في ظل النزاع القائم بين أنقرة وباريس مؤخرا، أرسلت الأخيرة طائرتين من نوع رافال وفرقاطة حربية إلى اليونان، وهو تطور يبقى محدود الأهمية عسكريا، ولكن دلالته السياسية خطيرة بحكم الانشقاق الحاصل في منظمة شمال الحلف الأطلسي وتفاقم الشرخ مع تركيا. وبعد سيادة الخلاف الشديد حول الملف الليبي منذ نهاية السنة الماضية حتى اليوم لا سيما بعد التحرش التركي بفرقاطة فرنسية خلال شهر يونيو الماضي، دخل الصراع التركي-الفرنسي مرحلة جديدة وهذه المرة يشمل قبرص واليونان. فقد أقدمت تركيا مؤخرا على إرسال سفن حربية إلى منطقة متنازع عليها مع اليونان ويعتقد باحتوائها الغاز. وإذا كان رد الفعل اليوناني عاديا، لاسيما وأن النزاعات بين البلدين كثيرة وتعود إلى عقود ولا تخرج عن الجدل السياسي وإن كان عنيفا، فهذه المرة انضمت فرنسا إلى المواجهة كطرف منحاز، حيث أرسلت مقاتلتين من نوع رافال وفرقاطة إلى اليونان. وجرى تفسير هذا الاستعراض العسكري بضغط فرنسا على تركيا. في هذا الصدد، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأربعاء الماضي إن "التواجد العسكري الفرنسي يهدف إلى دفاع فرنسا عن حرية الملاحة وضمانها في البحر الأبيض المتوسط واحترام القانون الدولي". عسكريا، لا يمكن نهائيا لفرنسا من خلال طائرتين وفرقاطة تغيير موازين القوى العسكرية في المنطقة أو تأمين حرية الملاحة، لسببين، الأول وهو قوة الأسطول الجوي والبحري التركي، إذ في حالة نزاع لا حظوظ لفرنسا بمقاتلتين مواجهة سرب من المقاتلات التركية (إف 16) ثم لا يمكنها الصمود أمام النظام الروسي إس 400 المضاد للطيران. وثانيا، لا يمكن لفرنسا الدخول في مواجهة في شرق البحر الأبيض المتوسط لأنها ستحتاج إلى نقل عتاد عسكري ضخم ولا أحد سيستقبله، وبطبيعة الحال لن تستعمل السلاح النووي. علاوة على كل هذا، تساهم كل الدول المطلة على ضفتي البحر المتوسط في تأمين الملاحة وحريتها لأن الأمر يتعلق بفضاء بحري شبه مغلق عكس المحيطات. لكن الاستراتيجية الفرنسية ترمي إلى التسبب في مزيد من التوتر بين الغرب وتركيا، وكان التوتر الأول هو الناتج عن شراء تركيا لنظام إس 400 منذ سنتين، وتجلى التوتر الثاني في سياسة تركيا في ليبيا، وإن كانت فرنسا لم تنجح في تأليب واشنطن وبرلين ولندن ضد أنقرة في هذا الملف. بينما يتجلى التوتر الثالث في الانحياز إلى اليونان على حساب تركيا رغم عضوية الدول الثلاث، تركياوفرنسا واليونان، في منظمة شمال الحلف الأطلسي الذي تنص قوانينه على عدم إرسال أي قطع حربية في حالة تفاقم النزاع بل إحالة النزاع على مؤسسات الحلف.