صندوق ضبط الإيرادات سيأكل بعضه بعض إذا استمرت الأزمة حذر الخبراء والمختصون المشاركون في ندوة الشروق حول تراجع أسعار البترول من الآثار المرتقبة لتراجع أسعار البترول ونصح هؤلاء بضرورة تغيير النمط الاقتصادي المعتمد أساسا على ريع البترول، وانتقدوا التصريحات المطمئنة الصادرة عن بعض المسؤولين بخصوص عدم تأثير التراجع في سعر البترول على الجزائر بسبب احتياطي الصرف الذي سيغطي أي تراجع في المداخيل. الرئيس المدير العام الأسبق لسونطراك عبد المجيد عطار "الجزائر مقبلة على أزمة اقتصادية حادة خلال ثلاث سنوات مقبلة" أكد عبد المجيد عطار الرئيس المدير العام الأسبق لسونطراك وصاحب مكتب دراسات في قطاع المحروقات خلال نزوله ضيفا على منتدى الشروق، على أن الجزائر مقبلة على أزمة اقتصادية حادة خلال الثلاث سنوات مقبلة في حال استمرت أسعار النفط في الانخفاض، مشيرا إلى أنه ليست هناك" إرادة سياسية للتخلص من التبعية الاقتصادية للبترول" وأضاف "المشكل يكمن في الحكومة في حد ذاتها" حيث قال إنه لا يوجد استثمار حقيقي في الجزائر في السنوات الأخيرة، ليقول "في العشرية السوداء كانت الحكومة منشغلة بالأمن، وماعدا مرحلة بومدين التي عرفت إنعاش اقتصادي حقيقي، فالجزائر حاليا تستثمر فقط لتستهلك أو ما يسمى استثمار الراحة". وقال عطار في وصفه للوضع الراهن للاقتصاد الجزائري المبني على ريع "البترول" بأن الجزائر خلال 15 سنة استطاعت خلق رفاهية في عيش المواطنين وتحسين أوضاعهم الاجتماعية فيما يخص السكن وبعض الانجازات مثل الطرق وهو شيء - يقول - لا يمكن إنكاره، لكن لم يتم الأخذ بعين الاعتبار ما وراء ذلك أي البحث عن استثمار لخلق الثروة بعيد عن البترول - يقول المتحدث - حيث يعتبر ذات المتحدث بصفته خبيرا في قطاع المحروقات بأن الجزائر تنقصها رؤية مستقبلية للاستثمار ومناخ الأعمال في الجزائر فير كافة المجالات والقطاعات. وانتقد الوزير السابق سياسة الحكومة في هذا المجال والتي ليست لديها "إرادة" للنهوض بقطاعات أخرى من غير البترول، حيث اعتبر بأن كل ما قيل في هذا المجال بقي حبرا على ورق، حيث توجد رؤية واضحة للاستثمار في مجالات أخرى، خاصة مع سياسة تغيير القوانين دون دراسة مسبقة، والتي يجد حيالها المستثمرون صعوبة وتخوفات للمغامرة بأموالهم في الجزائر. وبخصوص تراجع نسبة إنتاج شركة سونطراك" في السنوات الأخيرة وإن كانت لقضايا الفساد التي عصفت بأكبر شركة في الجزائر؟ علاقة بذلك؟ نفى عطار وبشدة ذلك، ليقول "الإنتاج فيسونطراك في تراجع مستمر لأنه لا توجد اكتشافات حقيقية ولا توجد ضمانات للمستثمرين الأجانب للدخول في شراكة معها" وأضاف "المشكل الأكبر يكمن في تغيير القوانين من سنة إلى سنة في عهد شكيب خليل ثم سنة 2013، والتي تعتبر أكبر معرقل للمستثمرين بسبب عدم وضوحها وخوفهم من التغيير في أي لحظة وعدم وجود ضمانات". هناك إنجاز بخصوص تحقيق الرفاهية..لكن لم نفعل شيئا لخلق الثروة وأكد عطار على أن تراجع إنتاج شركة سونطراك منذ سنة 2008 بحوالي 3 أو 5 بالمائة يرجع إلى أن أهم الحقول المنتجة العملاقة قديمة، فمثلا حاسي مسعود منذ 1956، مشيرا إلى أن الاكتشافات الأخيرة صعبة وتحتاج أموالا طائلة لاستغلالها، وتطرح تساؤلات حول إمكانية الاسترجاع، وأضاف "أغلبية الحقول الجزائرية العملاقة بدأت تتراجع، حيث تم اكتشافها في سنوات 50 و60، وتحتاج إلى صيانة" مشيرا إلى أن الجزائر تعتمد في إنتاج النفط على بئر حاسي مسعود بنسبة 40 بالمئة و60 بالمئة حوض بركين، وهي حقول - يقول المتحدث - تحتاج إلى صيانة وتحسين نسبة الاسترجاع وتقوية الإنتاج، حيث أكد على أن تحسين نسبة الاسترجاع في القوت الراهن أحسن من الاكتشافات الجديدة والتي تتطلب إمكانيات كبيرة لتصبح منتجة. وأكد عطار على أن الاستثمار في المحروقات الغير تقليدية في الجزائر غير ممكن حاليا، حيث أن الجزائر غير جاهزة للتنقيب على الغاز الصخري والذي يتطلب ثروات ضخمة ليعطي ثماره مثلما حصل في الولاياتالمتحدة والتي نجحت في التجربة الخاصة بالغاز الصخري، وفي سياق ذي صلة نوَه المتحدث بأن أسباب تراجع أسعار البترول تبقى سياسية، حيث أن أمريكا بتحالفها مع السعودية تريد إذلال روسيا وليس من مصلحتها أن ترتفع أسعار البترول، مشيرا إلى أن منظمة الأوبيك لا تؤثر شيئا في قرارات أمريكا والتي لا تريد أن ترتفع الأسعار خدمة لمصالحها، وأشار إلى أن الجزائر في هذه الحالة تحتاج إلى أن يكون سعر البرميل حوالي 125 دولار حتى تستقر اقتصاديا وأقل من ذلك فهو يؤثر على اقتصادها وستضطر إلى استخدام الاحتياطات في صندوق ضبط الإيرادات لمواجهة الأزمة.
عطار: "لا تنتظروا شيئا من أوبيك" قلل الرئيس المدير العام السابق للشركة الوطنية للمحروقات عبد المجيد عطار من تأثير منظمة الدول المصدر للنفط أوبك على السوق النفطية الدولية معتبرا أن نفوذها وتأثيرها صار محدودا، مشيرا إلى أن المنظمة حتى وإن توصلت لقرار بخفض الإنتاج فإن تأثيره سيكون محدودا على الأسعار. ويعتقد عبد المجيد عطار أن قرار من منظمة أوبك في اجتماع الخميس بفيينا بخفض الإنتاج ب2 مليون برميل يوميا سيكون وحده قادرا على إعادة الأسعار ولو بشكل نسبي إلى مستوياتها، وما عدا ذلك يؤكد ضيف "الشروق" فلا أمل من منظمة أوبك. وبحسب عطار فإن الاقتصاد الجزائري سيتضرر بشكل جدي إذا تواصلت الأسعار في النزول بهذا الشكل وستبدأ المشاكل الحقيقية بدءا بصندوق ضبط الإيرادات، وأوضح أن أزمة 86 ستكرر فإذا وصل النفط إلى ما دون 60 دولارا لأن قيمة الدولار الآن ليست نفسها في 86، وأضاف "بل ستكون أزمة عالمية إذا هوت الأسعار إلى ما دون 60 دولارا. وشدَد عطار على أنه قد حان الوقت للجزائر بأن تصرف المال العام في ما يحتاجه المواطن وليس فيما يرغب فيه المواطن، لأن جل ما صرف مؤخرا كان للرفاهية والحياة العامة وليس للاستثمار المنتج.
النائب عن تكتل الجزائر الخضراء ناصر حمدادوش "السلطة تنام على عسل المحروقات وتسونامي الأسعار سيهز كيانها" يرى النائب عن تكتل الجزائر الخضراء ناصر حمدادوش أن السلطة لا تزال تنام في عسل المحروقات وعائداتها المالية مع اعتماد مفرط على هذا المورد، بينما البلاد اقتربت من مرحلة ما بعد النفط، مشيرا إلى أن استمرار تهاوي أسعار النفط سيضرب السلطة بتسونامي عنيف يهز أركانها، واعتبر أن الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة توفرت واجتمعت له أحسن الظروف للإقلاع باقتصاد بعيد عن التبعية النفطية، لكن ذلك لم يحدث. واتهم حمدادوش في ندوة "الشروق" السلطة ب"السعي للبقاء في الحكم بالاتكال على مداخيل النفط رغم الهزات المتكررة لتراجع الأسعار، مشيرا إلى أن الملاحظ على السلطة هو تعاملها الظرفي والمؤقت باستعمال عائدات النفط لإسكات الجبهة الاجتماعية دون أي نظرة واضحة وإستراتيجية للمستقبل.
الظروف التي توفرت لبوتفليقة لم تكن لأي رئيس من قبل. وبحسب حمدادوش فإنه لم تتوفر الظروف لأي رئيس سابق للجزائر مثلما توفرت للرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة على مدار أكثر من 15 سنة، من أجل الدفع باقتصاد منتج يتحرر من التبعية للمحروقات، وقال في هذا الإطار الرئيس بوتفليقة توفرت له بحبوحة مالية لم تتوفر لسابقيه واستقرار داخلي حيث لم تنزلق الجزائر إلى ما عرفته دول أخرى فضلا عن غطاء خارجي" لكن الاقتصاد بقي يعتمد على عائدات النفط". وبحسب حمدادوش فإن مظاهر الفشل في التنمية خارج المحروقات يتحملها الرئيس بوتفليقة، لأن الوزراء كانوا ينفذون ما يملي عليهم من سياسة وسط فساد وتواطؤ محيط الرئيس، وصرنا البلد الوحيد الذي يصدر المحروقات والأدمغة ولكن أيضا رؤوس الأموال، من خلال القانون الأخير الذي هو هروب للأمام والأصل أننا نستثمر وننتج في الداخل، وليس بتهريب العملة للخارج بإطار قانوني. ويؤكد النائب حمدادوش أن تقلبات الأسعار الأخيرة ضربت السلطة في الصميم، وستؤجل العديد من المشاريع المبرمجة، مشيرا إلى أن وزارة المالية سارعت لتنصيب لجنة لمتابعة تهاوي أسعار النفط وبدأ الحديث عن التقشف والحذر في الإنفاق الحكومي الذي سيرتفع بنسبة 15 بالمائة سنة 2015، وهذا نظير تقديرات خاطئة في قانون المالية التكميلي لسنة 2015، والحذر في التحويلات الاجتماعية والأجور بعد إلغاء المادة 87 مكرر من قانون العمل، وسط عزوف خارجي عن الاستثمار في الجزائر والدليل حسبه 31 مناقصة لم تكن الجدوى فيها سوى لأربع كتل للاستكشاف.
تسونامي سيضرب السلطة وعرج النائب ناصر حمدادوش على الآثار التي سيخلفها تراجع الأسعار على الاستثمارات العمومية للدولة ومعدلات النمو والبطالة، وهل سيستطيع الإنتاج الوطني تغطية الاستهلاك المحلي والمحافظة على حجم الصادرات في الوقت ذاته، معتبرا أن استمرار تراجع أسعار النفط لأربع سنوات قادمة في ظل عدم وجود اقتصاد منتج بديل، سيكون تسونامي يضرب السلطة في الصميم. وعدد نائب حمس عن ولاية جيجل جملة من الأسباب التي دفعت بالجزائر إلى هذه الوضعية وهي أزمة في الشرعية والمشروعية وغياب الديمقراطية الشفافة، وزاد من حدتها غياب دولة القانون والمؤسسات الرقابية المغيبة، ومنح المسؤوليات عن طريق الو لاءات وليس الكفاءات، والتسيير الذي غابت عنه ثقافة الدولة وغلبت عليه ثقافة العشيرة وثقافة الشخص الواحد. وبحسب البرلماني فإن مستوى العجز يقترب من قيمة 50 مليار دولار، ومستوى الواردات يقارب 65 مليار دولار، ومرشحة للارتفاع مع نهاية السنة ب20 بالمائة أما عائدات سوناطراك فتقدر ب60 مليار دولار وهي مرشحة للتراجع مع نهاية السنة كذلك، ما يعني عجزا في ميزان المدفوعات.
عضو لجنة المالية بالمجلس الشعبي الوطني أحمد خليفة "لا توجد إرادة سياسية للتخلص من التبعية للبترول" اعتبر عضو اللجنة المالية بالمجلس الشعبي الوطني أحمد خليفة في ندوة الشروق حول انخفاض أسعار البترول، بأنه "لا توجد إرادة سياسية لدى السلطة للتخلص من التبعية للمحروقات وتحسين الإنتاج والاستثمار خارج هذا القطاع" مشيرا إلى أن الجزائر لم تستخلص العبرة من أزمة الثمانينات. وفتح خليفة النار على قضايا الفساد ونهب المال العام التي عصفت بمجمع سونطراك، معتبرا أن نهب ثروات هذه الشركة هي السبب وراء تراجع الإنتاج، وكذا نفور المستثمرين الأجانب من الدخول في شراكة مع أكبر شركة اقتصادية في الجزائر بسبب فضائح الفساد والرشوة التي ذاع صيتها عبر العالم، كما أعاب ذات المتحدث على قوانين الاستثمار في الجزائر غير المستقرة ما جعل سونطراك تدفع الثمن، مذكرا بقضية انداركو وما دفعته الشركة من أموال طائلة لتلك الشركة خير مثال. وفي سياق آخر، أرجع النائب انخفاض أسعار البترول إلى عدة أسباب رئيسية، منها ما هو سياسي ومنها ما هو اقتصادي ومن أهم هذه الأسباب عملية العرض والطلب، حيث تلعب دورا مهما في انخفاض أو ارتفاع الأسعار، ويرى خليفة بأن هناك أسباب أخرى فالولاياتالمتحدةالأمريكية ومن وراءها المجتمع الدولي تريد معاقبة روسيا التي حشرت أنفها في الأزمة الأوكرانية وذلك بمساعدة السعودية أكبر منتج للنفط. قضايا الفساد في سونطراك هي السبب وراء تراجع الإنتاج ونفور المستثمرين وبحسب خليفة فهناك الكثير من الأسباب التي ساعدت في طول بقاء سعر البترول منخفضا عكس المرات السابقة التي كان فيها سعر البترول ينخفض ويعود إلى مستواه الطبيعي، كطول الأزمة في منطقة الأورو، زد على ذلك فإنه إلى غاية الآن مجموعة الأوبك لم تتدخل ماعدا الجولات المكوكية التي يقوم بها الوزير الفنزويلي من أجل دفع الدول المصدرة للنفط لخفض الكمية المنتجة حتى ترتفع الأسعار وتعود إلى سعرها الطبيعي أو على الأقل أكثر من 100 دولار للبرميل كسعر عادل. وواصل النائب تشخيصه للوضع فقال "الدولة الجزائرية تفتقد إلى مخطط واضح وجلي إذ لا نعرف إلى أين نحن ذاهبون، وأي سياسة اقتصادية نتبعها، فكل مرة نشرع قوانين وسرعان ما نلغيها بجرة قلم"، يضيف النائب. وشدد عضو اللجنة المالية بالبرلمان، على ضرورة خلق وصاية مكلفة بالتصدير تكون مستقلة، مهمتها التسهيل ووضع الأطر المناسبة الكفيلة بجعلنا نتخلص من التبعية للبترول.