تتجه أنظار العالم والشعوب العربية خصوصا خلال الفترة الحالية نحو ليبيا الشقيقة التي تشهد ثورة شعبية عارمة ضد نظام العقيد معمر القذافي، ورغم أنّ الشغل الشاغل الآن هو كيفية إيصال الأدوية والمؤونة لأغلبية المناطق التي أصبحت خارج سيادة قائد البلاد منذ الثورة التي أقامها يوم 1 سبتمبر 1969، إلا أن الجانب الرياضي له أهميته أيضا خاصة أن ليبيا تحظى ببعد كروي قاري بما أنها ستنظم كأس أمم إفريقيا سنة 2013. فرص تنظيم كأس أمم إفريقيا أصبحت في الحضيض وفي هذا الصدد تلقت حظوظ ليبيا في تنظيم كأس أمم إفريقيا 2013 ضربة موجعة بسبب هذه النهضة الشعبية، لأن غياب الأمن تسبّب في توقف نشاط جميع الشركات المشرفة على صيانة وتشييد الملاعب دون الحديث عن الدمار المتوقع إلحاقه بالبلد، وهو ما يعني أن تخصيص جزء من الميزانية الوطنية مستقبلا لتنظيم تظاهرة رياضية سيكون عبئا على الدولة التي ستكون حينها مهتمة بإعادة بعث الحياة في القطاعين الصحي والتعليمي اللذين يعدان أولى من القطاع الرياضي لدى أية دولة على مستوى العالم. حتى التحضيرات ليست مكتملة وقصة المغرب ستعود وما يزيد حظوظ استضافة مدن ليبيا لل”كان” ما بعد القادمة ضعفا أنّ التحضيرات في حد ذاتها متأخرة، حيث إشتكى الشارع الرياضي في ليبيا طيلة الأشهر التي سبقت إنتفاضة 17 فيفري من السير البطيء جدا للأشغال، فملعب 28 مارس ببنغازي على سبيل المثال لم تسر الأشغال فيه كما ينبغي رغم أنه أُغلق بغرض الصيانة منذ أشهر، والأمر نفسه بالنسبة لملعب 11 يوليو بطرابلس الذي لم تتم صيانته بعد، ناهيك عن الملاعب التي يفترض تشييدها في مدن أخرى لإستضافة التظاهرة والتي مازالت ليومنا هذا مجسمات ورقية، الأمر الذي سيجعل الإتحاد الإفريقي يسحب التنظيم من ليبيا مستقبلا وبالتالي ستعود قصة إمكانية إعطاء التنظيم للمغرب التي تم تداولها قبل أشهر. المنتخب الليبي محظوظ لأن مباراته القادمة أمام منافس ضعيف أمّا المنتخب الليبي فلن يجد إشكالا كبيرا بسبب الثورة لأن اللقاء الرسمي القادم في إطار تصفيات كأس أمم إفريقيا 2012 سيقام في 26 مارس القادم، ومن المستبعد أن تتواصل الأمور مثلما هي عليه الآن إلى غاية ذلك التاريخ وإذا إستمرت كذلك بإمكان الإتحادية الليبية طلب تأجيل اللقاء إلى تاريخ لاحق، ومن جهة ثانية فإن المنافس يتعلق بمنتخب جزر القمر المتواضع ومنطقيا لن يجد رفقاء طارق التايب أية صعوبة في التغلب عليه ذهابا وإيابا حتى في حال وجود نقص على مستوى التحضيرات. منافسة الأندية الإفريقية مازالت بعيدة والإتحاد والنصر يفترض أن لا ينسحبا ومن جهتها، فإن الأندية الليبية لن تفرط في المشاركة القارية وإنسحابها يبدو مستبعدا للغاية خاصة في ظل الإنتدابات القوية التي قام بها كل من الإتحاد الذي سيخوض رابطة الأبطال والنصر الذي يشارك في كأس “الكاف“، فالأول يحظى بدعم لا محدود من إدارته التي تريد الفوز باللقب الأغلى قاريا وتعاقدت مؤخرا مع المدرب البرتغالي بالتيمار بريتو الذي كان مساعدا ل مورينيو في تشيلزي، والثاني صرف عدة ملايير للتعاقد مع الكونغولي ليلو مبيلي والنيجيري إيفوسا جواكيم، علما بأن الدور القادم سيجري منتصف الشهر القادم إذ سيلاقي الاتحاد الفائز من لقاء أس فان النيجري وتريشيفيل الإيفواري، أما ممثل بنغازي سيواجه الخرطوم السوداني. كرة القدم في ليبيا لا تلقى إهتماما من الدولة رغم الشغف الجماهيري وبعيدا عن الأندية والمنتخبات تجدر الإشارة إلى أن كرة القدم الليبية بصفة عامة لا تلقى إهتماما بالغا من طرف الدولة ويظهر ذلك من خلال النقص الفادح على مستوى البنى التحتية وسوء التنظيم بسبب غياب الإحترافية لدى المسؤولين على الرياضة الأكثر شعبية هناك سواء المسؤولين على الأندية أو على المنتخب، وهو ما دفع على سبيل المثال لا الحصر بالنجم الأول للكرة الليبية طارق التايب لإعتزال اللعب دوليا منتصف سنة 2008 متحججا بسوء التسيير الإداري ودوره الكبير في النتائج السلبية للمنتخب، علما بأنه تراجع عن هذا القرار بداية العام الحالي. القذافي يشبّه الرياضة بالصلاة ويعتبر الإحتراف استغفالا للجماهير ولم يجد المتابعون للكرة الليبية سر الإهمال الكبير للقطاع الكروي في حين أن الشارع الرياضي يعشق اللعبة للنخاع، غير أنه جدير بالذكر أن الزعيم الأول في ليبيا معمر القذافي لا يعترف إطلاقا بنظام كرة القدم الحديثة في كتابه الأخضر، حيث شبّه لعبة كرة القدم بالصلاة كونهما رياضة للجسم واستنتج بعد ذلك أنه من غير المعقول أن يذهب أشخاص للمسجد من أجل مشاهدة الناس يصلون بل يجب أن يصلوا هم أيضا، مثلما هو من غير المعقول أن يذهب أشخاص للملعب للجلوس على المدرجات ومشاهدة أشخاص آخرين يلعبون ويفترض أن يذهبوا للعب هم أيضا، وعليه فهو ضد وجود المدرجات في الملاعب كما إعتبر أنّ الإحتراف المبني على الإستثمار في جيوب الجماهير يعتبر إستغفالا لها بما أنها تكتفي بالتصفيق على الرياضيين الأبطال بدل مزاولة النشاط الجماهيري معهم، وهو ما يفسر ربما الإهمال الموجود في ليبيا على مستوى تطوير الكرة وإدخالها عصر الإحتراف. ----------------- تصريحات الحدث نجوم الرياضة يلتزمون الصمت ولا أثر لهم إعلاميا لم يظهر أي أثر لنجوم كرة القدم في ليبيا على الصعيد الإعلامي منذ الشرارة الأولى لثورة الجماهير الليبية يوم 17 فيفري، عكس مصر مثلا ونجم إنبي إسلام عوض أو لاعب الإفريقي التونسي أمير العكروت الذي أصيب بطلقة نارية إبان ثورة الياسمين، وعموما فإن إلتزام الصمت من قبل الرياضيين في ليبيا يعد أمرا متوقعا بالنسبة للعالمين بخبايا الكرة في هذا البلد، خاصة أن الإعلام هناك لن يسمح أبدا بتمرير رسالة من أحد مشاهير الرياضية ضد توجهات القذافي. جهاد المنتصر ونادر الترهوني لم يدليا بأي تصريح في الإمارات لكن الأمر المحير يتمثل في إلتزام اللاعبين الليبيين في الخارج للصمت نظير الكوارث الإنسانية التي تجري في ليبيا، على غرار الدولي السابق ولاعب الشعب الإماراتي حاليا نادر الترهوني الذي لم يدل بأي تصريح صحفي منذ 17 فيفري، مثله مثل الدولي السابق جهاد المنتصر الذي يشغل حاليا منصبا إداريا مع أهلي دبي بعدما إعتزل الكرة إثر مشواري كروي طيب في إيطاليا وإنجلترا وقطر، وأغلب الظن أنهما متخوفان على حياة عائلتيهما في ليبيا إذا أبديا رأيا معينا تجاه ما يجري. لاعب في البطولة البرتغالية من أصول تشادية إمتدح القذافي قبل أسابيع وللأمانة الصحفية تجدر الإشارة إلى تصريح أدلى به لاعب وسط ميدان بيرامار البرتغالي ومنتخب ليبيا جمال عبد الله إلى مجلة “سوو فوت” الفرنسية شهر جانفي المنصرم أي قبل إندلاع الثورة الليبية بأسابيع، وأجاب حينها عن سؤال يتعلق بدكتاتورية القذافي من عدمها قائلا: “لا يوجد أي شيء كارثي في ليبيا، فنحن أحرار ونعيش بسلام. أما القذافي فهو يطبق التعاليم الدينية وكل ما في الأمر أنّ الإعلام الغربي يعطي نظرة خاطئة للناس“، علما بأن هذا اللاعب من أصول تشادية ولم يقض في طرابلس سوى السنوات السبع الأولى من عمره قبل أن يذهب لفرنسا رفقة عائلته. ---------------- أصداء الحدث الساعدي القذافي قام بتجاوزات عديدة أيام لعبه مع أهلي طرابلس تجدر الإشارة بهذا الخصوص إلى أن إحتمال خروج فضائح مدوية في حال سقوط النظام ناتج عن التعتيم الإعلامي الكبير الذي تمارسه الجهات الإعلامية في ليبيا، مما جعل تلك الأخبار شبه المؤكدة يتم تناقلها على شكل إشاعات بين الناس لأن قولها أمام الملأ يضع صاحبها أمام إمكانية “التصفية” مثلما تقول المعارضة الليبية في الخارج، ومن أمثلة هذه التجاوزات شبه المؤكدة هو ما قام به الساعدي نجل معمر القذافي، حيث كان يمارس كرة القدم مع أهلي طرابلس موسم (2000-2001) وكان في الوقت نفسه رئيسا للإتحادية الكروية وكان يحرز الأهداف في كل لقاء ويقود فريقه للفوز بطريقة يتفق أغلب الناس على أنها مشبوهة. جعل الإتحاد النادي المدلل نكاية في أنصار الأهلي الذين ضايقوه وحسب ما يتم تداوله في ليبيا أيضا فإن الساعدي تعرض لمضايقات من بعض جماهير الأهلي طرابلس جعلته يغادر إلى الغريم التقليدي الإتحاد في صيف 2001، وحينها أصبح ل”التيحا” دعم مادي كبير من طرف نجل الزعيم جسّده من خلال استقدام لاعبين مشهورين على غرار الكاميروني باتريك مبوما والنيجيري تيجاني بابانغيدا، كما قام النادي في موسم (2002-2003) بتربص في شواطئ البرازيل إضافة للقاء ودي أمام برشلونة الإسباني، ناهيك عن مدربين كبار تم إستقدامهم أمثال الإيطالي برسيليني والأرجنتيني أوسكار فيلوني، علما بأن الإتحاد حصد أغلب البطولات منذ ذلك الحين بينما لم يحصد الأهلي طرابلس لقب البطولة منذ ذهاب الساعدي. أقال سكوليو من تدريب المنتخب سنة 2003 لأنه لا يشركه في المباريات هناك أيضا قضية أخرى طفت للسطح سنة 2003 تتعلق بالساعدي نفسه ونشرتها مجلة “سوبر“ الإماراتية آنذاك وأحدثت ضجة كبيرة، ويتعلق الأمر بحادثة إقالة الإتحادية الليبية للمدرب الإيطالي (المتوفى سنة 2005) فرانكو سكوليو من تدريب المنتخب الذي كان يلعب له الساعدي رغم أن النتائج كانت ممتازة وتم الفوز على منتخب الكونغو الديمقراطية (3-2) في إطار الجولة الأولى من تصفيات “كان 2004”، وفي ظل التعتيم الإعلامي في ليبيا على حقيقة الإقالة أكدت “سوبر” أن السبب الحقيقي هو عدم إشراك سكوليو ل الساعدي في المباريات، في حين رفضت المصادر الرسمية في ليبيا التعليق حول الأمر ليومنا هذا. فتنة كبيرة تنشب بين الأندية بسبب أفعاله وعموما يمكن القول إنّ نجل الزعيم الليبي كان سببا من أسباب الفتنة الكبيرة التي حدثت في الكرة الليبية خلال العشرية الماضية، حيث تنامى التعصب بين جماهير قطبي العاصمة الأهلي طرابلس والإتحاد من جهة وبين قطبي العاصمة والنادي الكبير في بنغازي “الأهلي” الذي تم تدمير مقره نهاية التسعينات وإعادة إفتتاحه خلال بداية القرن الحالي في قصة متشابكة نعد قراءنا بأن نسردها بالتفصيل خلال الوقت المناسب. معمر القذافي حاول لمّ الشمل قبل أيام عن طريق دعم الأندية الأربعة الكبرى وفي النهاية نشير إلى أن العقيد معمر القذافي حاول مؤخرا القيام بخطوة نحو تصحيح الأوضاع بين قيادته والجمهور الكروي في ليبيا، حيث حرص على تهدئة نار الفتنة التي إشتعلت من خلال قيامه بزيارة لنادي الأهلي طرابلس أين وضع حجر الأساس لبناء مقر نموذجي للنادي في مشروع يقدر بملايين الدولارات، ووعد خلال كلمته بزيارة الأندية الكبيرة الأخرى (الإتحاد، النصر، الأهلي بنغازي) للقيام بخطوة مماثلة، لكن يبدو أن ذلك لن يتم لأن سقوط نظامه أضحى قضية ساعات فقط حسب الخبراء السياسيين. عدة فضائح مدوية ستُنشر إذا سقط نظام القذافي يتفق أغلب العارفين بخبايا كرة القدم الليبية على أن سقوط نظام العقيد معمر القذافي الذي يلوح في الأفق يوما بعد يوم، سيحمل في طياته ظهور عدة فضائح كانت بلاد عمر المختار مسرحا لها خلال 42 سنة الماضية، ولن يكون ذلك على الصعيد السياسي أو الإنساني أو الإجتماعي فقط بل أيضا على الصعيد الرياضي وتحديدا كرة القدم التي لم تقدم أي إنجازات تذكر على الصعيدين الإفريقي والعالمي، اللهم المرتبة الرابعة في كأس أمم إفريقيا 1982 التي أقيمت في ليبيا.