قلت له: صحيح هو عهر، لكن هذه هي السياسة، لا وفاء، ولا ولاء، ولا أخلاق. حكومة حماس صدمت كثيرين من أتباعها، وأخافت منافسيها، عندما ظهرت فجأة بلا مقدمات وأذاعت رغبتها في علاقة مع الحكومة الأميركية، ومساندتها الحل السلمي بلا شروط. أربكت غزة سكان رام الله، حيث تسكن الحكومة الفلسطينية وتوجد قيادات فتح، التي بلا تفكير اندفعت تهاجم موقف حماس الجديد. وزير الأوقاف محمود الهباش اعتبر العلاقة مع واشنطن خطوة تضر بالشعب الفلسطيني. نسيت أن أقول إن القائل هنا هو وزير أوقاف حكومة السلطة، وليس وزيرا في حكومة حماس. أما السبب فقد أوضحته قبل أسبوعين من أجل فهم موقف حماس. قلت إنها تميل حيث الهوى السوري يميل، حماس فعلا ليست إلا ملحقا بمكتب وزير خارجية سورية في علاقاتها الخارجية، ولا يستحق الأمر الكثير من التفكير. ولا بد أن نلوم حكومة السلطة الفلسطينية عندما تثير الغبار ضد حماس فقط لأنها غيرت موقفها وصارت هذه المرة تنشد علاقة مع واشنطن وتؤيد الحل السلمي. فهذا موقف متطور ويخدم المشروع الفلسطيني بشكل عام بغض النظر عن المزاحمة الحمساوية. والسؤال هو: هل ما قاله مسؤولو حماس من تأييدهم للحل السلمي يمكن أن يدوم إلى نهاية العام أو حتى إلى نهاية الصيف؟ هل موقف حماس المتقدم يعكس تقدما أهم في سياسة سورية حيال مشروع السلام؟ فإذا كان هذا كله صحيحا فإننا أمام اختراق مثير على مستوى المنطقة. ورغم أن إعلان حماس انقلاب مهم وعيار سياسي ثقيل، فلا ينبغي أن نركن إليه. أولا لأن حماس بلا موقف حقيقي في أي مجال كان. وثانيا لأنها حتى الآن تصريحات بلا خطوات عمل. وثالثا لأن اللغة معكوسة، فحماس قالت إنها لا تمانع في إقامة علاقة مع واشنطن، في حين أن واشنطن هي التي ترفض، لا العكس! المشكلة هي حكومة باراك أوباما لا حكومة إسماعيل هنية. وسواء كان ذلك مجرد تصريح أو سياسة جديدة جادة، فإن المتوقع من حكومة أبو مازن إزجاء التهنئة لحكومة حماس، وإبداء التعاون معها، واستغلال المناسبة للم الشمل السياسي الفلسطيني المبعثر، والإعداد لضم غزة إلى الضفة، وبعدها لكل حادث حديث. الجميع في المنطقة، بما فيهم سورية وإسرائيل، وفي خارجها مثل الولاياتالمتحدة، يعلمون جيدا أن السلطة الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد، ويدركون أنه لا مفاوضات من دونها. لهذا عليهم أن لا يفزعوا من الغزل بين حماس وواشنطن وإسرائيل، فهو غزل لا تخشى نتائجه.