الإسلام دينُ القوة؛ فالمؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، والله أمرنا بإعداد القوة، وجاء الثناء في القرآن الكريم على القوي الأمين... أيها الصائمون الكرام: هذه الحياةُ ميدانٌ لا يفوز فيها إلا الأقوياءُ، ونحن في عصر يكاد يكون شعاره: "إن لم تكن آكلاً فأنت مأكولٌ، وكن قويًّا تُحترم". ثم إن القوةَ ضَربان: قوةٌ ماديةٌ، وقوة ٌمعنويةٌ، ومن مبادئ الإسلام أن القوة المادية قد تنتصر، ولكن انتصارها لا يكون طويلاً، ولن يكون مفيدًا. ولقد قص القرآن الكريم علينا فيما قص: أن أممًا كانت قويةً في مظاهر الحياةِ الماديةِ، فعاثت في الأرض فسادًا، وحاربت أنبياء الله ورسله وأولياءه، فكانت عاقبة أمرها خسرًا. وما خبرُ عادٍ وثمودَ وغيرهما من الأمم بغريب على من يقرأ القرآن، {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر: 6-14]. تلك هي نهايةُ الأمم التي أخذت من القوة المادية بأعلى نصيب، ولكنها خِلْوٌ من القوة الروحية والمعنوية. وأما القوةُ المعنويةُ وحدها دون سند من القوة المادية، فيقرر الإسلام أنه لا سبيلَ لها إلى النصر، ولا شأنَ لها في توجيهِ الحياة؛ فسنُنُ اللهِ ماضيةٌ، لا تحابي أحدًا كائنًا من كان. لا خيرَ في حقٍّ إذا لم تَحْمِه *** حِلقُ الحديدِ وألسنُ النيرانِِ وقد رأينا أممًا وشعوبًا عاشت في التاريخ هضيمةَ الحقِّ، كسيرةَ الجناح، تُسام في ديارها الخسفَ والهوانَ؛ لأنها لم تَسْلُكْ سبلَ القوة، فانهزمت أمام الأقوياء. والسبيلُ الصحيحُ إلى حياة كريمةٍ سعيدةٍ أن تتضافرَ المادةُ مع الروح، على تقويم الإنسان، وبناء معيشته، وأن تُمْسِك الأمَّةُ بجناحين من قوةِ المادة، وقوةِ الروح، لا يطغى أحدهما على الآخر. ومما أدبنا القرآن به أن أمرنا أن نقول: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201]. وكما أوجب علينا القرآن أن نُصَحِّحَ العقيدة، ونهذِّب النفوس، ونسموَ بالروح، أمرنا بأن نُعِدَّ القوة إلى أقصى ما نستطيع {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60]. وكما أمرنا بأن نقيمَ الصلاة، ونؤتيَ الزكاة -وهما من أبرز دعائم القوة الروحية المعنوية- أمرنا أن نضربَ في الأرض، ونمشي في مناكبها، وألاَّ ننسى نصيبنا من الدنيا. وإن من أسرار الصيام، وآثار شهره الكريم أنه يبعث القوة في نفوس الصائمين، وخير شاهد على ذلك انتصارات المسلمين الباهرة في شهر رمضان؛ كيوم بدر، واليرموك، والقادسية، وجلولاء، وحطين وغيرها.