تعتبر صورة الذات النفسية والجسمية هي الصورة الكاملة للشخصية السوية، التي تُكوَن منذ مرحلة الطفولة إلى مراحل أخرى من حياة الإنسان، وأيّ خلل في هاته الذات قد يسبّب عائقا في تكوَنها تكوّنا سليما، لكن قد يحدث ويولد الطفل وهو يعاني من تشوّه خلقي، أو عنده نقص في تكوين أحد أعضاء جسمه أو تشوّه في الوجه أو وحمة وما إلى ذلك، يدخله في حالة نفسية معقدة خاصة إذا لم يجد الدّعم والمساندة من الأسرة والمجتمع، كما يمكن أن يولد ويعيش طبيعيا، لكن فجأة يصاب بتشوهات تكون ناتجة عن حوادث أو حروق أو أمراض مثل، أمراض الجلد أو السّرطان. أسماء زبار وفي هذه الحالات قد تكون التشوّهات في أي مكان في الجسم، وكلّما كان التشوّه ظاهرا للعيان، كأن يكون في الوجه مثلا، كلّما كانت نتائجه النفسية أكبر، وفي هذا الصّدد ارتأينا أن نناقش النتائج النفسية والاجتماعية المترتبة على هذه التشوّهات، وأثرها السلوكي على المريض نفسه وعلى أسرته. تشوّه المناطق الحسّاسة كالوجه يسبّب اضطراب الصورة الجسمية قال الأخصائي النفساني، مصطفى أحمد بوسعدة، أنّ موضوع التشوهات الخلقية وأثرها الانفعالي والسلوكي، موضوع في غاية الأهمية وجدير بطرحه أمام القراء الأفاضل لأجل تسليط الضوء أكثر على هذه العينة التي تعاني تهميشا غير مقصود، ولا نتذكّرها إلا في بعض المناسبات العابرة. فالتشوه الخلقي قد يصيب كلّ فرد، وفي مختلف مراحل النمو، الراشد، المراهق، والطفل. إلا أنّ آثاره السلبية تعتبر أكثر حدّة عند الطفل، إذ يمكن أن يسبّب التشوه اضطرابا في النمو الحسي الحركي، وفي الجهاز النفسي للطفل. وكلّما كان التشوّه بارزا، كانت النتائج أكثر سلبية، خاصة إذا مسّ التشوه مناطق حساسة كالوجه، والمناطق المكشوفة من جسم الإنسان. إذ يصاب الفرد بجرح نرجسي في شخصيته، يصطلح عليه علماء النفس باضطراب الصورة الجسمية. فالفرد يمتاز بصورة فيزيولوجية معينة، ما لا يسمح بتغيير ملامحه، كما قد لا يتكيف مع الصورة الجديدة المشوهة. ... ومعاناة المرأة أكثر معاناة المرأة في وضع التشوّه أكثر من الرجل، إذ تمتاز المرأة بجهاز نفسي حساس، وتملك مقوّمات جمالية فطرية تساهم في إبراز نقاط القوة في شخصيتها، وتراعي المنظر الخارجي المتألق أمام مرأى أفراد المجتمع، وخاصة في المناسبات العائلية والاجتماعية. كما تحاول الحفاظ على مكتسباتها الجسمية وتحسينها بكلّ الوسائل. فيحلّ التشوه عائقا نفسيا وفيزيولوجيا أمام تنمية الصورة الجسمية، بل وتحطيمها والقضاء على طابعها الجمالي، ما يؤدّي بالمرأة إلى اضطرابات نفسية ووجدانية وتصل إلى الانزواء والمخاوف المرضية. وأكّد مصطفى أحمد بوسعدة أنّ للتشوهات الخلقية أسبابا عديدة، غير الخلقية، فقد يولد الفرد سالما لكن يحدث له تشوه خلقي جراء حادثة ما، أو نتيجة لعملية جراحية أو مرض ما، أو حوادث مثل حوادث المرور، الحوادث المنزلية، الكوارث الطبيعية والبيئية، مخاطر بعض المهن ذات الطابع الصناعي.. كما تظهر على الفرد آثارا نفسية كصدمة نفسية عنيفة جراء الحدث الصدمي المسبّب للتشوه، أعراض انفعالية وسلوكية كالمخاوف المرضية، أعراض معرفية، كعدم تقبل الصورة الجسمية المشوهة، الانعزال والانزواء من مرأى أفراد العائلة والمدرسة والمجتمع، حالات من البكاء الهستيري عند بعض الشخصيات، وقد تصل إلى اكتئاب حاد. .. أهمية العلاج النفسي للطفل من جهة أخرى قال المختص النفسي أنّ تقبل التشوه عند الطفل يحتاج إلى متابعة عند أخصائي نفساني، عن طريق جلسات تشخيصية وعلاجية، تساهم في التكيّف مع الحالة الجديدة للطفل، إذ لا يكفي الإرشاد المتبع من قبل الطبيب أو حتى الوالدين. كما يمكن متابعة علاج نفسي عائلي يوضح للأم خاصة كيفية مساعدة الطفل على الاندماج في الوضعية الجسمية والنفسية الجديدة. .. عزل المريض خوفا من العار الاجتماعي أكّدت المختصة الاجتماعية أمال طايبي أنّ الأسرة تعاني مع معاناة المريض المصاب بتشوه خلقي، سواء كان التشوه منذ الولادة أو حدث له جراء حادث ما، وغالبا ما تجد الأسرة صعوبة بالغة في التكيّف والتعامل مع التشوّه وتبعاته على المريض وحالته النفسية، والاجتماعية، فيتألّمون كثيرا لمعاناة المريض، وقد يلومون أنفسهم كأن يقولوا أنّ الحادث ناتج عن إهمال أو في رأيهم كان يمكن منعه، ولا ننسى أنّ الأسرة قد تتحمّل عبئا ماديا لعلاج المريض وقد يؤدّي ذلك إلى ديون أو تضحيات كبيرة، وبالطبع تضع هذه التشوّهات عبئا ثقيلا على الأولياء حسب الحالة وقد يجدون أنفسهم غير قادرين على الشكوى خوفا من جرح مشاعر المريض، خاصة إذا وصل في مرحلة من العمر يفهم جيّدا، فيحكم عليهم بأنّهم غير محبين له وانه غير مقبول في الأسرة ولا في المجتمع، وانه عبء ثقيل، ونجد الأهالي في بعض الأحيان إلى عزل المريض عن المجتمع خوفا من العار الاجتماعي أو التعامل مع المريض وكأنّه عبئ عليهم، وفي كلّ هذه الحالات تزيد من معاناة المريض والأهل، وكثيرة هي الحالات يقوم فيها الأهل بمعايرة ولدهم المشوّه، ممّا يتسبّب في عزله عن المجتمع ويصبح يعاني ويشمئز هو الآخر من نفسه ويدخل في حالة نفسية وخيمة تدفعه إلى ارتكاب سلوكات سلبية كالتفكير في الانتحار أو الانتقام، وقد تكون التشوّهات خلقية يولد بها الشّخص أو وراثية، وفي مثل هذه الحالات قد يعاني الشخص من التمييز ضده طوال حياته، وبعض الناس تتكيّف مع حالتها وتتعلّم كيفية التعامل معها ومع الناس، فقد نشأ الشخص وهو على هذا الحال، ولكن للمجتمع دور كبير في مثل هذه الحالات، فإن كان هناك دعم وتقبّل للشخص فإنّ أثر التشوّه قد يكون محدودا، أمّا إن كان المجتمع غير واع وقاس ورافض للشخص فإنّ ذلك قد يؤدّي إلى عقد نفسية ومعاناة عند الطفل. وأشارت المختصة إلى ضرورة حسن المعاملة مع المريض والتواصل معه على أنّه فرد عادي يمكن أن يعيش ويتعايش بطريقة عادية مع التشوّه، وإنّ الشخصية الحقيقية هي الشخصية النفسية وليست الجسدية، كما أنّ استشارة أخصائيين نفسانيين واجتماعيين من شأنه أن يسهّل التعامل مع المريض بطريقة صحيحة لا تسبّب العقد والأزمات النفسية والاجتماعية. .. التشوهات الخلقية تؤّدي إلى اضطرابات النوم والاكتآب والعصبية من جهته، أكّد المختص النفسي بولقرع مخلوف أنّ صورة الذات هي الصورة الكاملة للشّخص، وأيّ خلل في هذه الصورة تخلق وتسبّب تشوّه في الصورة الذاتية للشخص، والنمو النفسي لمرحلة الطفولة يكون منقوص بسبب ذلك التشوّه الخلقي، ويصبح هناك ميول فكري ونفسي للجانب الناقص أو المشوّه في ذلك المريض، وتزداد معاناة المريض إن كانت التشوهات مصحوبة بفقدان عضو أو وظيفة عضو كأن يفقد الشخص عينا أو يفقد السّمع، عندها لابد للمريض أن يتأقلم مع هذا الفقدان، والتشوّهات قد تؤدي إلى أن يفقد الشخص عمله ومصدر رزقه وقد يؤدّي أيضا إلى العزلة الاجتماعية وحتى إلى انهيار الحياة الزوجية والأسرية، فالكارثة مركبة في هذه الحالة، وهذا الفقدان قد يؤدي إلى تغيّر حياة الشخص بالكامل كما في حالة فقدان البصر أو الشلل، وعليه في هذه الحالة التكيّف مع الحياة بواقعه الجديد، وبالطبع قد تصحب هذه الحالات معاناة نفسية شديدة، وقد تكون مزمنة في بعض الأحيان، وأكّد المختص النفسي، أنه إضافة لهاته المعاناة فقد يعاني المريض نتيجة التشوهات نفسها، فقد تكون هذه التشوهات مصحوبة بآلام مؤقتة أو مزمنة، وهذه الآلام لها أثارها النفسية، فالألم المزمن قد يسبّب اضطرابا في النوم ممّا يؤثّر على نفسية ونشاط الشخص وقد يؤدّي إلى الاكتئاب، فالألم المزمن يؤدّي إلى العصبية وسرعة الغضب وحتى الإحساس بالذنب إن كان الشخص يعتقد أنّ معاناته هي عقاب من الله مثلا، والألم هو تجربة شخصية لا يعلم بها الآخرون إلا إذا أخبرهم بها الشخص، فقد يكتم الشخص معاناته ولا يشعر به أحد ممّا قد يجعله يشعر بالوحدة وعدم فهم الناس له، فقد يكتم معاناته اعتقادا أنّه من العيب أن يشتكي الرجل من الألم أو ليأسه من تفهم الناس أو رغبة في عدم إزعاج الآخرين، ولكن هذا لا يمنع من وجود المعاناة النفسية. وأشار المختص أنه لابد من أن نأخذ في الاعتبار جنس المريض وعمره وشخصيته، فالمرأة تعاني أكثر نتيجة التشوهات الجسدية وهذا بسبب تركيز المجتمع على أهمية الجمال للمرأة، فقد تتأثر فرصها في الزواج أو أن تقلق أكثر بخصوص هذا الأمر، وهذا ينطبق أيضا على الشباب أكثر من كبار السن، فالتشوهات عند الشباب قد تجعله قلقا بخصوص فرص زواجه أو عمله، أما الكبير في السن قد يكون متزوجا ومستقرا ماديا أو متقاعدا ولا يقلق كثيرا بهذا الخصوص، وهناك تشوّهات جسدية تكون مصحوبة بوصمة اجتماعية، فمثلا الشخص الذي يعاني من فقدان السّمع نتيجة حادث قد لا يعاني اجتماعيا كشخص يعاني من حروق شديدة في الوجه، فالحروق لها وقع أقوى في نفوس الناس وقد تثير الرعب عند البعض، والأمراض الجلدية لها وقع أقوى من فقدان الشعر نتيجة العلاج الكيميائي لمعالجة السّرطان، فالناس في الغالب لا تلوم مريض السّرطان على مرضه. وأكد المختص النفسي أنّ للإعلام والمدرسة والمسجد والمجتمع ككلّ دورا هاما في التخفيف من معاناة المريض أو زيادتها، فالإعلام قد يرسّخ صور ومفاهيم نمطية في المجتمع قد تزيد من معاناة المريض، كما يمكن للإعلام أن يقوم بدور ايجابي في التوعية، والمدرسون الذين يسيؤون معاملة التلميذ ذي العاهة ويسخرون منه، فسيزيدون من معاناة الطفل، ورجال الدّين يمكنهم أن ينشروا الفضائل ويشجّعوا على حسن معاملة من به تشوّه وتقديم يد العون له.