"نادي الصنوبر" عنوان رواية مفتبس من محمية ترفيهية بالعاصمة محصن لخاصة المجتمع/ السياسيين والدبلوماسيين وأصحاب المال يقضون فيه عطلهم ولحظات أنسهم. لكن المفارقة في أن يحمل النص اسم شاطئ ويبدأ السرد من الصحراء... إنها البنية الواسعة للنص، إنها الشفرة التي تفتح مغاليق البنية وتكشف عوالمها، النص يصل الصحراء بالساحل، يزحزح الهامش ويحاوره ويدخله في علاقة جدلية مع المركز، عبر شخصية عذراء بطلة الرواية والتي تنتقل من عمق الصحراء إلى العاصمة الساحلية بكل تفاصيلها البعيدة عن حياة الطوارق. الرواية وإن بدت حاملة لأبعاد سياسية توحي بها عبارات من قبيل (الرجل الأعلى والوزراء)، فإنها في الواقع حكاية لرموز فساد تفشت في مجتمع صار الحديث فيه عن الفساد السياسي ترفا ولغوا، ذلك أن المتسلط قد يكون مواطنا عاديا من العامة يمارس تعنته وسلطته على البسطاء من أمثاله، وقد يكون موظفا أو رجل أمن أو حارسا ... إنها ظاهرة (الحقرة) والظلم الاجتماعي الذي صبغ مجتمعنا بأكمله ورغبة دفينة في نفوس جزائريين تحديدا لقهر الآخر وفرض السيطرة عليه وتحويله من ذات فاعلة مستقلة إلى تابع خاضع لرغبات مرؤوسه مهما كانت مكانته. في الوقت ذاته، تطرح الرواية إشكالية المركزية بوجهين، تتجلى الأولى في مركزية الذكورية في المجتمع الجزائري والمتحضر منه أو أهل المدينة مقابل مجتمع الطوارق سكان أقاصي الصحراء الواسعة وأحفاد الملكة تنهنان المجتمع الأنثوي أين تحظى المرأة بالحظوة واستقلالية الرأي، حتى أن المرأة تقيم حفلا بمناسبة طلاقها وهو ما كان مستهجنا في حكاية عذرا للفتيات الثلاثة، والمركزية الثانية التي يطرحها النص تتعلق بمركزية المدينة أو العاصمة وتهميش الصحراء تحديدا رغم أنها القلب النابض لهذا الوطن ومصدر ثروته التي تسوق في أنابيب خارج الوطن ولا يعرف الشعب شيئا عن إيراداتها "هذه المدينة كبيرة جدا، وكل المؤسسات المهمة وغير المهمة متمركزة بها...". المدينة المركز تستقطب الباحث عن العمل والباحث عن الشهرة والباحث عن الزواج، هي مقر السياسيين عملا وترفيها، ...وهل هي أيضا مثل أحوالنا قصدت هذه المدينة بحثا أو هروبا أو انتقاما من أحدهم...؟" جعلت الرواية من مركز الرواية أو ما كان من المتوقع أن يكون مركزها "نادي الصنوبر" فضاءً هامشا مقابل العمارة التي جرت فيها الأفعال السردية لحكايات الرواية، فلم يحضر نادي الصنوبر إلا من خلال توظيف الشخصية "مسعود" الحارس لفيلا الحاجة عذرا، هو من قدم للمكان وشرح تفاصيل الإقامة فيه وما يحدث داخل أسواره العالية وبواباته الموصدة في وجه العامة من بسطاء الشعب. نادي الصنوبر الفضاء المكاني، المركز داخل المدينة المركز، تتحول المدينة "الغولة" بسطوتها وسلطتها ومركزيتها إلى هامش بالنسبة لفضاء نادي الصنوبر. مما يكشف حقيقة هذه المدينة التي يهمش فيها الإنسان ولا يحظى فيها إلا ذوي السلطان بترف العيش، نموذج مصغر عن وضع البلد العام، لكل مركز هامش ومركز كذلك. تقوم الرواية على تقويض المركزيات التي تؤسس المجتمع الجزائري وتمنح صوتا أعلى للمسكوت عنه ليفصح عن ذاته ويعبر عن وجوده وموقفه الرافض لكل محاولات التغييب والإقصاء لمختلف شرائح الشباب يمثل مسعود وسائق التاكسي صوت الذكور منها فكلاهما حاصل على شهادة جامعية اضطرته البطالة والعوز للعمل في مواقع أقل مما يستحقه تخصصهما فقد توجه مسعود للحراسة في فيلا الحاجة عذرا بنادي الصنوبر، بعد ما رأفت هي لحاله وقدمت له هذه الفرصة، وسائق التاكسي الذي أقل زوخا للبيت يوم الجمعة وكيف اضطر للعمل سائق أجرة وهو حامل لشهادة جامعية في علم النفس. فضلا عن الفتيات الثلاث اللواتي رافقن الحاجة عذرا في جلسات الشاي وقاسمنها دور السارد لحكاياتهن مع هذه المدينة. تتحاور ضمن فصول الرواية الثنائيات من صوت الذكوري والأنثوي، مرورا بصوت المدينة مقابل صوت الصحراء، صوت الصحراء الذي حملته الحاجة عذرا بحفاظها على تقاليد الطوارق في لباسها وطقوسها في إعداد الشاي وآلة الإمزاد وصوتها الحزين الذي تعودت عليه حتى آذان فتيات المدينة رفيقات عذرا في جلساتها وحكاياتها وذكرياتها عن (بلادها) الواسعة البعيدة عن هذه المدينة التي هي جزء منها في الواقع.