رمضان واحد فقط، عاشته المواطنة فلسطين المحروم مع زوجها القائد سامر عصام سالم المحروم الذي تزوج بها بعد تحرره في صفقة “وفاء الأحرار” بتاريخ 18-10-2011، بعدما قضى 27 عاماً خلف القضبان، وفي العام 2014 اختار تاريخ 17-4 يوم الأسير الفلسطيني موعداً لزفافه، ولكن ما لبث حتى أعاد الاحتلال اعتقاله مجدداً بتاريخ 18-6-2014 لقضاء ما تبقى من حكمه الأصلي المؤبد. زوجته فلسطين التي صبرت وعانت غيابه، وأصبحت مسؤولةً عن طفلين توأم رُزقت بهما من نطفٍ مجمدة، تعبر عن حزنها وتأثرها لغياب رفيق دربها الذي يستقبل رمضان السادس خلف القضبان في اعتقاله الثاني. وتقول: “6 سنوات مرت، لم أشعر بفرحة شهر رمضان، لأن سامر غير موجود معنا، ولم يشاركنا طقوس ونفحات هذا الشهر الكريم الذي نتضرع فيه لرب العالمين ليتحرر من السجن والقضبان الشائكة وظلم السجان”. وتضيف: “حلول شهر رمضان على عائلات الأسرى ليس سهلاً، فهو يذكرهم بأحبتهم خلف القضبان الذين يُغيبهم الاحتلال عن موائد الافطار، فمنذ اليوم الأول تغيب مظاهر الفرحة عن حياتنا لأن أسرانا مفقودون ومجتجزون في مدافن الأحياء”. رمضان والألم بالرغم من معنوياتها العالية واعتزازها بصمود زوجها سامر ونضاله، تلازم مشاعر الحزن الزوجة فلسطين في كل المناسبات، خاصة في شهر رمضان، وتقول: “عشنا رمضاناً واحداً معاً حتى فرّق الاحتلال والقيد شملنا”. وتضيف: “هناك ألمٌ مستمرٌّ يعتصرني لغيابه عن مائدة الإفطار، ففي الأيام العادية أتذكر زوجي عند كل وجبة طعام وأتحسر، لكن في رمضان يكون الوجع أكبر والبكاء الفجائي عليه أصعب، ويبقى هناك نقص كبير”. وتتابع فلسطن: “رغم مشاركتي عائلة سامر إفطار رمضان، لكننا نفتقد الغالي والحبيب على قلوبنا الذي يبقى مكانه فارغاً لغاية اليوم، ونحن ننتظر أن يمتلئ بحضوره لتعمّ الفرحة ونجتمع جميعاً على مائدة واحدة في رمضان المقبل إن شاء الله، وأيضاً يختفي وباء كورونا ونعود إلى حياتنا الطبيعية وتنتهي معاناة السجن والسجان”. الأسير في سطور بتاريخ 24/ 4/ 1966، وُلد سامر في مدينة جنين لعائلة مناضلة، عاش فيها حياته، وتلقى تعليمه بمدارسها لتتفتح لديه روح الانتماء للوطن والارتباط في القضية، تميّز بحبّ التعليم والطموح بالدراسات العليا، لكن عبر مراحل حياته شارك في المسيرة النضالية، وفي مقتبل العمر انتسب لصفوف الجبهة الشعبية، وتقول زوجته فلسطين: “ينتمي سامر إلى جيل الثورة الذي رضع حليب النضال وفلسطين، فهو من جيل النكسة التي أدرك حقيقتها وأبعادها على مقاعد الدراسة، فشارك أبناء جيله مسيرة النضال والثورة”. وتضيف: “في المرحلة الثانوية، ساهم مع رفاقه في تأسيس اتحاد لجان الطلبة الثانويين، وشارك في الأعمال التطوعية والمسيرات والنشاطات الوطنية، وفي مرحلة المدّ الثوري انتسب بشكلٍ سريٍّ لصفوف الجبهة الشعبية”. وتشير إلى أنه “عاش حياته وفياً ومناضلاً، معطاءً ومخلصاً ووفياً، ومثلما كان باراً ومنتمياً لأُسرته ووالديه، كان حريصاً على تأدية واجبه النضالي والوطني ببطولةٍ وتضحية”. مرحلة الاعتقال الأُولى بعد نجاحه في الثانوية العامة، سافر سامر إلى الملكة الأردنية الهاشمية، وبدأ دراسته الجامعية، ثم عاد إلى الوطن لزيارة أُسرته، لكنه لم يتمكن من العودة إلى جامعته بسبب اعتقاله والحكم القاسي الذي فُرض بحقه، وتقول زوجته: “بتاريخ 15-11-1986، اعتُقل سامر مع رفيقيه حمزة وعمر النايف في مدينة القدسالمحتلة بتهمة تنفيذ عملية فدائية والانتماء للجبهة الشعبية، وبعد اعتقالهم أغلق الاحتلال منازلهم، ومارس بحقهم كل أشكال التعذيب والعقاب والعزل. وتضيف: “تعرضوا للقمع من السجانين حتى بعد محاكمتهم بالسجن مدى الحياة، فرحلة العقاب رافقت محطات الاعتقال والتنقل من سجنٍ إلى آخر، وعلى مدار 26 عاماً شطبت إسرائيل اسم سامر من كل صفقات التبادل والإفراجات، حتى أصبح من عمداء الحركة الأسيرة”. وتتابع: “خلال رحلة صموده ونضاله، تُوفي والده، وتعرّض أشقاؤه للاعتقال، وقضت والدته المناضلة عمرها على بوابات السجون، حتى تنسّم عبير الحرية في المرحلة الأُولى من صفقة وفاء الأحرار”. في تلك المرحلة، فرّ عمر النايف من سجون الاحتلال، وتمكنت الجبهة الشعبية من تهريبه خارج الوطن حتى استقر في بلغاريا، فتزوج وأسّس حياته وعاش، حتى طالبت إسرائيل بلغاريا بتسليمه، فرفض وتمرد واختبأ عمر في السفارة حتى استشهد داخلها، أما حمزة فتنسم الحرية مع سامر في الصفقة نفسها، لكنه أُبعد خارج الوطنن وحُرم من العودة إلى عائلته في مدينة جنين. الزواج والاعتقال لانتمائه لقضية الأسرى ووفاءً لرفاقه الذين تركهم خلف القضبان، اختار سامر تاريخ 17-4-2014، يوم الأسير الفلسطيني، موعداً لزواجه بعدما أسس لحياته وخطّط لمستقبله، وعاش في منزله الجديد، كما تقول فلسطين “حياةً رائعةً وجميلةً لا تصفها كلمات، لما تمتع به من روح ونهج حياة وقيمٍ إنسانيةٍ سامية، بدأنا نخطط لحياتنا وأحلامنا، واهتم سامر بتوفير أجواء أُسرية ليعيش حياته من جديد بعد سنواتٍ العذاب والحرمان والصبر الطويل”. وتضيف فلسطين: “فجر تاريخ 18/ 6/ 2014، اقتحم الاحتلال منزلنا، وعشنا الصدمة المؤلمة عندما أبلغونا بقرار اعتقاله التعسفي والصادم وغير المبرر، فسامر منذ اعتقاله لا يهتم سوى بأُسرته، والتزم بشكلٍ كاملٍ ببنود الصفقة التي خرقها الاحتلال بإعادة اعتقال محرري الصفقة”. وتكمل: “الوجع الثاني الذي عشناه، صدمة فقداني الحمل من شدة تأثري وقلقي عندما اعتقل الاحتلال زوجي قبل أن يتحقق حلمنا برؤية طفلنا الأول، فدفعت الثمن غالياً”. سفراء الحرية بالرغم من السجن وصدمة إعادة الحكم لسامر، صمّم على أن يُحقق حلم والدته، فأهداها طفله الوحيد “آدم”، الذي أبصر النور خلال اعتقاله من نظفةٍ مجمدة، وتقول فلسطين: “رغم حزننا وألمنا على غياب سامر، فإنّ ولادة طفلنا أعادت الفرح والحياة والأمل للعائلة، خاصة حماتي أُم سالم التي وزعت الحلوى واحتفلت واعتبرت ذلك هدية وبشرى من رب العالمين بقرب حرية سامر”. وتضيف: “أول مرةٍ شاهد فيها سامر ابنه آدم وهو بعمر 3 أشهر، كانت فرحته به لاتوصف، فقد كان حلم حياته أن يكون لديه ولد يحمل اسمه، وأن يكون لديه عائلة جميلة”. وتتابع: “صدمة العائلة وسامر الكبرى، عندما رحلت والدته المناضلة أُم سالم إثر جلطة مفاجأة بتاريخ 2/ 11 / 2017، فبكى وتجرعنا مرارة الألم والحسرة التي ما زالت مستمرة، فقد بقيت تقاوم وتتحدى وتشارك في المسيرات وخيام التضامن وحلمها الوحيد عودة وعناق سامر، لكنها رحلت وما زال في القلب جرح نازف لن يندمل”. صور أُخرى تجددت الأفراح في حياة سامر وعائلته، بعدما رُزق بطفلته الثانية ياسمين من نظفة مجمدة قبل 10 أشهر، ليتحقق حلمه الثاني، وتقول زوجته: “رغم الفراق وألم السجن، عاش سامر الفرح على طريقته الخاصة بمولودتنا الجديدة، خاصة عندما تمكّن من رؤيتها عبر شبك الزيارة لتتعزز روح الأمل بحريته”. وتضيف: “خلال العام الجاري، تمكنت مع آدم وياسمين من زيارة والدهم 3 مرات، وكانت زيارتنا الأخيرة لسامر مفرحة بغض النظر عن الصعوبات والمضايقات التي نراها من الاحتلال على الحواجز الإسرائيلية”. وتُكمل: “في كل زيارة، يتابع سامر بفرح مراحل نمو أطفالنا، ويفرح كلما يراهم يكبرون، رغم شوقه لعناقهم وتأثره لغيابه عنهم، فتصبح لديه نافذة أمل جديدة ليتحرر ويعانقهم”. وتتابع: “سامر أمله وروحه في الدنيا أطفاله، الذي يتمنى أن يُكمل تربيتهم، ويرى مراحل نموهم أمامه، وأن يزرع في روحهم حب الحياة والدين والصلاح وحب الوطن والعلم”. قلق كورونا تحرص الزوجة الصابرة فلسطين على متابعة أخبار الأسرى باهتمامٍ أكبر منذ تفشي “كورونا”، وتقول: “قبل هذا الفيروس اللعين، كنا نتابع الأحداث بانتظار خبرٍ مُفرحٍ عن صفقة وعملية تبادل تفك قيد زوجي وكل الأسرى أمثاله، لكننا نعيش اليوم حالةً من الخوف والتوتر على حياتهم في ظل ظروف السجون وتفشي هذا الوباء”. وتضيف: “عند سماعنا أنباء عن وجود مصابين في السجون، تنتابنا كوابيس رعب رهيبة، لكننا لا نملك سوى الصبر والدعاء، لعل وعسى أن يستجيب لنا رب العالمين، لحماية زوجي وكافة الأسرى، ويديم عليهم الصحة والسلامة”. وتكمل: “في سجن “النقب”، يُعدّ سامر مثلنا الساعات والسنوات في انتظار نبأ الحرية، واجتماع شمله مع أطفاله والعائلة هو وجميع الأسرى، فلن تكون في حياتنا أفراح أو أعياد دون سامر الذي يستقبل رمضان ال33 خلف القضبان، فأفراحنا موقوفة ومؤجلة حتى يكرمنا رب العالمين بحريته”.