كمية الطاقة وقيمتها من الاستثمار في النفط والغاز أكبر بكثير من كمية الاستثمار نفسها في الاقتصاد الأخضر. وهذا يعني أن معدلات النمو الاقتصادي بسبب التحول إلى الاقتصاد الأخضر أقل من معدلات النمو الاقتصادي لو تم الاستثمار في النفط والغاز. وإذا تم فرض ضرائب على إنتاج النفط والغاز، بما في ذلك ضريبة الكربون، وتقديم إعانات للطاقة الخضراء، فإن معدلات النمو ستتباطأ أكثر. باختصار، الإنتاجية من النفط والغاز أعلى من إنتاجية الطاقة الشمسية والرياح، لنفس كمية الاستثمار. …العالم يحتاج إلى كل مصادر الطاقة وتخفيض الانبعاثات نمو الطلب على الطاقة سيستمر لعقود طويلة، وفقاً لكل التوقعات، وذلك بسبب النمو السكاني والاقتصادي من جهة، والتحول إلى "كهربة كل شيء" من جهة أخرى، إضافة إلى التحول في سلوك المستهلكين تجاه الإلكترونيات، وتحول المنتجين إلى الأتمتة. لهذا فنحن بحاجة إلى كل مصادر الطاقة، بما في ذلك النفط والغاز والطاقة النووية والشمسية والرياح وغيرها من الطاقة الحرارية وطاقة أمواج البحر. وبغضّ النظر عن الخلاف حول التغير المناخي، فإن مدن العالم تُعاني ارتفاع مستويات التلوث والانبعاثات، الأمر الذي ينعكس على ساكنيها صحياً، ومن ثم على أدائها الاقتصادي. لهذا فنحن بحاجة، على الأقل، إلى تخفيض مستويات التلوث والانبعاثات في المدن. إذاً القضية التي تحتاج إلى حل هي توفير مزيد من الطاقة لمقابلة الطلب المتزايد عليها في وقت يجب فيه تخفيض الانبعاثات الضارة ومستويات التلوث. ويمكن ترجمة هذا إلى سياسات تعتمد على التوازن بين أمن الطاقة وأمن البيئة في الوقت نفسه. المشكلة أن عدداً من الدول، بخاصة الأوروبية، أصابتها حمى التغير المناخي وضرورة خفض التلوث، فتبنت سياسات متطرفة، واختارت تطبيقها بسرعة، فنتج عن التطرف والسرعة نتائج عكسية، فخسرت أمن الطاقة وأمن البيئة معاً، وهذا ما رأيناه حتى قبل الحرب الروسية على أوكرانيا. إلا أن هناك بعداً آخر للموضوع قلّما ذُكر في أدبيات التغير المناخي والتحول الطاقي: بما أن الطلب على الطاقة في تزايد مستمر، وبما أننا بحاجة إلى خفض الانبعاثات، فما كمية الطاقة من الوقود الأحفوري التي يجب أن نستغني عنها لصالح الطاقة الشمسية والرياح من دون تخفيض معدلات النمو الاقتصادي؟ الموضوع أكبر من نمو اقتصادي لأن ثروة أي دولة تزداد باكتشافات النفط والغاز، ولكنها لا تزداد، على الأقل بنفس النسبة، إذا تم بناء مزيد من الطاقة الخضراء المتمثلة بالرياح والطاقة الشمسية. والأمور ستكون أسوأ لو تم تمويل هذه المشاريع بالاقتراض من البنوك والمؤسسات المالية أو نفذتها شركات أجنبية بتمويل خارجي. فالتدفقات المالية للطاقة الخضراء ستأتي من المستهلك المحلي والإعانات الحكومية، بينما إذا تم تصدير النفط والغاز، فسيجلب إيرادات وعملة صعبة للبلد المنتِج. وستكون الأمور أفضل لو تم إنشاء مصانع كثيفة الطاقة وتصدير منتجاتها للاستفادة من القيمة المضافة. هنا قد يقول قائل، ولكن ماذا لو تم تصدير الكهرباء من الطاقة الشمسية والرياح إلى الدول الأخرى؟ الجواب أن عائد صادرات النفط والغاز أعلى. ولكن، علينا أن نكون حذرين عند الحديث عن هذا الموضوع بالشكل المطروح أعلاه، لأنه ينطبق في حالة الاستبدال فقط، أي الاستثمار في الطاقة الشمسية والرياح على حساب الاستثمار بالنفط والغاز. هناك دول ليس لديها خيار، وهناك دول يكون الاستثمار في الطاقة الشمسية والرياح بالنسبة لها إضافياً. هناك أدلة تشير إلى أن الاستثمار بالطاقة الشمسية والرياح بدلاً من الاستثمار في النفط والغاز يؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي، سواء في الدول المنتجة أو المستهلكة. من ضمن تلك الأسباب أنه باستخدام كمية الاستثمار نفسها، نحصل على كمية طاقة أكبر بكثير من النفط والغاز مقارنةً بطاقة الرياح والطاقة الشمسية. وإذا تم حساب الآثار الاقتصادية السلبية لتقطع الكهرباء من طاقة الرياح والطاقة الشمسية، فإن الفارق لصالح النفط والغاز يكبر. وإذا نظرنا إلى ما يمكن إنتاجه من النفط والغاز، من آلاف المنتجات في كل المجالات، والتي لا يمكن إنتاجها من طاقة الرياح والطاقة الشمسية، يصبح الفرق أكبر بكثير. وتستفيد الدول المستهلكة من الاستثمار في قطاعات النفط والغاز في الدول المنتجة في أنها تمنع أسعار النفط والغاز من الارتفاع، ومن ثم تمنع أسعار الطاقة من الارتفاع، بخاصة أن هناك ارتباطاً بين تكاليف طاقة الرياح والطاقة الشمسية من جهة، وأسعار النفط والغاز من جهة أخرى. فارتفاع أسعار النفط والغاز يجبر الفقراء إلى اللجوء إلى مناجم الفحم القديمة، وقطع أشجار الغابات، واستخدام روث الحيوانات، وهذه جهود إضافية لا تدخل السوق، وتكون على حساب أعمال أخرى، ومن ثم تسهم في خفض معدلات النمو الاقتصادي. كما أن ارتفاع أسعار النفط والغاز يجبر محدودي الدخل على إعادة هيكلة إنفاقهم، الأمر الذي يؤثر سلباً في الاستهلاك، وهو الجزء الأكبر في أي اقتصاد، لأن الخيارات ليست المثلى مقارنةً بالفترة قبل ارتفاع الأسعار. وبما أن محدودي الدخل لهم ميول استهلاكية أكبر من الأغنياء، فإن أثر ذلك في النمو الاقتصادي سيكون واضحاً. هذا يعني أن انخفاض أسعار النفط والغاز نتيجة الاستثمار في النفط والغاز سيؤدي إلى عكس ما ذُكر سابقاً، ويعزز من الأمن البيئي والاقتصادي. وهنا، لا بُد من التنويه بأن المقارنة لا تتم بمقارنة أرقام العام الحالي، مثلاً، بأرقام الأعوام الماضية، ولكن يجب أن تتم بما يجب أن يكون لو لم يتم إحلال طاقة الرياح والطاقة المتجددة محل النفط والغاز. خلاصة الأمر أن محاربة التغير المناخي وخفض معدلات التلوث في المدن تتطلب التوازن بين أمن الطاقة، وأمن البيئة، والأمن الاقتصادي. وإذا نظرنا إلى مصادر الطاقة المختلفة، فإن المصدر الذي يحقق ذلك بسرعة هو الغاز الطبيعي، ويُضاف إلى ذلك الطاقة النووية على المدى الطويل. لهذا فإن العقوبات على روسيا واحتمال توقف أو انخفاض صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا ستكون لها آثار بيئية واقتصادية كبيرة. اندبندنت عربية