احتضن المسرح الوطني الجزائري نهاية الأسبوع الماضي، العرض المسرحي الذي كسر كل ما هو متداول وكسب رهان عودة الجمهور إلى قاعات المسرح، وهو من تأليف وإخراج أحمد رزاق وإنتاج المسرح الجهوي لمستغانم يحمل عنوان “خاطيني”. لم نتعود كا مشاهدين أو كجمهور أن نرى ما رأيناه في عرض مسرحية “خاطيني” للمخرج أحمد رزاق الذي سبق وأن قدم عروض مماثلة وكسب بها رهان الجمهور على غرار مسرحيتي “طرشاقة” و”كشروده”، اللتان حققا أيضا ما حققته أحدث أعمال المخرج خلال عرضها بالمسرح الوطني، فطوابير دخول قاعة المسرح ونفاذ تذاكر العرض ما هو إلا دليل أن جمهور المسرح مازال موجود والغائب الحقيقي هو العرض المسرحي أو عمل المسرحي أو بالأحرى الإبداع المسرحي، لأنه ما أن نشر خبر عرض مسرحية “خاطيني” وبدأ توافد الجمهور إلى المسرح لاقتناء تذاكر المسرحية حسب ما رصدنه من إدارة المسرح، وهذا ما يؤكد أن الجمهور مازال متواصلا مع المسرح ، فقط ما هو بحاجته هو مشاهدة عمل مسرحي يعالج قضاياه ويهتم به وبمشاكله ويرصد يومياته. مسرحية “خاطيني” استطاع من خلالها مخرجها أحمد رزاق أن يقدم الوضع السياسي والإجتماعي التي تعيشه الجزائر منذ 22 فيفري المنصرم، أي منذ بداية الحراك الشعبي الذي مازال متواصلا إلى يومنا هذا، بجرأة موزونة، لم يتعدى فيها الخطوط الحمراء. المخرج أحمد رزاق بوصلته توجهت نحو الأنظمة الفاسدة التي يتحكم فيها الشيوخ الذين فوّتوا الفرص عن الشباب، الأمر الذي جعل هذه الفئة تختار الهجرة كحل لحياتهم، وجعل من قصة شاب يدعى “خاطيني”، مثلا لتسليط الضوء على هذه المعضلة، إذ تدور أحداثها حول بلد يخلو من الشباب يعيش فيه الشيوخ والعجائز بعد أن هاجر كل الشباب بسبب الأوضاع المعيشية المزرية وانعدام الأمل في التغيير ليبقى شاب واحد فقط يريد الهجرة هو الأخر لكن يحاول الجميع منعه من الهجرة بحجة أن استمرارية الوطن مرهونة ببقاءه، يستعملون عدة طرق لمنعه من الهجرة خارج الوطن لكن بين إصراره على المغادرة وحبه لوطنه و حب عائلته و حبيبته تقع العديد من الأحداث التي استلهمها رزاق من الواقع الجزائري والحراك الشعبي الذي بدأ في الجزائر منذ 22 فيفري 2019 ومزال متواصل ليومنا هذا حيث تخلل العرض العديد من الأغاني والمصطلحات التي تُؤدى في الحراك الشعبي انتهت المسرحية على أنغام الأغنية الإيطالية بيلا تشاو تحت تصفيقات الجمهور الذي بكى و ضحك في نفس الوقت من واقعه الذي عاشه ومزال يعيشه في حوالي ساعة ونصف و هتافات جزائر حرة ديمقراطية تغطي كل الأصوات. من جهة أخرى تحدث المخرج المسرحيّ أحمد رزّاق، عن عرضه قائلا” أن مسرحيّة خاطيني” كتبت كسيناريو فيلم سينمائيّ قصير بعنوان “مدينة الشيوخ”، مشيرا إلى أن تم تحويله إلى مسرحيّة تحاكي ما تشهده الجزائر ودول أخرى من حراك شعبي مثل ما حدث أو يحدث في فرنسا وهونكونغ ومصر، معتبرا في السّياق، أن المسرحيّة بمثابة محاسبة للذّات، في صورة فرد وعائلة ومجتمع، وقال إنه اعتمد أسلوبا مباشرا في تمثيل الواقع المعيش على ركح المسرح، بلمسات فنّية خاصة، مشيرا إلى أنّ الصرخة في نهاية اللّوحة التاسعة، تعكس رد فعل المجتمع، وأنّ كل نظام يقمع شعبه لا يملك حلولا، وسيكون مآله السّقوط، مشيرا إلى أن المسرح الناجح في منظوره، هو الذي يعتمد على الجمهور بقاعات عروض ممتلئة، وليس مسرحا بدون جمهور، خاصّة في ظل الأوضاع الراهنة، عكس التّيار الذي يؤمن بعمل فلسفيّ فقط رغم إيمانه بتعدد أنماط المسرح.