قالت مصادر سياسية لبنانية مطلعة إن مداولات تشكيل الحكومة الجديدة تجري بصمت وسرية على الرغم من تسريبات حول شكل الحكومة وأعداد الوزراء وأسمائهم التي جرى تداولها في الساعات الأخيرة. ورأت المصادر أن ما يتسرب من معلومات قد لا يكون بعيدا عن الصحة، وهدفه اسكتشاف ردود الفعل حول احتمالات تشكيل الحكومة وطبيعتها، ولكن بعض التسريب هدفه أيضا حرق بعض الأسماء المرشحة واستبعادها عن التشكيلة الرسمية. ووضع مراقبون موقف زعيم تيار المردة سليمان فرنجية ضد حكومة حسان دياب كرد فعل على معلومات وصلته حول تشكيلة الحكومة وتداول أسماء بعضها من زغرتا (مسقط رأس فرنجية) وتعتبر على خصومة سياسية مع فرنجية. غير أن آراء أخرى ترى أن خلافا حقيقيا داخل تحالف 8 آذار ما زال يؤخر إعلان التشكيلة الحكومية التي تقول معلومات إنها باتت جاهزة وقد قدم دياب مسودة عنها إلى رئيس الجمهورية ميشال عون في الاجتماع الذي ضمهما في بعبدا الثلاثاء. وتلفت المصادر إلى أن ما عبّر عنه فرنجية من أن حكومة دياب ظاهرها من الاختصاصيين وباطنها مرتبط برئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، ليس بعيدا عن موقف زعيم حركة أمل رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي تقول المعلومات إنه غير راض عن بعض الأسماء داخل الحكومة العتيدة، وإنه ما زال يدعو إلى تضمين الحكومة أسماء حزبية. ويحيط الغموض بعملية تأليف الحكومة. ولا يشعر المراقبون بأن الأمر جديّ وقد يؤدي فعلا إلى التوافق الداخلي على إنتاج حكومة إنقاذ يمكن قبولها من الخارج. ويشتبه هؤلاء في أن ما يجري من مداولات وتسريب لا يعدو كونه تقطيعا للوقت بانتظار صفقة أخرى، قد تكون مفاجئة، تنهي المرحلة التي بدأت منذ طرح حسان دياب مرشحا ثم رئيسا مكلفا للحكومة. وذكرت مصادر سياسية أن كثيرا من الشخصيات السنية التي تم الاتصال بها قد اعتذرت عن عدم المشاركة في وزارة دياب، وأن لا أحد داخل الطائفة السنية متحمس للقبول بمركز وزاري في أجواء سنية محتقنة ضد الطريقة التي تم بها اختيار دياب بما ينتهك الميثاقية المنتهجة تقليديا لحماية العيش المشترك في البلاد. وجاءت المواقف التي اتخذها زعيم تيار المستقبل سعد الحريري، الثلاثاء، ضد باسيل والرئيس عون والتي اعتبر فيها أن الحكومة المقبلة هي حكومة باسيل، بمثابة فيتو سني جديد على حكومة دياب، يضاف إلى مواقف صدرت عن رؤساء الحكومة السابقين، تمام سلام وفؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي، الرافضة للشكل المدبر الذي تم من خلاله تكليف شخصية سنية لا تحظى بغطاء الطائفة الديني والسياسي. وتشكك مصادر سياسية في قدرة دياب على الوفاء بوعده بتشكيل حكومة من الاختصاصيين المستقلين، خصوصا وأن ما تسرّب من أسماء أظهر أن لجميعها ارتباطات سياسية، وأن بعضها كان في السابق ضمن توليفة وزارية تخضع لنظام المحاصصات الحزبية السياسية. وذكرت المصادر أن نظرية "الاختصاصيين المستقلين" تتسق مع دعوة وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل الذي سبق أن أعلن في مؤتمر صحافي، عن رفضه والتيار الوطني الحر المشاركة في أيّ حكومة يترأسها الحريري، مطالبا بتشكيل حكومة من الاختصاصيين المستقلين من رئيسها إلى كافة وزرائها. ولا يأتي إجماع الحريري وفرنجية على اتهام حكومة دياب المنتظرة بأنها حكومة باسيل، من فراغ، وأن ما يتسرب حتى الآن يوحي بأنها كذلك، خصوصا وأن الرئيس عون لوّح بذلك، معتبراً أن الأمر من حق صهره، باسيل، طالما أنه زعيم أكبر كتلة نيابية، مع تأكيد عون أن باسيل لا يفعل ذلك. وتلفت مصادر برلمانية إلى غموض موقف حزب الله بشأن حكومة دياب، على نحو يوحي أن الأمور ما زالت غير جدية ولا تستدعي موقفا حاسماً. وقالت المصادر إن الحزب ما فتئ يردد أنه عازم على تسهيل عملية التأليف، دون أن يؤكد قبوله بأن لا يكون لديه تمثيل مباشر داخل هذه الحكومة، متسائلة عن تبرير حزب الله لخروجه المحتمل من الحكومة، وهو أمر كانت تطالب به الولاياتالمتحدة التي لم تستسغ مشاركته في حكومة الحريري المستقيلة. وتعتبر مصادر دبلوماسية عربية في بيروت أن مبدأ تخلي حزب الله عن مشاركته في الحكومة سيشكل سابقة لا يمكن اعتبارها إلا تراجعا في نفوذ حزب الله وخضوعا للضغوط الدولية في هذا الصدد. وتضيف هذه المصادر أنه إذا ما حصل فعلا هذا الأمر في لبنان، فإنه سيكون سابقة قد تحتذى في العراق من خلال إبعاد الأحزاب الموالية لإيران عن الحكومة المقبلة في العراق وجعلها حكومة تكنوقراط خالية من التمثيل السياسي. ومع ذلك تستبعد المصادر هذا الأمر في لبنان معتبرة أن مداولات حكومة دياب قد تتطور على نحو دراماتيكي في الأيام المقبلة.