من هنا يدرك المراقب السياسي أنّ إعلان العزم على خطة التهجير وتوقيت كنيس الخراب وما رافقه لم يكن إلاّ حلقة منتظمة في دورات مترادفة سعت فيها الحركة الصهيونية العالمية ومن عاصمتيها في تل أبيب ورديفها في واشنطن للوصول إلى التدشين المباشر لوضع الرأي العام العالمي والإسلامي والعربي أمام القبول الراضي أو المُضطّر لقضية الترانسفير وهدم المسجد الأقصى وإحلال الهيكل وإن تمّ ذلك في طور مرحلة التنفيذ النهائي ولكن أيضاً بالتدريج. " إعلان العزم على خطة التهجير وتوقيت كنيس الخراب لم يكن إلاّ حلقة منتظمة في دورات مترادفة سعت فيها الحركة الصهيونية العالمية لوضع الرأي العام العالمي والإسلامي والعربي أمام القبول الراضي أو المُضطّر لقضية الترانسفير وهدم المسجد الأقصى " وقد كان هذا الهدف معتمداً في أصل المشروع الرئيسي لاتفاقية أوسلو وقبل ذلك مهمة مؤتمر مدريد الذي سعى لدفع النظام الرسمي العربي للعمل المباشر على تهيئة الأرض لتحقيق هذا الهدف من ثلاث مسارات رئيسية الأول ترسيخ مفردة السلام الإستراتيجي ومشاريعه كخيار نهائي وبديل وهو ما يعني عملياً في هذا الضّخ المستمر في الإعلام أنّ تل أبيب وحلفاءها لن تتعرض لأي ردة فعل من النظام الرسمي العربي المشارك في هذه الأجندة وسيعمل ذاتياً على تطويع الشعب العربي لتحقيق هذا الهدف. المسار الثاني المترادف والذي سعت لتسويقه واشنطن بكل قوة وحيوية هو تعويم قضية التطبيع وتوسيع دائرة اختراقاتها وتكثيف حضورها حتى تنتهي إلى عجز كامل عن القدرة لمقاومتها المدنية من قبل قوى الممانعة الشعبية في الوطن العربي والإسلامي, وفي ذات الوقت تسوق الضرورات المزعومة لكل قُطر مخترق بحسب فزّاعة خطر آخر أو بحسب مصلحة قُطرية مع حملة تضليل كبيرة لا تخضع حتى للغة التقويم الإستراتيجي المنصف. أمّا المسار الثالث فهو استثمار ولادة الفريق الفلسطيني الجديد الذي تطلب توليده مرحلة زمنية ليست قصيرة كانت ترصد مبكرا وتنسج علاقات إستراتيجية مع أطرافها في فريق أوسلو منذ أن كانوا في بيروت ببرنامج تصعيد دقيق يستغّل ثوب العهد الثوري النضالي لحركة فتح ويعمل على تصفية العراقيل أمام صعوده وإزاحة قيادات فتحاوية كان أبرزها الرئيس الراحل ياسر عرفات حين عارض التسليم للنسخة الأخيرة لمشروع السلام , فتُضمن بعد ذلك عملية إشعار الرأي العام أنّ هذا الفريق المقيم في رام الله هو الممثل لذلك التاريخ الثوري وقد وقّع اتفاقية سلام نهائية رحّلت وعوّمت قضية القدس إلى حين يتقدم الإسرائيليون على الأرض وفي ذات الوقت تعمل هذه الجماعة الجديدة بحكم الشرعية المزعومة التي فُرضت بالسلاح الإسرائيلي وبالمال الأميركي على تصفية المقاومة وتحويل فصائلها للعبة داخلية في قضية الصراع على التمثيل السياسي لمكاتب خدمات تسمى مجالس بلدية ومؤسسات تشريعية تسيطر على حراكها وساحتها تل أبيب بعيدا عن أسوار الأقصى. لكنّ هذا المشروع تعرّض لانتكاسة كبيرة عطّلت خطة الهدم الأولى للمسجد الأقصى فقد حوّلت حماس هذه المشاركة إلى تعطيل تنفيذي قوي واجه شرعنة مهمة فريق التوليد الذي عملت واشنطن وتل أبيب وأركان من النظام الرسمي العربي على بلوغه نقطة الصفر للمشروع التصفوي ومرحلة الخلاص من مأزق الضغط الأدبي على مصالحها مع واشنطن, مع أنّ البعض من هذا النظام المتطوع وبرغم كل ما قدمه في سبيل هذه الصفقة بقي مضطرباً ولم تستقّر وضعيته برغم كل ما بادر به لمصلحة المشروع. " مشروع حركة حماس الفدائي الذي نفذت تضحياته عبر قياداتها كان العقبة الأولى والصلبة أمام خطة هدم المسجد الأقصى أو تصفيته تدريجيا, وهو ما كان سبباً في الاضطراب المتعاقب لدى حلفاء حرب غزة من استمرار هذه العرقلة لمشروع التصفية الشامل للقضية الفلسطينية " ولذلك كانت الحملة العسكرية عنيفة في محرقة غزة وغُطيت في البداية من قبل تلك الأركان العربية إلا أنّ الانتكاسة عاودتها مجددا برغم كل تلك النازية والوحشية في الحصار, وأعقب ذلك حملة أمنية عنيفة جدا على حماس مع حملة تضليل وحصار وقمع على الحركة الإسلامية في الخط الأخضر بقيادة الشيخ رائد صلاح, وهو ما يعنى أنّ مشروع حركة حماس الفدائي الذي نفذت تضحياته عبر قياداتها كان العقبة الأولى والصلبة أمام خطة هدم المسجد الأقصى أو تصفيته تدريجيا, وهو ما كان سبباً في الاضطراب المتعاقب لدى حلفاء حرب غزة من استمرار هذه العرقلة لمشروع التصفية الشامل للقضية الفلسطينية والتي سيظل ركنها الرئيس هدم المسجد الأقصى وإحلال الهيكل. من هنا سيبرز لنا بصورة مباشرة وانعكاس واضح بأن حرب التصفية ضد حماس وحلفائها الإسلاميين في الخط الأخضر في دوراتها المتعددة كانت لما مثلته الحركة في صعودها وصمودها والالتفاف الشعبي الصلب حولها رغم كل ما عاناه شعب غزة والضفة وعموم فلسطين من أبناء القطاعات الشعبية الموالية للمقاومة من حصار وتجويع واعتقال وتصفيات دموية تاريخية كلها فشلت حتى الآن في الوصول إلى إسقاط حماس. ولذلك قررت تل أبيب أمام هذا الإحباط التقدم مجددا لهدفها المركزي من ما يسمى عملية السلام في مقابل عملية إسناد عربي رسمي مستمر لدعم فريقها في أوسلو وتغطية حكومة نتنياهو مع تحويل المشروع الأميركي المزعوم للسلام إلى معاتبات رقيقة أو حادة بعض الشيء لتل أبيب تنتهي إلى تسوية تدعو للمفاوضات التي دعا لها العرب مجدداً في قرار الجامعة الأخير. فتباشر تل أبيب تحتها عملية تنفيذ الهدم الأول عبر زحف كنيس الخراب. الأهم في هذا المقال أنّ التحرك الواجب المطلوب لتعطيل هذه المهمة التي صدتها خيارات المقاومة سابقاً ولا تزال تربكها وبالتالي فإن هذا الرصد يُطرح لكي تُنظّم حركة الإسناد العالمي العربية والإسلامية والإنسانية لقضية الأقصى وغزة معا فهما مرتبطان بالاستهداف وبالممانعة أيضاً وأول بند يطرح هو خطورة وصول حالة الإحباط إلى النخب والاعتقاد بأن المساهمة بالمشاركة غير مجد. وهذه النقطة هي التي ينتظر الآخرون الوصول إليها بفارغ الصبر والعجيب أنّ البعض يعتقد بأن خطط الإصلاح السياسي والتنمية المعرفية تتعارض مع تحريك قواعد الرأي العام والمساهمات المساندة المتعددة بالمال والإعلام والضغط على النظام الرسمي العربي لأجل فلسطين وهذا خطأ خطير والصحيح أن المهمتين تسيران جنباً إلى جنب, فحتى الغرب الذي وصل إلى إقرار عهد التنمية السياسية لديه فهو لا يتردد من تحريك الرأي العام ومؤسسات المجتمع المدني للضغط ضد من يهدد مصالحه ولو كان صاحب حق. " مطلوب خطة إعلامية عربية وإسلامية شاملة تنطلق لإسناد مشروع المقاومة تعيد تشكيل فعالياته وكل روابطه الأهلية والرسمية الممكنة للقيام بهذا الواجب المقدّس لسورة الإسراء " إن تفشي هذا المفهوم في أوساط المسلمين هو بحد ذاته سلاح فاتك ضد قضية الأقصى فالإصلاح والكفاح الحقوقي والتنموي لا يتعارض مع المشاركة في دعم قضية فلسطين بل أثبت التاريخ بالقراءة السياسية التحليلية أنّ هذا الحصار لقوى الإصلاح في داخل الوطن العربي مرتبط بالحصار على فلسطين وحين ينجح النظام الرسمي العربي في قمع الإصلاح فهو يتزامن دائما مع زحف تل أبيب ويرتد في الاتجاه المعاكس ضد مصالح المواطن وحقوقه, فضلاً عن أن فلسطين قضية مبدئية أخلاقية للأمة والإنسانية لا يجوز التراخي فيها وقد كانت ولا تزال مرتبطة بفكرة المشروع المركزي للإمبريالية العالمية وحلفائها في الحركة الصهيونية وهو ما يعني عمليا استمرار الاستهداف للخريطة العربية حتى تفتيتها كليا ووضع اليد لهذا التحالف ليشمل كل مقومات الاقتصاد المركزي للوطن العربي. وإنه من المهم أن يعلن الإعلام العربي والإسلامي المستقل عن تأثيرات الحلف الصهيوني ومن يتضامن مع القضية من حلفائهم الإنسانيين النفير العام ليس لمشاعر عاطفية هي مستحقة بكل تأكيد ولكن لخطة شاملة تنطلق لإسناد مشروع المقاومة لمقدمات هدم الأقصى وتعيد تشكيل فعالياته وكل روابطها الأهلية والرسمية الممكنة للقيام بهذا الواجب المقدّس لسورة الإسراء. فهل يختلف المسلمون على نص القرآن ومسرى الرسول فتسقط عهدة عمر؟