تصور معي مشهداً يدور حديث فيه بينك وبين شخص كادح يكاد يجمع قوت يومه وهو يحلم بحياة رغيدة وفيرة ، يعيش كما يعيش المترفون وأصحاب الملايين، أو كما هو يرى ويعتقد .. وفي أثناء الحديث ورغبة منك وكنوع من التخفيف عنه، تقوم بتذكيره بالباقيات الصالحات وأنها أفضل في الآخرة بكثير مما هو يراه في دنياه ويتمناه . ترى ، هل سيتأثر وتدمع عيناه ومن قبل ذلك قلبه ؟ الإجابة ربما أو ربما لا . الأمر يرجع الى مسألة مهمة هي لب حديث اليوم . دون مقدمات طوال ، يمكنني القول بأن المسألة ليست سهلة كما ننطق بالآيات والأحاديث والكلم الطيب أو نكتبها ونفسرها .. لماذا ليست سهلة ؟ لأنها تتعلق بالنفس البشرية والإيمان .. هذا الإيمان الذي لو لم يتغلغل في تلك النفس، فلن ينفع معها أي وعظ أو تذكير، لكن العكس صحيح لا ريب. النفس البشرية التي تتخاصم مع الإيمان وتغلق الأبواب دونه ، تجدها غاية في التعقيد وغاية في القسوة، وخاصة حين تأتي المسألة وفيها غيبيات ومستقبليات.. الإيمان حين يتمكن من النفس، فلا شيء يمكنه أن يوقف تلك النفس من تصور المستقبل واستشعار لحظاته وتمني خيراته، التي هي في عقيدتنا متمثلة في رضا الله ومن ثم دخول الجنة. من هنا نجد أن الإيمان مهم في حياة أي منا، إذ بدونه لا يمكن تفسير أمور تقع أمامنا أو الاقتناع بها لأن المحسوسات أو الماديات غالباً تكون قوية وذات تأثير كبير بالغ على النفس ، أكثر من الغيبيات غير المحسوسة أو المادية مثل الباقيات الصالحات التي ورد ذكرها بسورة الكهف بالقرآن ، التي بدون الإيمان الراسخ بالقلب ، فلا يمكن أن تكون مقنعة.. المسألة بحاجة الى شيء من التأمل والتفكر.. وأوقات الليل الأخيرة هي من أجمل وأفضل تلكم الأوقات لمثل هذه التأملات ، وكل ما يمكن أن يحفز ويدعم الإيمان بالقلب ، الذي نسأله سبحانه أن يثبت قلوبنا على دينه وطاعته .. آمين