب سفائن التيه، نسافر عبر المجهول نستكشف خبايا ما وراء الذات بكل رحابة . إذ أذوب أفنى وأتجدد في قوة تلبّسها بي ودوما قصيدة النثر العربية كانت شكلا من أشكال الكتابة الشعرية عرفه الشعر العربي في بداية الستينيات, ولم تلغ قصيدة النثر الأشكال السابقة التي نحتت بمداد الفكر الشعر العربي بل أثبتت وجودها إلى جانبه. وللشاعر أن يكتب وفق أي شكل من أشكال الشعر من عمودي وتفعيلة ,فعندما نكون في حضرة الشعرفإننا نعتبر الكلمات والتراكيب قطعا لغوية وموسيقية قابلة للتركيب وفق أشكال تخلق المتعة والتنوع الذي يروم القصيدة الكونية و الأخوّة في الشعر . ومن هنا تعتبر قصيدة النثر شكلا مفتوحا يحقّق هذا ويقبل أنواعا وطرائق تعبير بالغة التنوع.وبذلك فهي تبني أكبر قدر من العناصر الممكنة بكل الأزمنة والأمكنة تفتح باب التجريب على مصراعيه. لهذا يمكن القول إن قصيدة النثر حسب كل الدراسات وما قيل عنها ,أنها مجموعة علائق تنتظم في شبكة كثيفة ذات تقنية محددة وبناء تركيبي موحد منتظم الأجزاء متوازن ,تهيمن عليه إرادة الوعي التي تراقب التجربة الشعرية لهذه الحرية المنتظمة والفوضوية في ذات الآن ،أحببت شاعرية قصيدة النثر بانزاياحاتها صورها غير المألوفة وموسيقاها المتنوعة لكن في نغم واحد لايدعك تائها في الاستماع لنغماتها الموسيقة تلك قصيدة النثر التي احب النزوح إليها في شكلها المدهوش تنفي كل الأشكال القائمة وقوة بنائها القوة المنظمة التي تنزع للبناء الشعري. وتبقى قصيدة النثر العربية المتمثلة في الشاعرين أنس الحاج وأدونيس الفوضى والشكلية وما يدور في أفلاكهما. لكن هذا لايعطي للشعراء الحق في تغريب قصيدة النثر وإغراقها في ترسيخ شريعة المتاه حتى يتسرب الموت للغة كأنها تنعي نفسها,أحب قصيدة نثر تترجم الذات في استكشاف مجهولها بلغة لها الدهشة كمس صاعق للذات الشاعرة,تجسد تفتحا إيحائيا و افتتانا غير محدود بسر الشعر.أريد منها أن تجعل الأفق متعة متاخمة لأفق الألم وبين الأفقين يكون الشعر مكانا بامتياز وأكون ذاك المكان - كيف يتم توظيف الجسد ككتابة في شعر ريحانة بشير؟ * من خلال مرجعياتي الشعرية والتي أستمدّها طبعا من تخصصي للدراسات الإسلامية والتي كان لها أكبر الأثر في توظيف لغة تستشف نبضها من الصفاء الروحي والصدق الوجداني عبر رؤية تتكئ على قاعدة فكرية وفنية.و كانت للكتب الدينية بمختلف مشاربها القدرة على اكتسابي ملكة تطويع للّغة، والقدرة الفنية على الانزياحات للصور حتى أتمكن من الخروج عن المألوف. ولن يتأتى هذا إلا في شعر المتصوفة غير الفقهاء الذي تظهر تجلياته في الشوق والبعد القرب التوسل الأنس حد السكر حد الصحو ومن هنا إن الكتابة لدي وسيط لما تترجمه الذات من قول وأسطر عليها,إن إرادة القول هو الحضور الحقيقي في الكتابة وكل ما هو خارج عنها لا يشكلني وبالتالي الجسد عندي داخل هذه الإرادة ويبقى في حكم المتخيل، وبالتالي يبقى في محدودية الإنصات إلى المجهول,هذا المجهول الذي يكتبه الجسد في قصائدي يقودني إلى الفناء وعبره إلى الإستمرار بالحياة,وكما قلت إلى التجدد.والجسد كتابة كعقل ورغبة أريد من خلالها تطويق ما يظل بعيدا ومستعصيا ومجهولا,حتى لايتوقف تأملي في خلق هذا التمازج بين الجسد المشتهى وبين رغبة ذات في مطاردة الكتابة حتى يتعدد صوتي صفاته ومرجعياته.إني أنتحر بخلاف القصيدة التي تتوالد عبر مجهولها.فعندما أنتهي منها تصبح أثرا دالا على طريق والطريق أنا,وهذا العبور من ذاتي للجسد يتسع للتوجه نحو الأساسي مني,هل هناك جسد يسمح للكتابة بآحتراقه؟هو غير موجودإلا كنظرية متجاورة لذاتي ولا نعثر عليه حقيقة,أنا موجودة وهو غير موجود يترنح بيني وبيني حد التماهي.وكلما كف أن يكون حاضرا في قصائدي سأنتهي إلى الموت لأنه مجاهدة معرفية, وبهذه المجاهدةينطلق العبور إلى الكتابة في تفاعل يضل توضيفه متمنعا عن كل استسهال حتى بالنسبة للذات الكاتبة لهذا قلت عندما أنتهي أكون في دعة .يستعيد القول وضعه حين أكتب الجسد المتخيل,فيكون خلاص الروح من جحيم جسد كتب ليطهرجسدا بالعودة إلي. واشكر السيد السقال على هذا السؤال المفصلي حتى يتضح لقارئ قصائدي بأن المقام ليس وصلا مع جسد مشتهى أو رغبة حارقة دونية لوصل مشتهى تحددها الكتابة في لحظة ما.أو وصف الجسد حسيا غريزيا صرفا لكن لحظتي لحظة جسد يريد للاممكن ليعبر للخلود الروحي. - ماذا تعني لك الكلمات التالية الله : السكينة البحر: هوية الحلاج: سؤال الموت: بداية العشق: حلول ريحانة: أضداد الكتابة: بعث الصمت: المشتهى الماء: كلام الرمل :التباس - كلمة أخيرة ؟ * اشكر محاوري و أتمنى له إقامة طيبة بيننا و التواصل الإبداعي و الفني بين مثقفينا آمر أكثر من ضروري .دمتم و دامت محبتنا