نشرت : المصدر جريدة الشروق الأحد 17 يوليو 2016 10:27 فشلت المحاولة الانقلابية التي استهدفت الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ليلة الجمعة إلى السبت، لأن هذه المحاولة، التي لم تدم سوى بضع ساعات، حملت بذور فنائها في طياتها منذ البداية. أولى أسباب هذا الفشل كان عدم تمكن الانقلابيين من الوصول إلى مكان تواجد الرئيس التركي والقبض عليه وتحييده، كما حصل مع حالة الرئيس المصري محمد مرسي، وهو ما جعل أردوغان يحافظ على مسكه بزمام المبادرة. ويعتبر هذا المعطى من أهم الأسباب التي كانت وراء دحر هذا الانقلاب، لأن أردوغان استغل وضعه هذا ليمارس صلاحياته كرئيس في ظرف جد حساس، عندما قال أنا القائد الأعلى للقوات المسلحة، وأن ما يحدث مخالف للقانون، الأمر الذي دفع قطاعات من الجيش التركي، التي لم تكن على علاقة بما يجري، كي تخرج عن صمتها وتعلن رفضها للانقلاب، وقد كشف هذا أن من احتلوا بعض مؤسسات الدولة ليس سوى فصيل في المؤسسة العسكرية. فشل الانقلابيين في القبض على أردوغان، مكنه أيضا من المناورة، ومن بينها توجيه كلمة حماسية للشعب التركي، دعاه لحماية الديمقراطية، والحفاظ على مؤسسات الدولة، وذلك عبر النزول إلى الشوارع واحتلال الساحات العمومية، وهو ما حصل، حيث لم تمر سوى اقل من ساعة حتى أصبحت الدبابات والمدرعات محاصرة من قبول حشود من المستجيبين لدعوة اردوغان، رغم تحذيرهم من قبل الجنود بإطلاق النار عليهم. وقد وقف العالم على الدور الذي لعبه الشعب التركي في الدفاع عن الديمقراطية وعن مؤسسات بلاده المنتخبة، فقد أعاق تحرك الدبابات والمدرعات في الشوارع، بل حاصرها وهاجم الجنود الذين كانوا على متنها، قبل أن ينتقلوا إلى تحرير مؤسسات الدولة من قبضة المتمردين، مثل التلفزيون العمومي، وإخلاء "مطار أتاتورك" باسطمبول من الانقلابيين، بل وحتى المساهمة بقوة مع رجال الأمن في اعتقال الانقلابيين والقضاء عليهم. وكان لافتا في المشهد، الوعي الذي أبان عنه الشعب التركي، فهو لم يستغل حالة الفوضى التي رافقت الساعات الأولى للانقلاب، كي ينهبوا ما يجدون في طريقهم، كما حصل في حالات مشابهة عديدة. الأمر الآخر هو أن الانقلابيين لم يكونوا منذ البداية ماسكين بزمام الأمور، فبدا على أفعالهم الكثير من الميوعة، فلم يظهر أي من الوجوه البارزة في الجيش على الملأ ليعلن إزاحة السلطات المنتخبة وتولي الأمر، واكتفوا ببيان مجهول المصدر يعلن السيطرة على البلاد، فغلبت الفوضى على النظام، وسجل اضطراب في السيطرة على مختلف مؤسسات الدولة، التي اقتحمها الانقلابيون. وإن تمكن بعض الجنود الموالين للانقلاب من السيطرة على التلفزيون الرسمي "تي آر تي"، وبث إعلان الإطاحة بأردوغان، إلا أن هذه القناة لم تلبث أن بثت بينانا معارضا للانقلاب، كما أن الانقلابيين فشلوا في إحكام سيطرتهم على بقية القنوات الفضائية الخاصة، التي يقدر عددها بنحو 500 قناة، بل إن تدخلهم جاء بعد فوات الأوان، كما حصل مع قناة "سي آن آن تورك"، و"آن تي في"، اللتان بثتا نداء أردوغان إلى الشعب التركي، عبر خدمة "فايس تايم" المتطورة. بوادر فشل الإطاحة بأردوغان بدت أيضا من خلال فشل الانقلابيين في جعل بقية مؤسسات الدولة، من جيش وشرطة ومخابرات تسير في اتجاه واحد، فباستثناء المستشار القانوني لقائد الأركان، وقائدي القوات البرية والبحرية، وقادة بعض الألوية الصغيرة، حافظت هيئة الأركان وجهازي المخابرات والشرطة على ولائها لمؤسسات الدولة الشرعية، وهو ما جعل الانقلابيين في مواجهة الشعب والشرطة في الشوارع، وقطاعات واسعة من الجيش في الثكنات وبعض المؤسسات الحساسة. أما من الناحية السياسية، فقد كان لوقوف أحزاب المعارضة الممثلة في البرلمان، حزب الشعب الجمهوري (أتباع مصفى كمال أتاتورك)، والحركة القومية، وحزب الشعوب الديمقراطي (كردي)، ضد الانقلاب، القشة التي قصمت ظهر البعير، لأن الانقلابيين خسروا أي غطاء سياسي لمحاولتهم.