عيد الفطر: الأول والثاني والثالث من شوال عطلة مدفوعة الأجر    وزارة التربية الوطنية تكشف عن رزنامة امتحاني شهادتي التعليم المتوسط والبكالوريا دورة 2025    غزة : ارتفاع حصيلة الضحايا الى 50183 شهيدا و113828 مصابا    النيجر: انطلاق الحفل الرسمي لتنفيذ قرارات الجلسات الوطنية لإعادة التأسيس    رخروخ يستقبل نوابا من المجلس الشعبي الوطني عن ولايتي تمنراست وعين قزام    الإذاعة الوطنية تنظم يوم الخميس الطبعة الثالثة من مبادرة "نحن أطفال الغد" لفائدة الأطفال المصابين بالسرطان    عيد الفطر: ليلة ترقب هلال شوال السبت القادم    عرض الفيلم التاريخي "زيغود يوسف" بأوبرا الجزائر    الجزائر وتنزانيا: شراكة متينة تعزز أواصر الصداقة والتعاون    الجزائر-الموزمبيق (5-1)- وليد صادي : "فوز المنتخب الوطني هو رسالة واضحة للمشككين"    الإنجاز من شأنه "تعزيز مجتمع المعلومات والاقتصاد الرقمي الوطني "    الجزائر وضعت استراتيجية شاملة واستباقية لمكافحة الجراد    طوابع بريدية تحتفي بالزي النسوي الاحتفالي للشرق الجزائري    نعم، لاستراتيجية فعالة تحقق أهداف تطوير كرة القدم الوطنية    الجزائر لن تخضع لأيّ محاولات ابتزاز    زروقي يستقبل شايب    هذا موعد معرض الجزائر    ألنفط تؤهّل مازارين    خطوة تعكس إرادة سياسية في الدفاع عن الذاكرة الوطنية    اجتماع بخصوص الجامعية للنقل    إشادة بالرؤية الجديدة تجاه قضايا الشباب في الجزائر    مولوجي تؤكّد ضرورة تحيين المناهج    مرّاد يشيد بجهود أجهزة الأمن    الجزائر تندد    مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية..ملف الجزائر تحوّل إلى ورقة دعائية في فرنسا    جبهة أخرى ضمن معركة الأمن المائي    اللحمة الوطنية درع الجزائر    مرافقة إثيوبيا في استكشاف المحروقات وإنتاج الكهرباء    نحو تصنيف الفضاء كموقع عمومي    تعزيز التمسك بقيم التآزر والتكافل الاجتماعي    دعم الموقع بتجهيزات متطورة    قالمة..تكريم 6 فتيات حافظات للقرآن الكريم بعمرة للبقاع المقدسة    أطماع المغرب في نهب ثروات الصحراء الغربية وراء إدامة احتلالها    ماجر: وفاة مناد صدمتني وعلاقتي به كانت قوية    ترقية التعاون والشراكة مع بلجيكا في مجال الصحة    توتنهام يصّر على استقدام آيت نوري هذا الصيف    الروائع بكل تفاصيلها وسياقات إنتاجاتها    فرسان صغار للتنافس بمساجد قسنطينة    مفاجأة مدوية حول إصابة أنيس حاج موسى    الدعاء في ليلة القدر    المعتمرون ملزمون بالإجراءات التنظيمية    الفاف تدعو العاملين في مجال كرة القدم الى ضرورة المساهمة في القضاء على الشغب بالملاعب    برايك يتباحث مع السفير السعودي حول سبل تكثيف الجهود المشتركة خدمة للحجاج والمعتمرين الجزائريين    كرة القدم: رئيس الاتحادية يدعو جميع الفاعلين للانخراط في مشروع تطوير كرة القدم الوطنية    وزير الصحة يناقش توسيع آفاق التعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان    غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 50144 شهيدا و 113704 اصابة    مؤسسة بريد الجزائر تصدر طوابع بريدية تحتفي بالزي النسوي الاحتفالي للشرق الجزائري الكبير    القرار يعكس التزام رئيس الجمهورية بوعوده تجاه الأسرة التربوية "    غزة تُباد..    فوزوا يا رجال.. لنقترب من المونديال    احتقان في المغرب بين محاكمات الأساتذة وغضب النّقابات    الوادي : تكريم 450 فائزا في مسابقة "براعم الذكر الحكيم"    بحضور وزير المجاهدين وذوي الحقوق.. بلال بوطبة يتوج بالجائزة الوطنية الشهيد مصطفى بن بولعيد للفن التشكيلي    تجارب الحياة وابتسامة لا يقهرها المرض    هؤلاء حرّم الله أجسادهم على النار    تنظيم موسم حج 2025:المعتمرون مدعوون للالتزام بالإجراءات التنظيمية التي أقرتها السلطات السعودية    حج 2025: المعتمرون مدعوون للالتزام بالإجراءات التنظيمية التي أقرتها السلطات السعودية    ماذا قال ابن باديس عن ليلة القدر؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التراث بين التعريف والتوصيف

تبدو أهمية النظر التراثي من منظور حضاري لهذه المنظومة المتعلّقة بالتراث، وبغيره، تعريفاً وتوصيفاً وتصنيفاً وتوظيفاً، من أكثر الأمور أهميةً، التي يمكن أن تكوّن الإدراكات الصحيحة والتصورات الرشيدة حول مسألة التراث، والسؤال المتعلّق بها، وإذا كانت الأمور الثلاثة الأولى (التعريف والتوصيف والتصنيف) هي عمليات بطبيعتها فنّية، فإن التوظيف هو لبّ هذه المحاولات، التي تؤكّد القراءات الاجتهادية والإحيائية والتجديدية للتراث، لأهميتها القصوى للشروع في التعامل (وتناول) مع المادّة التراثية، وضمن هذه السياقات والمنظومة الرباعية، فإن مسألة التعريف من المسائل الشائكة التي لم تستقرّ على حال. وكذا، فإن حال الغموض بما يسمح بالتلبيس في تلك المسألة التراثية لا يزال سيّد الموقف، وهو ما يحتاج منا إلى تحديد ما يدخل فيه، وما لا ينضوي تحته من نشاط فكري. ونقتصر في هذا المقال على إشكاليتَي التعريف والتوصيف.
من الإشكالات البديهية في تحديد اللفظ إزاء المعنى، ومعرفة المقصود بالكلمات، فإن كلمة التراث من تلك الألفاظ المختلف فيها وعليها. أولاً وابتداءً، لا يليق التراث الحفري بكلمة التراث في معناها الجوهري واستغراق هذا التراث فيه، وحتى تراث العمارة الإسلامية، الذي تشكّل في أبنية ومعمار، انطلق إلى المعنى ولم يتوقّف عند المبنى، بل دائماً ما تعلّق بالمغزى التوحيدي في المعمار والمعنى الاستخلافي في العمران.
وثانياً، هذا الموقف الواضح يرتبط بتحرير المنزلة الدينية للتراث، كما يؤكّد ذلك عبد المجيد النجار، بما ينفي الإلزامية الدينية اتباعاً وتقليداً، ودخوله في جانب الإباحة والتخيير، وما يترتّب على ذلك من موقف الدرس المتخيّر (الاصطفاء)، لا موقف التقليد الملتزم ضمن مبدأَين متكاملَين؛ مبدأ الاحترام النافي للاستهتار والتخيّر النافي للتقليد الملزم. ومن ناحية، يفضل بعضهم أن يدرس هذا الفكر من خلال الممارسات العملية للمسلمين السابقين، أو التراثيين، وهذا هو دأب المدارس الاستشراقية، المنصف منها وغير المنصف، فتعتمد على الممارسات التاريخية في دراسة الكلّيات الإسلامية أو تدمجها مع النصوص، بينما يحبّذ آخرون الاقتراب من هذا الفكر من طريق "الموروث الكتابي"، لكن مع ميل بعض هؤلاء إلى التمييز بين ما يسمّى ب"فكر إسلامي أصيل"، يتّصل بالمُثل التي تفرضها متطلّبات الشرع الإسلامي، وبين "فكر إسلامي وافد ودخيل"، اتصل بثقافات الساسانيين واليونانيين القدماء.
ذاك في إشكال التعريف، أمّا في إشكال التوصيف، فمن المهم أن نحيل إلى مداخل في مناهج النظر المميزة لتوجّهات كلّية ومواقف ومداخل سلبية من التراث؛ نتوقّف من خلالها عند عدّة أمور. الأمر الأول أن التراث الإسلامي لا يمكن أن ينفصل عن التراث الإنساني بالجملة. ومن هنا، فإن الموقف من التراث الإنساني يجب أن يتحرّك صوب معنى العلم النافع ومعنى الحكمة التي تشكّل بحقّ جوهر التعامل، "الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحقّ الناس بها"، إنها القاعدة الذهبية في الاستئناس بمواضع النفع والحكمة في الخبرات الإنسانية، وهي في النهاية تُعدّ من أكثر شروط تحقيق الاعتبار الكامل والمتكامل في النظر إلى التراث أهمية. ومن المهم هنا أن نؤكّد أن دائرة التراث الإنساني أوسع من دائرة التراث الغربي وخبرته على امتداد التاريخ، ذلك أن التوقّف عند التراث الغربي وحدوده إنما شكّل نوعاً من الدخول في تبعية للحضارة الغالبة والولع بمنجزاتها ومخرجاتها، وهو ما عطّل الاستفادة من الحضارات والخبرات الآسيوية، وكذا اللاتينية، بل والأفريقية، رغم أنها من جملة الساحات الحضارية، التي يجب التعامل معها ضمن حقائق الانفتاح على التراث الإنساني ككل، وليس الغربي فقط.
الأمر الثاني هو الموقف الاختزالي في قراءة التراث الإسلامي، وتناوله ضمن حالة خطيرة تقوم على نفي التراث بعضه بعضاً، أو نقض التراث بالجملة في سياق ما يمكن أن يسمّى "مذبحة التراث"، ولنا في ذلك عبرة منهجية راشدة ورائدة أن فكرة نقد التراث ومراجعته ومساءلة التراث بالجملة فيها سعة، من خلال ممارسات القراءة التراثية الحضارية من أن تنفي التراث جملة، وتوقع على بعضه معاني الضلال، فهذا في النهاية مع ذلك التنابذ التراثي سيجعل من ذلك معركة صفرية تستنفد مسالك النقض والهدم.
الأمر الثالث يتعلّق بانتقائية معيبة، فهذا سيتوقّف عند تراث الاعتزال، وغيره سيتبنّى تراث "الرشدية" (منسوباً لابن رشد) باعتبارها وحدها تراث التنوير، وآخر سيتبنّى، وفق تعصّباته المذهبية أو تبنّياته الطائفية، تراثاً بعينه، لا يغادره، ولابأس بتضليل تراث غيره أو عدم جدواه ونفعه، وثالث (بحكم تخصّصه) يختزل التراث بمعناه الفلسفي لا يتعدّاه ولا يتخطّاه، وينظر للتراث المتعلّق بالشريعة نظرةً قاصرةً، منقوصةً يصفها بصفات السوء كلّها، وبعدم الجدوى؛ إن معارك التراث تلك لا يمكنها أن تقرأ التراث ضمن قراءة الاعتبار والاستثمار ولكنّها ستشكّل جملةً من التحيّزات الكبرى، والتبنّي المسبق، اللذين قد يتحولان تعصّباً غير مضمون، وتبنّيا متحيّزا غير مأمون.
الأمر الرابع في سياق قراءة التراث هو القراءة التبعية، فتسقط على التراث مفاهيم حضارة بعينها على كامل امتداد الخبرة التراثية، من دون منهجية رصينة، تطلق العنان لهذه القراءة الإسقاطية لمفاهيم ومداخل غربية محضة، فهذا يتعلق بالحركات المادّية، وهذا يفسّر خبرات تراثية بمفاهيم من اليمين واليسار، ويستجلب من قاموس الغرب والاستشراق فيربط الإسلام مرّة بالرأسمالية، وتارّة أخرى بالماركسية والاشتراكية، فلا يرى المفاهيم الغربية أو مناهج تلك الخبرة إلا معاييرَ يُقاس إليها، ويتحرّك ضمن دائرتها وأحكامها.
الأمر الخامس يتعلّق بحال تقديس التراث على طريق "التوثين"، ضمن سياقات ما أشار إليه مالك بن نبي من أن الفكرة حينما تتحوّل "وثناً"، ولعلّ هذه الفكرة فتحت الباب واسعاً لإحلال التراث، وهو اجتهاد بشري، محلّ الأصول والمرجعية التي تتعلّق بالتأسيس والمعيارية، وتخرج الخبرة التراثية من حال المراجعة أو عميلة النقد والمساءلة، فتتحرّك مسألة التعامل التراثي ضمن عملية اجترار، لا فهماً وتدبّراً واعتباراً واستثماراً، وتبدو حالة التقليد وقد سادت وعمّت، وتدافعت مع أطر الإحياء والتجديد كلّها، وهو أمر يتعلّق بالشعار "ما ترك الأول للآخر شيئاً". إن كلّ شيء قد أُنجِز، وكلّ أمر قد قضى، وباتت حالة الجمود تشبه حالة الأبائية التي نقضها القرآن، وفي سياق يتعلّق بالأثر والوظيفة بمعاني الهدي الحضاري والعمراني، الذي يشكّل المعيار الأصيل والمرجع القويم. مسألة التوصيف لا تنقضي، ولا تتوقّف مسائلها وإشكالياتها، ولكن توقّفنا عند أهمها والجوهرية منها.
إشكالات تعريف التراث، ما يدخل فيه وما يخرج منه، وتأثير ذلك في منهجية تناول التراث والتعامل معه، من الأهمية في ضبط معانيه وتحديد مساحاته، وإشكالات توصيف التراث بالأوصاف القادحة أو المادحة، التي تطلق بالجملة، لا تدور مع نفع الإنسان والإنسانية، والقدرة على الحكم ووزن التراث بدقّة وحكمة، فتوزيع الأوصاف جزافاً على التراث لم يكن إلا ضمن عقلية السجال الفكري، التي لم تكن المساجلة حول التراث إلا إحدى معاركها وميادينها، وهي في الحقيقة لم يكن لها من ضحية إلا اغتيال العقل، كما ذكر أستاذنا برهان غليون.
العربي الجديد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.