لم تكد الكرة الفرنسية تنعم بإستفاقة منتخبها الأول وتخلصه من المدرب ريمون دومينيك ذو المشاكل التي لا تنتهي حتى طفت إلى السطح أزمة جديدة .. شغلت الصحافة والرأي العام وأصحاب القرار منذ عشية أول أمس، ويتعلق الأمر بالتحقيق الذي نشره موقع "ميديابارت" الإخباري ذو المصداقية العالية حول إنتهاج مديرية المنتخبات الوطنية في بلاد موليير لطريقة "عنصرية" في إنتقاء المواهب الشابة وضمها إلى مركز التكوين، حيث يوجد توجه لإعطاء الفرصة للسكان الأصليين ذوي البشرة البيضاء على حساب المغتربين الأفارقة والعرب، وهي خرجة لا تشرف على الإطلاق بلدا متحضرا وديمقراطيا كفرنسا. مسؤولو المديرية الوطنية للمنتخبات وراء إتخاذ القرار نهاية العام الماضي وحسب ذات المصدر، فإن مسؤولين من مديرية المنتخبات الوطنية كانوا وراء إتخاذ هذا القرار نهاية سنة 2010، حيث إتفقوا على أن تواجد العديد من اللاعبين غير الأصليين والمنتمين لبلدان مختلفة يجعل المنتخبات "لا تمثل القيم الحقيقية لدولة فرنسا"، وعليه فقد عقدوا عدة إجتماعات فيما بينهم ولم يجدوا بدا من اللجوء إلى التقليل من تواجد المواهب العربية والإفريقية في مدارس التكوين، وإتفقوا على إبقاء ذلك سرا فيما بينهم وعدم نشره في العلن. بلان أبدى موافقة التامة عندما عُرض عليه الأمر ! أما الشيء الذي أثار دهشة قراء التحقيق الذي تم إعداده من طرف ثلاثة صحفيين محترفين، فهو أن مدرب الديكة لوران بلان رحب كثيرا بهذا القرار وحث المسؤولين على الموافقة عليه خلال إجتماعات جرت بين الطرفين، حيث يكون قد إعتقد بأن قرارا كهذا سيضمن له تواجد قاعدة كبيرة من اللاعبين ذوي الجنسية الواحدة، والذين لن يجد صعوبة في التعامل معهم مقارنة بأصحاب الجنسيات المزدوجة الذي قد يختارون اللعب لبلدانهم الأصلية. فرضوا على مدارس التكوين نسبة 30 بالمئة فقط من الأطفال الأفارقة والعرب وإذا ما فصَلنا فحوى هذا القانون، فهو ينص على تحديد عدد المقاعد التي يستفيد منها الأطفال ذوي الأصول غير الفرنسية في مراكز التكوين ومدارس كرة القدم، وتقدر هذه النسبة بثلاثين بالمئة، أي أنه في حال توفير مركز تكوين معين ل15 منصبا جديدا، فينبغي عليه ألا يختار أكثر من 5 لاعبين عربا أو أفارقة، وهو تصرف عنصري فاضح لأن إختيار المواهب يتم بناء على المهارات الفنية والقوة البدنية وليس لون البشرة التي ليس لها أدنى دور في عالم المستديرة الساحرة. الهدف هو تخفيض عدد لاعبي الكرة غير الأصليين على المدى البعيد وعموما، فالملاحظ لما ذكره هذا التقرير يدرك سريعا سبب نية السلطات الفرنسية في إنتهاج هذا القانون الذي يعطي الأفضلية لعرق على حساب آخر، والذي يتمثل في تخفيض عدد لاعبي كرة القدم غير الأصليين على المدى القريب، وجعل الكفة مائلة نحو الأصليين وأبناء الوطن الحقيقيين، أي عكس ما هو عليه الآن أين تعتبر نسبة البيض في مراكز التكوين ضئيلة للغاية. يكونون قد تذمروا من نقص وطنية هؤلاء وعدم تقديمهم للمستوى المطلوب دوليا هذا ومن المؤكد أنه لا توجد نار دون دخان، فلو رغبت السلطات الفرنسية في تطبيق هذا القرار فمن المسلمات أنها تملك دوافع قوية، ولو تمعَنَا جيدا في القضية لوجدنا عدة دوافع أبرزها مشكل "نقص الوطنية" الذي ظهر للعيان بعد فضيحة مونديال جنوب إفريقيا العام الماضي، حيث قالت عدة أطراف حينها أن لاعبي "الديكة" يفتقدون للوطنية كون أغلبهم لا ينتمي لفرنسا بنسبة 100 بالمئة نظرا لأصولهم الثانوية، وعليه فهم لا يحسون بالقيمة الحقيقية للقميص الذي يحملونه. .. وتفضيل بعضهم اللعب لبلدانهم الأصلية عندما يرتقون للأكابر أما ثاني سبب، فهو ذلك الذي طفى للسطح بعد ما يسمى ب"قانون الباهاماس" الذي يسمح للاعبين ذوي الجنسيات المزدوجة بإمكانية اللعب للمنتخب الأول لبلدهم الثاني إذا ما سبق لهم تمثيل منتخبات الفئات السنية لبلدهم الأول، وهو ما جعل عديد البلدان الإفريقية، ومنها الجزائر، تستفيد مجانا من لاعبين صرفت عليهم فرنسا أموالا طائلة لتكوينهم. .. وهروب آخرين إلى بطولات أخرى قبل نهاية تكوينهم على غرار مغني وإضافة لذلك، يوجد سبب ثالث وجيه، وهو تذمر الفرنسيين من عدم إستفادة أنديتهم من خدمات عديد اللاعبين متعددي الجنسيات الذين يتم تكوينهم، حيث يفضل هؤلاء الذهاب إلى فرق أوروبية أخرى فور أو قبل تخرجهم، وبالتالي لا تستفيد منهم النوادي الفرنسية لا ماليا ولا فنيا، ومن أمثلة هؤلاء اللاعبين هناك نجم الخضر مراد مغني الذي قضى ثلاث سنوات تحت رعاية مدارس التكوين الفرنسية قبل أن يخطفه نادي بولونيا الإيطالي دون مقابل، ونفس الأمر للاعب تشيلزي حاليا وصاحب الأصول الكونغولية غاييل كاكوتا الذي قضى ثمان سنوات في مركز تدريب لانس دون اللعب للفريق الأول، حيث هرب إلى لندن في 2007. محقون في مخاوفهم، إعتبروا أنهم يضيعون مالهم ووقتهم، لكن حلولهم عنصرية وبناء على هذه الأسباب، يمكن أن نعذر مسؤولي كرة القدم في فرنسا على رغبتهم في تقليل التواجدي العربي والإفريقي في مدارس تكوينهم، حيث أنهم يضيعون أموالهم ووقتهم في تكوين هؤلاء الذين قد يهربون لأندية أوروبية أو يلعبون لمنتخبات بلدانهم الأصلية فيما بعد، لكن الإشكال يكمن في الحل العنصري والسيء للغاية الذي إتخذوه وفق ما كشفه تحقيق "ميديابارت"، والذي سيسبب إنعكاسات سلبية على المجتمع ككل. موقع "ميديابارت" ذو مصداقية عالية ويملكه مدير التحرير السابق ل"لوموند" ومن جهة أخرى، تجدر الإشارة إلى أن الموقع الذي نقل الخبر "ميديابارت" هو موقع ربحي يشترط الدفع مقابل قراءة تحقيقات صحفييه المحترفين، كما أنه ذا مصداقية كبيرة مقارنة بالمواقع المجانية، والدليل على ذلك هو أن مالكه هو صحفي مخضرم ومدير تحرير يومية "لوموند" الكبيرة ما بين 1996 و2004 : هيرفي إيدويل بلينيل. أكد أنه يملك أدلة، سينشرها لاحقا وأحدث هلعا كما نذكر أيضا أن الصحفيين الذي كتبوا التحقيق أكدوا في نهايته على إمتلاكهم لأدلة ملموسة حول كل ما كشفوه، وسينشرونها خلال القريب العاجل في حال تكذيب أصحاب القرار لما ورد، الأمر الذي أحدث هلعا شديدا لدى مديرية المنتخبات الوطنية والإتحادية الكروية بإعتبارهما الطرفين المدانين من هذا التقرير. المجلس الفيديرالي يكون قد عقد إجتماعا أمس حول هذه القضية ومن دلائل حالة الهلع التي إنتابت المسؤولين، هو إقدام المكتب الفيديرالي على مناقشة فحوى التقرير خلال الإجتماع الذي يكون قد إنعقد أمس في مقر الإتحادية في العاصمة باريس، علما أنه يفترض أن المدير التقني للمنتخبات "فرانسوا بلاكار" قام بتنظيم مؤتمر صحفي بعد هذا الإجتماع يكون قد تكلم فيه حول ما قيل من طرف "ميديابارت" ومدى صحة الفضائح التي تم الكشف عنها. إذا كان الأمر صحيحا فالكرة الجزائرية ستدفع ثمن تبعيتها للفرنسية وبعيدا عن ما يحدث في فرنسا، نشير في النهاية إلى أن هذا الأمر يهم الكرة الجزائرية كثيرا إذا ما ثبتت صحته، فتقليص فرص دخول المغتربين لمراكز التكوين في بلاد الرئيس ساركوزي يعني تقلص عدد اللاعبين ذوي الأصول الجزائرية الممكن تخرجهم، وهو ما سيؤثر مباشرة على منتخبنا الأول الذي نقولها للأمانة وبصريح العبارة أنه يعاني من التبعية شبه المطلقة لفرنسا التي كونت كريم زياني ورفيق جبور ومراد مغني والبقية. يجب على المسؤولين أن يستفيقوا ويصلحوا القطاع قبل فوات الأوان هذا الأمر يجب أن يلقى آذانا صاغية لدى مسؤولي كرة القدم الجزائرية وعلى الخصوص الفاف ووزارة الشباب والرياضة، وذلك من خلال الإسراع في تطبيق الخطط الرامية لتطوير الكرة المحلية على المدى المتوسط، وأبرزها مشروع الإحتراف التي أتى به الحاج محمد روراوة والذي يتيح للأندية فرصة الإستفادة من قروض لإنشاء مشاريع إستثمارية وبناء مدارس تكوين متطورة تسمح بالإعتناء بالجيل الصاعد من لاعبي كرة القدم في بلادنا ووضع أسس متينة للمستديرة الساحرة، أما في حالة تواصل الإهمال فلا يمكن أن نلوم إلا أنفسنا مستقبلا.