في شهر أكتوبر عام 1996 قتل المستوطن الاسرائيلي ناحوم كورمان الطفل الفلسطيني حلمي شوشة 11 عاما، سكان قرية حوسان قضاء بيت لحم، المجرم الاسرائيلي الذي كان مسؤول أمن المستوطنات في المنطقة لاحق الطفل والقى القبض علية ثم بطحه على الارض وداس بحذائه العسكري على رأسه ورقبته حتى اختنق وارتقى شهيدا. المحكمة العسكرية الاسرائيلية حكمت على المجرم القاتل بما يسمى حكماً تأديبيا مخففا ب 6 شهور خدمة اجتماعية، تجسيدا للسياسة العنصرية التي يمثلها جهاز القضاء في اسرائيل والتمييز في الإحكام بين يهودي وفلسطيني، بين دم ودم، بما يعتبر اعلانا صريحاً بتشجيع القتل والإعدامات خارج نطاق القضاء وإعطاء حصانة قانونية للمجرمين والقتلة، هذه السياسة التي أصبحت نهجا مستمرا في التعامل مع الفلسطينيين في الأراضي المحتلة. لا فرق بين ما قام به الشرطي الامريكي الأبيض بحق المواطن الامريكي الأسود جورج فلوريد في شهر حزيران من العام 2020 والذي دعس بحذائه العسكري على رقبته ورأسه حتى اختنق ومات وبين المجرم الصهيوني كورمان، فوباء العنصرية المتأصل تاريخيا في امريكا هو نفسه وباء العنصرية المتنامي بوحشية في اسرائيل، البسطار العسكري الذي قتل فلويد الامريكي هو نفسه البسطار العسكري الذي قتل حلمي الفلسطيني، والشرطي الامريكي المشبع بالعنصرية والذي يمثل النظام في امريكا هو نفسه الشرطي والجندي في اسرائيل الذي يمثل النظام والمؤسسة ومنظومة القمع المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني. الجماهير الأمريكية من مختلف الأعراق خرجت في مظاهرات حاشدة ضد القهر والتمييز العنصري، وقامت بإسقاط عدة تماثيل ونصب للآباء المؤسسين لأمريكا والذين أصلوا ودافعوا عن العنصرية، وقد رفعت الجماهير الأمريكية شعار : "دعونا نتنفس". الشعب الفلسطيني لم يتوسل توسل العبيد، فمن تحت كاهل نظام الابرتهايد الاسرائيلي والحكم العسكري الاستعماري الصهيوني فأنه يتنفس ويحرك هواء الحرية في كل الاتجاهات، فالإيمان بالحرية أقوى من كل سلاح. نحن نتنفس مدركين ان صفقة القرن الأمريكية هي تصدير للعنصرية الأمريكية المقيتة والتي تتوافق مع خرائط ومشاريع الضم الاسرائيلية وتشريع الاستيطان للسيطرة على جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتمزيق الأراضي الفلسطينية الى جيوب متقطعة ومعزولة جغرافيا واجتماعيا، وتحويل الاحتلال العسكري الاسرائيلي من احتلال مؤقت الى احتلال دائم، الشعب الفلسطيني الذي يتنفس رفض الصفقة التآمرية ورفع شعار لا مقايضة على حقوقنا القومية والسياسية. نحن نتنفس مدركين ان الضم هو السيادة وتعميق الاحتلال، سواء كان ضما صغيرا ام كبيرا، وسواء تم الآن او تأجل، شهقات الشهداء تنتقل الى صدور الاحياء وتستمر أنفاس المقاومة. نحن نتنفس، لن نغرق في الجدل القانوني والفقهي حول الفرق بين الضم والسيادة، نحن نتطلع الى الحرية الشاملة والانعتاق من براثن المحتل، نتطلع الى دولة فلسطينية كاملة ذات سيادة، نرفض ان ترسم أسنان الجرافات الاسرائيلة حدود وجودنا، أحلامنا كبيرة، شعارنا: الحرية والكرامة. نحن نتنفس، لم تعد الجدران والأبواب والحواجز العسكرية قادرة على خنقنا، نهضنا في كل جولات الموت والمواجهة، انتفاضة تتحرك في مخاضات النبوءة في الجولة القادمة. نحن نتنفس بلا كمامات أمريكية ودولية، تنصدى لوباء كورونا ووباء الاحتلال، عافية الروح الفلسطينية تقلب الطاولة، لا سلطة وطنية منزوعة السيادة، لا دولة فلسطينية بدون القدس العاصمة، نصلي صلاة الفجر العظيم في المسجد الأقصى وصلاة الفجر المبين في كنيسة القيامة. نحن نتنفس، هناك رئة ثالثة للفلسطيني، الفلسطيني لا يختنق بسهولة، يعرف ان يموت كثيرا ليحيا كثيرا، الأرض تتنفس وهي تدافع عن دمها وعشبها تتصدى للأسطورة المسلحة وخرافة ارض الميعاد المعادية. نحن نتنفس في الزنازين الضيقة، في الملح والماء والإرادات الجامحة، نتنفس جوعاً وعطشاً وغضبا، لا يكسرنا السجان ومخططات تجريد الاسرى من مشروعية نضالهم الوطني، الهوية تقاتل والنفوس الثائرة. نحن نتنفس، أشجارنا و مزروعاتنا في الحدائق فوق أسطح منازلنا تتنفس، الأرض معلقة بين الأرواح والسماوات السبع، أشجارنا تعلم الأعداء الغرباء دروسا في الزراعة، أشجارنا أكبادنا تمشي على الأرض اكبر من جدرانهم العالية. نحن نتنفس في الحصار وعلى السياج الفاصل في قطاع غزة، نملك الإيمان والصمود ونشعل المظاهرة، طائرات ورقية مشتعلة، النشيد الوطني في كل المدارس، نقرأ كل الدروس ونفتح النوافذ، نحن الكنعانيون الثابتون على أرضنا ثبات الطير في وجه العاصفة. نحن نتنفس مدركين اننا آخر العرب الذين يدافعون عن هذه القلعة المقدسة كما قال الشاعر نزار قباني، لكننا نتنفس متوكلين على الله واستقلالية قرارنا وصمودنا، نحمل مؤونة دمنا فتكفينا، اما ان نكون او لا نكون. نحن نتنفس، لن نكون رجال الكابو الذين يديرون شؤون السجناء نيابة عن السجان، لن نسمح ان تكون الضحية ضد الضحية كما يحلم الاسرائيليون. نحن نتنفس، 544 أسيرا محكومين بالمؤيدات يتنفسون داخل المؤبد، كريم يونس ونائل البرغوثي بعد أربعين عاماً في السجن يتنفسان، يدربون أحلامهم على الحرية بعد قليل، يمشون في براري أرواحهم الطليقة. نحن نتنفس، الاسرائيليون يختنقون بنا، هواؤنا الفلسطيني يطاردهم داخل معسكراتهم وثكناتهم وفي أبراجهم المسلحة، هم دولة خطايا يصنعون روايتهم بالقمع والجريمة، ونحن نواجه دولة الطغيان بكل ما فينا من حقيقة. نحن نتنفس، شهداؤنا المحتجزون في مقابر الأرقام السرية يتنفسون، قرانا المهجرة تتنفس فينا، جرحانا يتنفسون بجروحهم المفتوحة، نغسل ذاكرتنا من صدأ النسيان. نحن نتنفس، لن يخيفنا البسطار العسكري الاسرائيلي والأمريكي، حذار ايها المحتلون: عندما يختنق ماء النهر يجري الفيضان.