مع استمرار الحراك الشعبي في الجزائر، الذي بدأ في 22 فبراير/شباط الماضي؛ استحدث المتظاهرون آليات حوار جديدة تمكنهم من إسماع صوتهم للنظام والحفاظ على وتيرة التظاهر السلمي. فبعد رفع الشعارات والترديد الجماعي للترانيم ورسم “التيفوات” (لوحات فنية ضخمة) المليئة بالرسائل، ها هم اليوم ينصبون منبرا في قلب العاصمة الجزائرية شد إليه الأنظار خلال الأسابيع الأخيرة من الحراك، وأطلقوا عليه “ركن الخطباء”. ويتيح هذا الركن الفرصة لكل من يريد الحديث للجماهير والتعبير عن رأيه وتوجيه الانتقادات وطرح المقترحات، شرط احترام حرية الآخر. وشدّ السلم الأحمر المقام أمام ساحة موريس أودان أنظار المتظاهرين، إذ التفوا حوله يستمعون ويتفاعلون مع مختلف الآراء التي تخص الحراك الشعبي ومطالبه. والتقت الجزيرة نت صاحب فكرة “ركن الخطباء”، وهو الناشط في المجتمع المدني إلياس فيلالي الذي يعمل مع مؤسسات خيرية ويعيش متنقلا بين الجزائرولندن، واستوحى فكرة إقامة المنصة من “ركن الخطباء” في حديقة هايد بارك في لندن منذ القرن 19، حيث يمكن للجميع التحدث بحرية. يقول فيلالي للجزيرة نت إنه ومنذ بداية الحراك الشعبي تنامى الشعور بالحاجة للتعبير بحرية وتوجيه رسائل للنظام، وأكد أن الكلمة الأخيرة ستعود للشعب مهما طال الزمن. وعلق فيلالي على المنصة لافتة كتب عليها “ركن الخطباء، الجزائر” بالإنجليزية والعربية، و”منبر حرية التعبير” بالفرنسية” و”منبر من لا منبر له” بالعربية. والمنبر متاح للجميع دون أي تمييز بين جنس أو عمر أو عرق أو توجه سياسي، ويمكن للخطيب الحديث بأي لغة كانت، والشرط الوحيد الذي يجب أن يُحترم هو “احترام حرية الآخرين، ووحدة التراب الوطني”. بين الخطباء من يوجز في كلامه ويتحدث بلهجة مباشرة، مثل امرأة اعتلت المنبر لتقول جملتين “يتنحاو قاع، ولا نصومو هنا في هاذ البلاصة” أي “يرحل الجميع أو سنستمر في التظاهر ونصوم رمضان في هذا المكان”. في إشارة إلى مطلب رحيل جميع رموز النظام الذي يرفعه المحتجون المشاركون في الحراك. ويصعد آخر ليوجه رسالة مباشرة إلى رموز نظام بوتفليقة، وكل من يستثمر في الوقت لإطفاء شعلة الحراك، ويقول إن “الحراك الشعبي سيستمر في الضغط حتى ترحل كل العصابة”. وسبقه رجل آخر تحدث باللغة الفرنسية وقال جملة واحدة ردا على كل من يحاول تفرقة الجزائريين بزرع النعرات الجهوية، وقال “نحن شعب متوحد إلى الأبد”. وحاول البعض تعكير الجو من خلال قطع كلمة المتحدثين الذين يختلفون معهم في الآراء، لكن سرعان ما التفتت إليهم الجماهير وطلبت منهم احترام الرأي والرأي الآخر. وقال فيلالي إن النظام يحاور نفسه، ولا يملك فكرة عن مطالب الشارع، ودعا المسؤولين إلى الحضور لهذا المكان لمعرفة ما يريده الشعب. ويشير إلى أن معظم الخطابات تلح على “الرحيل الجذري للنظام، والشعب له من الحكمة والصبر والمعرفة بكل ما فعله النظام للبقاء”، وأضاف أنه في كل أسبوع يتداول على منصة المنبر أكثر من 150 شخصا من مختلف التيارات. تنتظر عجوز سبعينية بفارغ الصبر دورها في إلقاء كلمتها، يفسح لها المتظاهرون الطريق إلى المنبر وسط تصفيق حار، تعتلي المنصة لتخاطب رئيس الدولة المؤقت عبد القادر بن صالح، وتدعوه للنزول إلى الشارع لمعرفة “هموم الشعب ومطالبه”. كما وجهت رسالة لقائد أركان الجيش أحمد قايد صالح بأن “الشعب الجزائري ليس ضد العمل بالدستور، وإنما ضد الأشخاص الذين خاطوا الدستور على مقاسهم”، لتختم خطابها ب”تحيا الجزائر” ورافقتها بالزغاريد، وسط تصفيق حاد من الحاضرين. وخلفتها على المنصة شابة في العقد الثاني من عمرها، تلف جسمها الصغير بالعلم الجزائري حاملة ورقة كتبت عليها شعر من “إلياذة الجزائر” لشاعر الثورة مفدي زكريا، قرأته على أسماع الحضور تمجد فيه بلدها، وكلها أمل في مستقبل أفضل.