لسنوات طويلة ، قضى المسن الثمانيني محمد شريف محمد السعدي ، غالبية أوقات حياته في متابعة الإخبار المتعقلة بصفقات تبادل الأسرى وعمليات الإفراج عنهم ، متمنياً أن ينطق المذياع باسمه نجله عميد أسرى محافظة جنين الشيخ رائد السعدي ، ويزف له بشرى حريته التي ما زال يصادرها ويحرمها منه الاحتلال الاسرائيلي ، ورغم فقدانه البصر بسبب حزنه وألمه على مدار 31 عاماً وقطار العمر يمضي ورائد خلف القضبان ، فانه صبر متمسكاً بالأمل ، لكنه يشعر اليوم بقلق وتوتر اكبر وأصبح لا يفارقه المذياع لحظة لمتابعة تطورات الإخبار حول فيروس ” كورونا “، وخاصة فيما يتعلق بالأسرى خلف القضبان ، وتقول كريمته المربية قمر السعدي ” أم يوسف “:” كلنا نشعر بقلق وخوف من هذا الوباء العالمي الذي يتهدد العالم بأسره ، ولكن مشاعرنا متوترة كثيراً لخوفنا على أسرانا وفي مقدمتنا والدنا الذي نالت منه الأمراض حتى أصبح عاجزاً عن زيارة رائد الذي لا يغيب اسمه وذكره عن لسانه منذ فقد البصر ولم يعد قادراً على زيارته “، وتكمل ” يجلس ليل نهار بغرفته والمذياع لا يفارقه ليتابع تطورات الإخبار حول المرض بشكل عام والأسرى وأوضاعهم خلف القضبان تحديداً ، ولسانه لا يتوقف عن الدعاء لله ليحميهم ويرعاهم “، وتتابع ” والدي يعيش أوجاعا شديدة فمن عدم قدرته على زيارة ابنه بسبب المرض وتكرار شطب اسمه من صفقات التبادل ورفض الاحتلال إطلاق سراحه وباقي الأسرى في ظل هذه الظروف والقاهرة والمخيفة بين كافة أسرانا وأهاليهم ، فنحن جميعا ً في جائحة كبيرة لا نعلم اين ستقودنا ، ونسأل الله ان يرفع هذا الوباء والبلاء ويحمينا وكل أسرانا منه “. بؤرة الخطر .. كوالدها وعوائل الأسيرات والأسرى ، تهتم ايضا المربية أم يوسف ، بما يجري من احداث خلف قضبان الاحتلال التي يرزح فيها شقيقها رائد المولود في بلدة السيلة الحارثية بتاريخ ،20-2-1966 ، والمعتقل منذ 8-8-1989 ، وتقول ” اذا كنا كاحرار في بيوتنا الأمنة والحمد الله لا يوجد اصابات ومرضى ويكرمنا رب العالمين بالحماية ، نشعر بتوتر وقلق على ابنائنا ، فكيف بحالنا وشعورنا على ابنائنا جميعا داخل السجون “،وتضيف ” الاحتلال يحتجزهم في ظروف فيها مقومات بؤرة التفشي من خلال اجبارهم على مخالطة السجانين الداخلين والخارجين للعدد والاجراءات الامنية وغيرها ، فلا يمكن أن نشعر بالأمان على حياتهم والخطر يحيط بهم من جميع الجهات “، وتكمل ” ادارة السجون لا توفر لأسرانا وسائل الوقاية والحماية ،فهم في بؤرة الخطر ، ونناشد المؤسسات التي تتابع ملف الاسرى ومنظمات حقوق الانسان ،بذل قصارى جهدهم لتخليص شقيقي وكل الاسرى وتحريرهم ، وحتى يتحقق ذلك ، الزام الاحتلال بتوفير الرعاية والحماية لهم بشكل عاجل “. لحظات قلق .. بحزن وألم ، تقول أم يوسف ” كل يوم تتفاقم معاناتنا وتزداد مخاوفنا على أسرانا لعدم التزام الاحتلال بتوفير الشروط والمعايير المطلوبة لحمايتهم ووقايتهم ، فهم يحتجزونهم باعداد كبيرة في غرف الاعتقال غير الامنة ، بينما من اهم الشروط الابتعاد والمساحة واستخدام المعقمات وادوات التنظيف التي لا يوفرها الاحتلال “، وتضيف ” على مدار الساعة ، نترقب الاخبار والمؤتمرات الصحفية وسط الرعب والقلق على اسرانا وخاصة المرضى وكبار السن والاطفال ،فأي شريعة وقانون يجيز استمرار اعتقالهم وهم أكثر المهددين بالفيروس “، وتكمل ” لم نعد قادرين على الصبر والاحتمال ، فكل سنوات الوجع خلال الاعتقال لا تساوي لحظة من حياة الجحيم والرعب التي نعيشها اليوم ، ونناشد الرئيس محمود عباس وكافة المسؤولين ، الضغط لاطلاق سراحهم جميعاً وعدم تركهم رهائن للاحتلال الذي تفنن في عقابهم وعذابهم وقتلهم بشكل بطيء “. الأسير رائد .. تتزين جدران منزل عائلة السعدي في مسقط رأسه بلدة السيلة الحارثية بصوره التي تروي حكايته منذ بداية اعتقاله حتى تجاوز العقد الخامس ، وتقول شقيقته المربية أم يوسف ” نشأ وعاش وتعلم في بلدتنا التي تشهد له بالبطولة والشجاعة منذ نعومة اظفاره ، فعلى مقاعد الدراسة شارك في المسيرات والمواجهات خلال انتفاضة الحجر ، وكان أول طفل يتحدى الاحتلال برفع علم فلسطين ، فاعتقل رغم صغر سنه “، وتضيف ” تابع تعليمه حتى مرحلة الثانوية العامة ، لكنه انتمى لخلية فدائية وتعرض للاعتقال والتعذيب وحوكم بالسجن المؤبد مرتين ، وتكررت النكسات بحياتنا برفض اطلاق سراحه في كافة الصفقات والافراجات ، وكانت صدمته الكبيرة وفاة والدتي التي قضت عمرها على بوابات السجون وهي تنتظر حريته “، وتكمل ” تحدى الاحتلال بالتعليم والدراسة ، وحقق النجاح في الثانوية العامة وانتسب للجامعة وحصل على شهاة بكالوريوس تخصص دراسات في التاريخ ” ، وتتابع ” نشعر بفخر واعتزاز بصمود وصلابة رائد الذي ضحى بشابه وما زالت يتفانى ويقدم من اجلنا ومن اجل الوطن وحرية ارضه وشعبنا ، وباذن الله لن تذهب هذه التضحيات هدراً “. صور اخرى .. الوجع الأكبر للعائلة ، كما تروي الشقيقة ، أن الاحتلال حرم رائد من تنسم عبير الحرية ، عندما اوقف الافراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى القدامى عام 2014 ، وبعدما استعدت العائلة بعد اعلان اسمه ، نغص الاحتلال فرحتها باعادته للسجن الذي اثر على صحته ، فقد عاني من مشاكل صحية واجريت له عدة عمليات داخل السجون وحاليا وضعه مستقر ، وتقول ” والدي الذى افنى عمره بتربية وتعليم الاجيال حتى تقاعد ، وعاش تجربة الاعتقال ، ، بقي محافظا على زيارة رائد على مدار 29 عاماً حتى فقط بصره نهائيا” ، وتضيف ” كوالدتنا كان يتمنى رؤيته حرا وعناقه والفرح بزفافه ، ولكن الهم والالم والحزن على ضياع زهرة شبابه خلف القضبان ورحيل رفيقة دربه والدتنا وهي تتمنى احتضانه ، اثر على صحته حتى فقد القدرة على تحمل مشاق وعذاب الزيارة للسجون “، وتكمل ” كوالدنا ، نصلي لرب العالمين ليمد بعمره حتى تتحطم هذه القيود التي كبلت أخي 31 عاماً لم نفقد خلالها رغم كل صنوف المرارة الامل بمكرمة رب العالمين حريته وكافة الأسيرات والأسرى وان شاء الله الفرج قريب “.