بعد 18 يوما من المظاهرات والاعتصامات والاشتباكات، تنحى الرئيس المصري محمد حسني مبارك عن السلطة مكرها، ولن نسلّط الضوء في هذا المقام على الأبعاد السياسية لسقوط نظام مبارك لأن ذلك آخر اهتماماتنا، بل فضلنا أن نسلط الضوء على أبعادها رياضيًا ومدى تأثيرها على العلاقات الكروية بين الجزائر ومصر مستقبلا بعد مرحلة التوتر التي ميزت هذه العلاقات خلال عهد مبارك في الفترة الأخيرة بسبب نجاح الجزائر في الظفر ببطاقة التأهل إلى “مونديال” 2010 عن جدارة واستحقاق، وهو نجاح لم يتقبله المصريون بروح رياضية، وراحوا يتحاملون على الجزائر ويشنون عليها حملة شرسة بإيعاز من نظام مبارك، لكي يلصقوا بنا تهما لا أساس لها من الصحة ودون وجه حق. صحوة الضمير تكشف خيوط المؤامرة وإن كنا على دراية بنظافة تأهلنا إلى بلد “نيلسون مانديلا”، وإن كنا ندرك أيضا أن مزاعم المصريين يومها عندما اتهموا شعبنا بإرهابهم في السودان ما هي إلى خطة من نظام مبارك وظّف فيها إعلاميي الفتنة لتوريطنا كي ينسى شعبه المشاكل التي يتخبط فيها يوميا، إلا أنّ الشهادة أتت أخيرًا من المغني المصري محمد فؤاد الذي اعترف علنًا باكيا على قنوات مصر قائلا: “الجزائريون طيبون، لم يفعلوا للمصريين شيئا في الخرطوم والنظام المصري هو من غلطهم وغلط شعبا كاملا لتغطية عيوبه”، مناشدا جميع المصريين الذين وصفهم بالظالمين بأن يقولوا قولا حقا في حق الجزائريين وأن يشهدوا أمام الله بأنهم لم يفعلوا لهم شيئا في أم درمان“. عهدة مليئة بالمشاكل كرويًا سالت فيها دماء الجزائريين وليت المشاكل الكروية بين مصر والجزائر توقفت عند ما حدث مؤخرا بسبب بطاقة الوصول للمونديال، بل التاريخ يحفظ بأن عهدة مبارك كانت مليئة بالمشاكل والصدامات بين البلدين، فهو لم يمهل البلدين كثيرا بعد توليه الرئاسة سنة 1981، وأول الصدامات كانت سنة 84 بسبب بطاقة التأهل لأولمبياد لوس أنجلس، وثانيها كانت بين شبيبة القبائل والزمالك لحساب كأس أبطال إفريقيا سنة 1984 أيضا، وثالثها سنة 1989 حول بطاقة الوصول للمونديال، وما لحق بلومي من مشاكل تسبب له فيها النظام المصري، ويشهد التاريخ أيضا أن منتخب مصر في عهد مبارك أتى بالمنتخب الثاني في نهائيات كأس إفريقيا 1990 بالجزائر، ويشهد أيضا أن الجزائر صارت تتهم بتسميم ضيوفها بعد أن زعم شحاتة المحسوب على النظام المصري أن الجزائريين سمّموا طعامه وهو الذي أكل “الكوشري” بشراهة قبل مجيئه، ويشهد التاريخ أن الجزائر بوفدها الرسمي اعتدي عليها في القاهرة في ظلّ نظام مبارك، وأن دم أبنائها لاعبين وشعبا سال هناك، وأن رموزها وشهداءها شُتموا وهم في قبورهم، ويشهد أن الجزائر سميت ببلد العاهرات وليس الشهداء، أليس من الغرابة أن يحدث بين الجزائر ومصر كل هذا في عهد رئيس واحد اسمه مبارك ؟ بلدان شمال إفريقيا صارت عدوًا لمصر في عهدته والظاهر أن عهدة مبارك وعلى مدار 30 سنة على رأس السلطة المصرية لم تتخللها مشاكل كروية مع الجزائر فقط، بل إن عهدته هذه مشوبة بمشاكل مع أغلبية بلدان شمال إفريقيا ومن بينها الجارة تونس التي سبق لمنتخبها وأنديتها أن عانت الكثير في القاهرة من ممارسات “بلطجية” النظام الفاسد المطاح به، ويكفي أن نذكّر بما حدث لشعبها من رجال الأمن في ملعب القاهرة خلال نصف نهائي كأس الرابطة الإفريقية بين الترجي والأهلي، والجارة المغرب هي الأخرى لطالما عانت الأمرّين هي وأنديتها ومنتخبها من ممارسات نفس النظام الفاسد الذي كان يزج دوما الرياضة وكرة القدم على الخصوص في لعبته القذرة حتى يلهي شعبه المسكين والمغلوب على أمره عن الاهتمام بمشاكله اليومية التي يتخبط فيها من جوع، وفقر، وبطالة وغير ذلك. التفكير في الانسحاب من اتحاد شمال إفريقيا ممارسات نظام مبارك خلقت حساسية لشعبه الذي صار يشعر بأنه غير مرغوب فيه من طرف بلدان شمال إفريقيا، وأن هذه الأخيرة يغار تشعوبها من الشعب المصري، وأن المشاكل لا تحدث لهم إلا عندما يواجهون الجزائر أو تونس أو المغرب، ويذكر الجزائريون جيدا أن السلطات في مصر فرضت ضغطا رهيبا على إتحاد الكرة هناك كي ينسحب عاجلا من إتحاد شمال إفريقيا احتجاجا على “بطش الجزائريين” بهم في السودان، وعلى رفض روراوة مصافحة زاهر، وعلى السيوف التي قيل أن شعبنا أدخلها إلى ملعب أم درمان، وغيرها من الخرافات التي كشف محمد فؤاد مصدرها وغايتها أخيرًا. ممارسات ابنيه جمال وعلاء ساهمت في توتر العلاقات وغذّت ممارسة ابني مبارك، علاء وجمال توتر العلاقات بين الجزائر ومصر، فجمال ظهر عبر برامج تلفزيونية رياضية مصرية ليشتم ويسب الجزائر ورموزها، وشهداءها، بل وحرّض عبرها شعبه على ضرورة الأخذ بالثأر من الجزائريين، وكأن الأمر يتعلق بحرب مع حليفة والده إسرائيل. وتتذكرون أيضا رقصة جمال مبارك الشهيرة يوم فازت مصر على الجزائر بتواطؤ من الحكم في كرة اليد خلال الدور نصف النهائي في نهائيات كأس إفريقيا التي أقيمت بالقاهرة، يومها رقص وغنى شماتة فينا لأن الرجل صارت الجزائر هدفا رئيسيا لا بد من الإطاحة به حتى في لعبة “الشطرنج” بعد أن أبكته وأبكت الملايين معه في الخرطوم. إعلاميو الفتنة أشعلوها نارًا من دكاكينهم نظام مبارك رياضيا لم يلطخه لا هو ولا ما قام به السياسيون، ولا الفنانون، ولا نجلاه علاء وجمال فحسب، لأن الفراعنة من إعلاميي الفتنة لطخوا مهنة الصحافة النبيلة، فصاروا أداة يستعملها ذات النظام في ضرب الجيران من شمال إفريقيا من بوابة “بلاطوهات” ينشطها بإحكام الغندور، مصطفى عبده، عمرو أديب والذي لا يستحي إبراهيم حجازي، وغيرهم من إعلاميين كانوا يتلقون الأوامر لضرب الجزائر. هؤلاء أيضا قد يسقطون بسقوط مبارك ما داموا تابعين له وما داموا قد ولدوا في حضنه وحضن نظامه، وإلا فهم مطالبون بالحذو حذو ابن جلدتهم محمد فؤاد الذي أنّبه ضميره وصحا ولو متأخرا في الوقت بدل الضائع. نحو غد مشرق بين الجزائر ومصر بعد رحيل مبارك وحاشيته ومن يدري فقد تعود مصر الآن كرويا إلى حضن العرب، سواء إلى قطر أو إلى بلدان شمال القارة السمراء، فبالأمس فقط أجبر شعبها مكرها على الشعور بعدم الانتماء إلى شمال إفريقيا، وبداية من يوم الجمعة الماضي قد يستعيد شعوره بالانتماء إلى العرب ككل، قد تعود إلى أحضان الجزائروتونس والمغرب وليبيا وموريتانيا، وتتغير الأوضاع في ظل مؤشرات توحي بأن الغد سيكون مشرقا بين الجزائر ومصر، وأن ما أفسده النظام المنحى قد يصلحه من سيأتي خليفة له ما دام شعب مصر سيختار رئيسه بكل ديمقراطية وبعيدا عن التوريث والإكراه.