ها هو رمضان قد مضى وتصرمت أيامه، ربح فيه الرابحون وخسر من عظمت موبقاته وآثامه، فيا أيها الرابح هنيئًا لك... ويا أيها الخاسر ما أجهلك، ولا نعلم من الرابح فنهنؤه، ومن الخاسر فنعزيه، لكن الله يعلمهم، فعلم الغيوب إليه سبحانه، أيتها النفس! كنت في أيام، في صلاة وقيام وتلاوة وصيام وذكر ودعاء وصدقه وإحسان وصلة أرحام!، ذقنا حلاوة الإيمان وعرفنا حقيقة الصيام وذقنا لذة الدمعة وحلاوة المناجاة في الأسحار!، وكنا نُصلي صلاة من جُعلت قرةُ عينه في الصلاة وكنا نصوم صيام من ذاق حلاوته وعرف طعمه وكنا ننفق نفقه من لا يخشى الفقر وكنا .. وكنا .. مما كنا نفعله في هذا الشهر المبارك الذي أوشك أن يرحل عنا!، رحلت يا رمضان! ولربما لم نذق فيها طعم القيام، رمضان كيف ترحل عنا وقد كنت خير جليس لنا، بفضل ربنا كنت عوناً لنا، ونحن بين قارئ وصائم ومنفق وقائم، وباكٍ ودامع، وداعٍ وخاشع. رمضان فيك المساجد تعمر، والآيات تذكر، والقلوب تجبر، والذنوب تغفر، كنت للمتقين روضةً وأنساً، وللغافلين قيداً وحبساً، يقول ابن رجب في وداع رمضان: يا شهر رمضان ترفق، دموع المحبين تدفق، قلوبهم من ألم الفراق تشقق ،عسى وقفة الوداع تطفئ من نار الشوق ما أحرق، عسى ساعة توبة وإقلاع ترقع من الصيام ما تخرق عسى منقطع عن ركب المقبولين يلحق، عسى أسير الأوزار يطلق، عسى من استوجب النار يعتق، فقد رحلت يا شهر رمضان، يا شهر العتق من النيران، يا شهر الصدقة والإحسان، يا شهر الصيام والقيام، يا شهر الفضل والإنعام، يا شهر الخشوع والسجود والركوع، يا شهر القرآن والغفران، يا شهر الحسنات وإقالة العثرات، يا شهر التسبيح والتراويح، لقد رحلت يا شهر العتاق وأذقت الأنام مرارة الفراق.