أصبح العالم قاب قوسين أو أدنى من تجربة الطاقة الأكثر أهمية. ففي حال نجحت المقترحات الرامية إلى استحداث صناعة جديدة تنتج ما يسمى «الهيدروجين الأخضر» صديق البيئة، فربما يصبح لدينا القطعة الأخيرة من الأحجية التي يمكن بها حل لغز منع تغير المناخ المدمر. لكن حال فشلت الجهود، فقد نكون على وشك إنفاق مئات المليارات من الدولارات التي ستذهب هباء. ولهذا السبب، هناك الكثير من الإثارة والخوف فيما يخص إعلانات الهيدروجين الدرامية في أوروبا، وأستراليا، وتشيلي في الأشهر الأخيرة. ويتوقع «الاتحاد الأوروبي» وحده إنفاق ما قد يصل إلى 470 مليار يورو (558 مليار دولار أميركي) على الهيدروجين صديق البيئة بحلول عام 2050، ومن شأن تحويل العالم بالكامل للسير في ذات الاتجاه أن يضاعف التكلفة مرتين على الأقل. وبوسع صناعة الهيدروجين القابل للاستمرار وصديق البيئة أن يعمل على توليد الطاقة المستخدمة في صناعات مثل الصلب، والإسمنت، والأسمدة، وتسيير شاحنات الوقود، والقطارات، والسفن والطائرات؛ وشبكات الطاقة العاملة بالرياح والطاقة الشمسية، وبذلك نستطيع القضاء على ما يقرب من ربع الانبعاثات من ثاني أكسيد الكربون على مستوى العالم. ومثل هذا الاحتمال من شأنه أن يساعد على إزالة الكربون من مناطق الاقتصاد التي لا يمكن الوصول إليها عن طريق طاقة الرياح والطاقة الشمسية. وذلك كفيل أيضاً بتوفير مصدر جديد قوي للطلب على الكهرباء التي لا تطلق أي انبعاثات كربونية والتي تعمل على تشغيل خلايا الإلكتروليت، وتقسيم المياه إلى أكسجين وهيدروجين صديق للبيئة. لكن المستقبل غير مؤكد على أي حال، ففي الوقت الحالي لا يتجاوز استخدام الهيدروجين الإلكتروليتي (التحليل الهيدروجيني) الصناعات المنزلية إلا في أضيق الحدود. إن أغلب أدوات توزيع مصادر المياه المرتبطة بالصنابير تصنع يدوياً، و99 في المائة من الهيدروجين الصناعي على مستوى العالم ليس صديقا للبيئة، بل «رمادي»، وهو ما ينتج عن الغاز أو الفحم وما بها من انبعاثات كربونية. والواقع أن أكبر منتج لأجهزة التحليل الكهربائي هي شركة «نيل ناسا» النرويجية التي تنتج 80 ميغاوات سنويا، وهي كمية متواضعة. ولكي نضع العالم على مسار لا يتجاوز مستوى الانبعاثات الغازية، فسوف يكون لزاماً علينا تركيب أجهزة تعمل على توليد مليوني ميغاوات أو أكثر. وحقيقة أن مثل هذه الرؤية التوسعية تبدو قابلة للتطبيق تمثل تشجيعاً وتحية للطريقة التي عملت بها مصادر الطاقة المتجددة وبطاريات الليثيوم، على تحقيق نقلة في صناعة الطاقة على خلال العقد الماضي. في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، لم يتصور حتى المدافعون عن الجهود المناخية مثل الخبير الاقتصادي البريطاني نيكولاس شتيرن أن طاقة الرياح والطاقة الشمسية قد تدخل في منافسة اقتصادية مع الوقود الأحفوري حتى ثلاثينات القرن العشرين. وبعد ذلك تبين أن الأمور كانت مختلفة تماماً، فمنذ عام 2009، انخفضت تكلفة الطاقة الشمسية غير المدعومة في الولاياتالمتحدة بنسبة 90 في المائة، وانخفضت طاقة الرياح بنسبة 70 في المائة كما انخفضت أسعار بطارية «ليزرد إل تي دي» بنسبة 87 في المائة خلال فترة مماثلة، وفقًا لوكالة أنباء «بلومبرغ». والآن بدأ الفحم يتراجع بالفعل عن قطاع الطاقة، وتعتقد العديد من أكبر شركات النفط المستقلة على مستوى العالم أن الطلب على النفط بلغ ذروته أو اقترب من ذروته. وإذا استطاع الهيدروجين صديق البيئة خفض تكاليف إنتاج الطاقة المتجددة مقارنة بسعره الحالي الذي يبلغ نحو 3 إلى 8 دولارات للكيلوغرام الواحد، فهناك احتمالات أن يتمكن الهيدروجين الأخضر من منافسة الهيدروجين الرمادي (الضار الذي تصاحبه انبعاثات كربونية) الذي لا يكلف أكثر من دولار واحد. ولكن الخطر هنا يكمن في أن تلك التخفيضات المأمولة قد لا تتحقق. وإذا أسفر أي انتشار غير سار أو حدثت مشكلات فنية في اقتصادات أكثر تواضعاً، فسوف يترك العالم إرثاً من محطات إنتاج الهيدروجين غير الاقتصادية. وفوق كل هذا فإن المليارات التي كان من الممكن إنفاقها على تكنولوجيات أخرى لإزالة الكربون سوف تهدر. وأي من هذين التعاملين سوف يتحدد وفقاً ل«قانون رايت»، وهو فرضية تتعلق بالتصنيع يرجع تاريخها إلى السنوات الأولى من صناعة الطائرات. فهي تنص على أن تكاليف التكنولوجيا تميل إلى الهبوط بنسبة ثابتة مع كل مضاعفة للناتج التراكمي. فالمصانع تتحسن في إيجاد الكفاءات؛ وزيادة الطلب تدفع الاقتصادات إلى الحجم الكبير؛ والأحجام الأكبر تشجع الموردين على إنتاج المواد الخام بتكاليف أقل. (من الأفضل أن نفهم قانون مور المعروف الذي توقع انحداراً جذرياً في تكاليف القوة الحاسوبية، باعتباره حالة خاصةً من قانون رايت). ويبدو أن نسبة انخفاض التكاليف، المعروفة باسم «معدل التعلم»، تفسر لماذا قد تصبح التكنولوجيات الناشئة المتجددة رخيصة إلى هذا الحد بسرعة. فمعدل تعلم الوحدات عمل الشمسية لا يتجاوز 28.5 في المائة، وفقاً ل«بلومبرغ»، وهو ما يعني أن زيادة الوزن في المنشآت النووية من شأنها أن تقلل التكاليف بما يقرب من الثلثين. وهذا الهبوط في الأسعار يؤدي بالتالي، إلى المزيد من الطلب وإلى تشجيع المزيد من المنشآت الشمسية، وخفض التكاليف مرة أخرى في حلقة حميدة. ولا تستطيع التقنيات الحفرية أن تتنافس مع هذه الميزة، وذلك لأن أعلاها تكلفة هي الوقود ذاته عادة، حيث لا تظهر الأسعار اتجاهاً هبوطيا طويل الأمد. هنا يثار السؤال: هل سيتبع الهيدروجين صديق البيئة المسار نفسه الذي يتبع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والبطاريات؟ هناك سبب وجيه يجعلنا نتصور هذا. ذلك أن ما يقرب من نصف تكاليف محطة الهيدروجين صديقة البيئة سوف تأتي من المولدات المتجددة والبطاريات التي تزود المحلل الكهربائي بالطاقة، ولدينا بالفعل الكثير من البيانات عن معدلات التعلم هناك. لكن هناك مشاكل محتملة، فالآن أصبحت فرضية معدل التعلم موضع تأكيد، ولكن منذ خمسة عشر عاماً فقط، كان ينظر إليها بقدر أكبر من الشك. إن أسعار المواد الخام من الممكن أن تخرج عن مسار خفض التكاليف لفترات طويلة كما رأينا في العقد الأول من القرن الحالي عندما ظلت أسعار الطاقة الشمسية قائمة لعقود من الزمان بفضل نقص «البولي سيليكون» اللازم لإنتاج الرقائق الفولتاضوئية. وقد يؤدي النقص المماثل في الكوبالت رغم ذلك إلى عرقلة التخفيضات المتوقعة في أسعار بطاريات «الليثيوم أيون». فالتصميمات الحالية لخلايا البوليمر للتحليل الكهربائي – أحد أكثر التقنيات الواعدة لإنتاج الهيدروجين صديق البيئة – عرضة بشدة لتغير أسعار مجموعة المعادن البلاتينية وكذلك «النافيون» (اسم تجاري لبوليمير فلوري مشتر)، الذي تنصعه شركة «كوميروس». وقد تكون القضية الأكبر هي أن انخفاض التكاليف يعتمد إلى حد كبير على دقة التقديرات حول معدلات التعلم والقدرة التراكمية، ولا يزال هناك ندرة في البيانات الحقيقية القادرة على هذا التحليل. وتتراوح تقديرات منشآت الإلكتروليت ما بين 170 ميغاوات إلى 20 ألف ميغاوات. وفي الحالة الأولى، فإن تركيب 100 ألف ميغاوات من الطاقة خلال العقد المقبل سوف يضاعف من الطاقة المنتجة. وبمعدل تعلم يبلغ 18 في المائة، فإنه التكاليف لا بد أن تنخفض بواقع 90 في المائة، الأمر الذي يجعل الإلكتروليت قادراً على المنافسة مع أي بديل قائم على الوقود الأحفوري. وفي الحالة الأخيرة، لن نشهد سوى ضعفين إلى ثلاثة أضعاف، وهو ما قد لا يكون كافياً. تظهر معدلات التعلم في حد ذاتها مجالات خطأ كبيرة أيضاً، إذ أن التكنولوجيا ذات معدل التعلم البالغ 24 في المائة، وفقاً للتقديرات العليا للمحلل الكهربائي، سوف تحتاج إلى مضاعفة قدرتها أربع أو خمس مرات لخفض الأسعار إلى النصف. ومع معدل تعلم 12 في المائة، كحد أدنى، سنحتاج إلى زيادة أعداد المنشآت بمقدار 50 ضعفاً. «بلومبرغ» //ترجمة// الشرق الأوسط