تنظر المجتمعات عامة إلى المرأة العانس والمطلقة والأرملة بنظرة رحمة وشفقة، وأحيانا تسمع بعض الكلمات الجارحة من أقاربها وجيرانها، بل حتى من أفراد أسرتها، ربما والديها فتتأثر نفسيتها وتشعر أنها ليست مقبولة في المجتمع أو أنها ثقيلة، وفي مجتمعنا الجزائري ينظر إلى هذه الفئة من النساء التي لم يسعفهن الحظ في الزواج أو إكماله بسبب الطلاق، أو وفاة الزوج، على أنها أقل رتبة ولا تستحق لقب "سيّدة "، بل هذه الفئة تلقب بألقاب وأسماء باللهجة العامية، قليل إذا وصفناها بالجارحة، وهنا وجب أن نتساءل، ما هو المقياس الذي يمكن أن نصنف به الناس، و كيف نحلل أسباب العنوسة والطلاق، فقد يكون العيب في الرجل و ليس في المرأة، ولا ذنب للمتوفي زوجها أن تلقب بصفة إلى آخر عمرها. لا أحد يشك في أن المطلقة أو العانس إنسان، ولذلك أليس من باب الإيمان أن نقدر شخصية هذا الإنسان، و نكرمه و نحترمه ؟، و لا نحتقره أو نذله أو نَحُطَّ من شأنه؟، وللأسف الشديد، كثيرا ما نقرأ عبارات عند التطرق إلى إشكالية العنوسة والطلاق، والترمل، في المجتمع الجزائري على غرار باقي المجتمعات الأخرى، حيث أصبحت وصمة عار في جبين الفتاة العربية المسلمة، وهي ظاهرة لا توجد في الجزائر فقط، بل في كل المجتمعات الأوروبية و العربية منها، وأسالت الكثير من الحبر، ولعل هذه الظاهرة تعتبر من أمراض المجتمع ولو أنها تختلف عن الأمراض العضوية. وتواجه هذه الفئة من المجتمع، في مجتمعاتنا تجارب قاسية، ومحناً أشدَّ من محنة وضعها وحالتها، فأطماع الرِّجال حولها ترشُقُها بسهامِها وعيوناً ترميها بنظراتٍ تهزمُها بِلَوْمِها، تُشْعِرها بعارِها وذُلِّها ومهانَتِها، وألسنةً تقذِفُها بشَرارِها، فتَصْليها عباراتُها بكلماتٍ كرصاص البَنادِق تخترق قلبها، فتوقِعُها صريعةً تلفظ آخر أنْفاسِها، وآخر ما تبقّى من كرامَتِها، وحرِّيتِها، وجمالِها، وإحساسِها بإنسانيَّتها. فهناك من حَكَم عليها بأن تعيش النِّهاية وتَشْهَد غروبَها، أيّاماً تُداوِلُها كئيبة، تراودها الخواطر كأَّنها كوابيس أحلامٍ مزعجة، تصيبها بالقلق والاكتئاب النَّفسي، فتفقد نشاطَها وحيويَّتَها وطاقَتها، وتفقد ملامِحُها نضارتَها، وتصير شاحبةً كشحوب أوراق الخريف قبل أوان الخريف، تتوهَّم أنَّ دورة حياتِها انقَضَت أيّامُها وساعاتُها، فتظلُّ تلهث بين آمالِها وآلامِها، تصارع لكي تعيش فلا تنسلَّ روحها من ضعفها . كما تكثر حولها الإشاعات التي في أغلبها لا تتعدّى أن تكون احتمالات وتأويلات تخالف الحقيقة، تسعى لتفرض الوصاية على تصرُّفاتها، أو نُدينَها ونتَّهِمَها في أخلاقها، وشرفها، ودينها، لمجرَّد أنَّها لم يحن بعد زواجها أو تطلقت، أو توفي زوجها. مفاهيم خاطئة تحتاج لإعادة النظر إن المرأة المطلقة أو الأرملة أو العانس، ما زالت على الرَّغم من تقدُّمنا تعاني منها المرأة داخل مجتمعاتنا، التي ما زالت تحمل مفاهيم خاطئة، وما زالت تقيِّم الحياة الإنسانية بعقل بشري لا بشمولية الإسلام وعدله، لهذا لا تقدِّر حاجات المرأة وضروراتها الإنسانية، ولا تعترف بكيانها وحريتها وكرامتها واستقلالها ولا بحقوقها التي كفلها الشارع لها. ولهذا نحتاج لنعيد فهمنا لنظرة الإسلام للمرأة ولمكانتها داخل المنظومة الاجتماعية، وكنواة داخل أسرتها، ولأدوارها ووظائفها، كما نحتاج لتصحيح نظرتنا للزواج وللطلاق ولماذا أحلّه الله، حتّى نقدر أن نعالج الكثير من قضايا المرأة ومشاكلها، لنؤهِّلها لتكون مربية الأجيال القادمة التي ستبني وتحقق الازدهار والتقدم لأمتنا.