نشرت : المصدر جريدة الشروق" الجزائرية الأربعاء 01 نوفمبر 2017 12:14 قصصهم ملهمة للأجيال، فيها كثير من الشجاعة والبطولة، أحلامهم أكبر من أعمارهم... فأن تحلم بتحرير وطن وعمرك لا يتعدَّى 10 سنوات، فتحمل قنبلة بين أكوام الجرائد، وتنقل مناشير سرّية للمجاهدين، وتدخل السٌّجون، والأكثر أنك تعيل أسرة فقيرة... انّهم أطفال الثورة أو المعجزة التي ساهمتْ في تحرير الجزائر... "الشٌّروق" وبمناسبة الذكرى 63 لانطلاق الثورة المجيدة، تنقل لكم قصص الطفولة البطولية لبعض مجاهدي الثورة. قصدنا المتحف الوطني للمجاهد، لأخذ فكرة عن مشاركة الأطفال في الثورة التحريرية، فتجوّلنا بالقسم المخصص لصور الأطفال...الصور كانت قاسية ومعبرة، فأن ترى طفلا لا يتجاوز 12 سنة من عمره حافي القدمين، ومكبل اليدين، يحاصِره 3 من الجنود المدججين بالأسلحة، فتتأكد وقتها أن أطفال الثورة كان الواحد منهم بعشرة رجال... أثناءها مرّ أمامنا فوج من تلاميذ المدارس جاءوا للتعرف على أسرار الثورة... كانوا فوضويين جدا، ضحكاتهم حوّلت المكان إلى شبه سوق... لم يعيروا رمزية المكان أي اعتبار... ساعتها أحسسنا بالهوّة العميقة التي تفصل بين جيلين لأطفال الجزائر، جيل عاش محروما ومستعمَرا ففجّر أكبر ثورة في تاريخ البشرية، وجيل تنعّم بالحرية وبمترفات الحياة..
عمّي العرباجي: كنت أنقل المناشير والقنابل في صندوق السمك وأنا طفل المجاهد محمود العرباجي ابن 83 سنة، قضى 6 سنوات متنقلا بين السجون، بين سجون سركاجي والحراش ولومبيز من 1957 إلى 1962، وهو اليوم مكلف بشؤون مكتب المنظمة الوطنية للمجاهدين لولاية الجزائر.. حياته في الصغر بطولة ووطنية نادرة... ترعرع في حي القصبة العتيق وسط عائلة فقيرة، والده مسعود بن عمر كان مؤذِّنا بمسجد سيدي عبد الله. انخرط وهو صبيّ في صفوف الكشافة الإسلامية، فتعلم الانضباط والوطنيّة، فيما توقف مساره الدراسي في الطور الابتدائي، بسبب عنصرية المعمِّرين الفرنسيين، ثم طرد من مدرسته بشارع طولون بعمر 10 سنوت، ليجد نفسه معيلا لأسرة فقيرة. وعن هذا يقول "في عمر 12 سنة تكفلت بمصاريف عائلتي، بعد كِبر الوالد ومرضه، فتوجهت لبيع السمك بسوق جامع ليهود، وهناك تم تجنيدي من طرف المجاهدين، وكلفت بمهمة نقل مناشير سرية باللغة الفرنسية بطلب من سعيد براباس وسيدي علي عبد الحميد، وهما من قدماء المناضلين في الحركة الوطنية خفية عن أسرتي، كما توليت مهمة حراسة مسجد بسانت أوجان، أثناء القاء الشيخ عبد اللطيف سحنون لخطب حول القضايا الوطنية والتي كان لها شعبية كبيرة". ولصغر سنه، لم يكن عمي العرباجي يفهم محتوى المناشير التي يوصلها، واستمرّ في مهمته النبيلة، الى أن بلغ 21 من العمر والتحق بمجموعة فدائية، مهمتها الأساسية، تطهير القصبة من الآفات الاجتماعية الدخيلة على مجتمع محافظ، على غرار شرب الخمر وتعاطي الحشيش بين فئة من الجزائريين. وفي عمر أقل من العشرين، تولّى محدثنا مهمة نقل القنابل التقليدية المخبأة بين كومة الجرائد وتحت أعين العسكر الفرنسيين، الى أن ألقي عليه القبض بعد محاصرة مدينة العاصمة في اضراب 8 أيام عام 1957، وتحت أنظار والده الذي خاطبه "خليتني قفة بلا يدِّينْ..". ورغم التعذيب الشديد، لم يعترف المجاهد الصغير، بل كان يردد "أنا مجرد عامل يومي وفقير بالميناء". أما ابن عمه مولود فذاق ويلات الحبس وهو صبي في 13 من عمره، والصورة التي التقطها له العسكر الفرنسي بعد القبض عليه شاهدة على ذلك، أين واجه تهمة الانخراط في توزيع المناشير السرية بين المجاهدين.
سيدي بلعباس مازالت قبلة للباحثين عن بطولات ثوار حرب التحرير "فتيحة طيب ابراهيم".. أصغر مجاهدة قاومت الاستعمار بالجهة الغربية المجاهدة فتيحة تتوسط المجاهدات بسجن وهران لا يزال مسكن المجاهدة فتيحة طيب ابراهيم، الكائن بحي الساقية الحمراء بسيدي بلعباس، قبلة للباحثين عن تاريخ أبطال ثورة التحرير المجيدة، الذين شاركتهم مقاومة الاستعمار الفرنسي بمختلف مناطق الغرب الجزائري، وهي لا تزال في سن الطفولة. فتيحة التي انقطعت عن الدراسة في سن 14 سنة، وتفرغت للعمل كمساعدة طبيب فرنسي يدعى بانسيمون، أين تعلمت مختلف طرق العلاج، التي وظفتها في تضميد جروح المجاهدين ومعالجة إصاباتهم، بالعديد من المزارع الواقعة بضواحي المدينة، إلى أن جاء قرار التحاقها بصفوف جيش التحرير، وتكون بذلك أصغر مجاهدة بغرب البلاد، حيث تولت مهام التطبيب قبل تكليفها بتحرير الوثائق الخاصة بتنظيم الثورة، وبعد قضائها لأزيد من سنة في الجبال، شاركت في أول معركة ضد قوات المستعمر بدوار الجواهر بضواحي بلدية تسالة، أين استشهد ثلاثة من رفقائها، بينما تمكنت هي من الفرار إلى ضواحي بلدية سيدي لحسن، تقول فتيحة التي سبقتها أختها شريفة في الجهاد "هناك بحثت عن مكان وقمت بدفن الوثائق الهامة التي كانت بحوزتي، وقضيت الليلة مختبئة وسط أغصان شجرة زيتون"، وتضيف المتحدثة " في اليوم الموالي، تمكنت من الفرار إلى عاصمة الولاية، التي قضيت بها قرابة 45 يوما، تنقلت خلالها من بيت إلى آخر حتى لا ينكشف أمري، قبل أن أغادر المنطقة برفقة الجماعة التي كان يقودها سي زين الدين، الذي كنت برفقته والمجاهد سي فضيل، عندما طوقتنا قوات الاحتلال بمخبئنا. وبعد اشتباكات معهم استشهد رفيقاي، بينما أصبت أنا برصاصتين على مستوى الكتف والرجل" - تقول فتيحة -، التي تعرضت بعد توقيفها لأبشع أساليب التعذيب، و هي تنقل من سجن سيدي بلعباس إلى سجن المالح مرورا بعين تموشنت ووصولا إلى سجن المدينة الجديدة بمدينة وهران، التي قضت فيه قرابة السنة، شاركت خلالها باقي المجاهدات السجينات العديد من عمليات الاحتجاج وشنت برفقتهن إضرابا عن الطعام، كما نجت من عديد محاولات القتل، بعد أن تم وضع السم لهن بالأكل، وفي مرة أخرى حاولوا قتلهن بتسريب الغاز، وبتاريخ الخامس من شهر مارس سنة 1962، قامت قوات العدو بزرع القنابل بكامل محيط سجن وهران، تقول فتيحة البالغة من العمر اليوم 73 سنة، لغرض قتل جميع المساجين، إلا أن ثلاث قنابل فقط انفجرت وتسببت في استشهاد 13 مجاهدة كانت أسيرة، ولم نعلم بعدها بقرار وقف إطلاق النار، إلى أن تم الإفراج عني بتاريخ 30 أفريل تضيف المجاهدة فتيحة التي روت لنا جزءا من بطولاتها برفقة جيش التحرير، في سبيل أن تحيا الجزائر حرة مستقلة.
مدير متحف المجاهد مصطفى بيطام: لبست بذلة المجاهدين وتدربت في الجبل وأنا طفل أما مدير المتحف الوطني للمجاهد، مصطفى بيطام، ومن شدة تعلقه وهو طفل بأفراد جيش التحرير، ورفض التحاقه بهم لصغر سنه، ومن شدّة إصراره، ظفَر ببدلة ثورية مفصلة على مقاسه، وسمح له بالمشاركة في تدريبات الثوار بالجبل وهو يحمل سلاحا، فكانت فرحته عظيمة جدا، اكتملت بعد التحاقه بالثورة عام 1958... الواقعة يتذكرها المجاهد بيطام بابتسامة عريضة، كيف لا والأطفال ساهموا حسبه - مساهمة فعّالة في تحرير الجزائر، فكانوا ينقلون البريد السري والقنابل، ويحملون الماء والمؤونة للثوار في الجبال والمغارات، والأكثر من ذلك يكتمون أسرارا خطيرة، "عاشوا محرومين من كل شيء... من التعليم والعلاج واللعب، ومع ذلك كانوا رجالا حقيقيين " يقول. عمِّي مقران بوسبحة: أرعبنا الفرنسيين وعذبونا ونحن أطفال أما صديق الشهيد البطل "علي لابوانت"، المجاهد مقران بوسبحة، فرغم سنه الثمانين لا يزال يتذكر كل صغيرة وكبيرة عن طفولته... فواقعة طرده من المدرسة في سن العاشرة تلازمه إلى اليوم، وعن هذه الفترة بين 1946 و1949 يروي "كنا أربعة جزائريين فقط في قسم مليء بالفرنسيين، كنت متفوقا وذكيا جدا، وهو ما أزعج الأستاذة الفرنسيّة فطردتني"، ولأن حلمه في الدراسة تبخّر، اضطرّ لمزاولة مهنة لإعالة والديه وأشقائه الصغار الساكنين ب"شاطوناف" بالعاصمة، فاشتغل ملمع أحذية صباحا وبائع جرائد بعد الزوال، وحافظا للقرآن بعد العصر إلى غاية العشاء عند الشيخين لكحل والحمّامي في بلكور، فحفِظ 30 حزبا. ووسط كل هذه الانشغالات، استقطع الطفل الصغير وقتا للقيام بمهمته السرية رفقة أصدقائه، فكان يضع منشورات تحمل عبارات "الجزائر ليست فرنسية" داخل علب البريد بمنازل المعمِّرين الفرنسييّن، والمنشورات كان يتسلمها من الشهيد عمي العزازي الذي استشهد في الجبل وشقيقه أرزقي... وفي احدى المرات ضبطه العساكر الفرنسيون متلبسا بمهمته، "حكْموني في سيدي أمحمد اداوني الكوميسَاريا تاع رويسو، وضربوني، وما قٌلتش شْكون مدهٌوملي، ودارو بْرٌوسي لْبابا" حسب تعبيره. وعندما انطلقت الثورة، شارك عمي مقران في الكفاح المسلح.
وزير المجاهدين الأسبق سعيد عبادو: كنا نصلي الفجر.. نحفظ القرآن ونجاهد وفي عمر 14 سنة، تشبّع الوزير الأسبق للمجاهدين، سعيد عبادو بالروح الوطنية، مفتخرا كون يوم أطفال الثورة كان حافلا ونشيطا.. وعن هذا يحدثنا "أنا من مواليد جانفي 1935 ببن عزوز في ولاية بسكرة، في عمر 14 سنة وقبل اندلاع الثورة بسنوات، كنت مشبعا بالروح الوطنية، كما كان يومنا حافلا بالنشاط... يومنا ينطلق بعد صلاة الفجر، حيث نقصد المسجد للتعلم وحفظ القرآن، وحوالي الثامنة صباحا نتوجه نحو المدرسة التابعة لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وبعدها نقصد المدرسة الابتدائية الفرنسية، وفي آخر المساء ننشغل في أعمال الفلاحة والرّعي وجلب الماء والحطب لإعالة أٌسرنا الفقيرة"، خاصة وأن أٌسرة عبادو كانت تقطن بمنطقة ريفية بدائرة مجانة ولاية برج بوعريريج. وعن الروح الوطنية التي اكتسبها في صغره، فمصدرها - حسب تعبيره - معلمو المدارس الذين لقنوهم الأناشيد الوطنية، واحتكاكه بأفراد من عائلته مغتربين كانوا يجلبون معهم المجلات ويتحدثون عن الاستعمار. وبعد انطلاق الثورة في 1954، وصل صداها إلى منطقته أواخر 1955، وأثناءها انخرط عبادو الطِّفل رفقة أفراد عائلته في خلايا، تجمع الأموال والدواء واللباس والمؤونة للثوار، ومع انتصارات جيش التحرير حمل السلاح وشارك في عمليات ثورية، لينتهي به المطاف مسجونا في عمر 19 سنة.
خيّرت والدها بين الموافقة أو الإفشاء بأسرار الجيش فاطمة عياش أصرت على اللحاق بالثورة في الأوراس وعمرها 16 سنة أعطت المجاهدة فاطمة عياش صورا بارزة في الشجاعة والتضحية خلال الثورة التحريرية، وهذا بعد أن التحقت بجيش التحرير الوطني بجبال الأوراس وعمرها لا يتعدى 16 سنة، ورغم الرفض القاطع لوالدها، إلا أنها أصرت على تحقيق أمنيتها، واختارت منطقة بريش بعين التوتة التابعة للولاية الأولى التاريخية، وهذا بعد أن تم رفضها في منطقة الصحراء بحجة غياب العنصر النسوي في صفوف جيش التحرير الوطني. أكدت المجاهدة فاطمة عياش ل"الشروق"، بأن طموحها في اللحاق بالثورة التحريرية لم يكن سهل المنال، وهذا بسبب الرفض الجماعي لأفراد عائلتها، وفي مقدمة ذلك والدها، وهذا بحجة صغر سنها في تلك الفترة، حيث أنها تعد من مواليد 1941، إلا أن إصرارها على تحقيق أمنيتها جعلها تهدد والدها وبعض قيادات الثورة بالإفشاء بأسرار جيش التحرير الوطني، في حال عدم الموافقة، موازاة مع تجربتها الأولية بنواحي المنطقة السادسة (منطقة الصحراء)، حين تم رفضها بحجة صعوبة التضاريس وغياب العنصر النسوي في صفوف الجيش، قبل أن تغير الوجهة نحو جبال بريش بعين التوتة، قاطعة أكثر من 40 كلم عن مقر إقامتها بمدينة القنطرة (بسكرة)، بمساعدة سعيد عوفي. وأوضحت فاطمة عياش ل"الشروق"، بأنها تنتمي إلى عائلة ثورية متشبعة بمبادئ جمعية العلماء المسلمين، فوالدها محمود عياش وعمها الشهيد ميهوب عياش درسا عند الشيخ البشير الإبراهيمي، مضيفة بأن والدها لم يكن على دراية في الأول برغبتها في الالتحاق بالثورة، لكن قامت حسب قولها بذلك خفية، وبصعوبة كبيرة تم قبولها، مشيرة بأن العقيد الحاج لخضر رفض الفكرة من أساسها، بالنظر إلى صغر سنها، بدليل أنها صعدت إلى الجبل وعمرها لا يتجاوز 16 سنة، كان ذلك يوم 25 مارس 1957، الموافق ليوم 25 رمضان.
الحاج لخضر رفض الفكرة والمكي حيحي وافق على بقائي وقالت المجاهدة فاطمة عياش في سياق حديثها ل"الشروق" بأن العقيد الحاج لخضر رفض فكرة تواجدها في الجبل، وهذا في ظل الظروف الصعبة بنواحي بريش وغيرها، بناء على المناطق الوعرة وحالة الحصار الممارسة من طرف الاستعمار الفرنسي، وأبدى إصراره على إعادتي لمنزل عائلتي، لكن الشهيد المكي حيحي أقنعه بالإبقاء على خدماتها حتى تكون إلى جانب زميلاتها، بغية القيام بعملية التمريض، مضيفا بأنها مارست هذه المهنة رفقة عديد المجاهدات، على غرار رقية وراضية وزكية وتسعديت وغيرهن، حيث كن يتنقلن بين جبال بريش وبرهوم والمرجة وغيرها من المناطق المحاذية لعين التوتة بباتنة، لكن لما اشتد الحصار على المنطقة، في ظل حرق القرى والمداشر واكتشاف بعض مراكز جيش التحرير، فقد جاء أمر من قيادة الثورة يدعو إلى التحول نحو تونس في حدود عام 1958، مرورا بجبال شيليا ومنطقة الأوراس النمامشة، حيث كانت الفرصة مواتية للتكوين في مجال التمريض بتونس، وواصلت المسيرة نحو مصر رفقة 25 جندية، وهذا بطلب من الرئيس المصري جمال عبد الناصر، وبعد الاستقلال، واصلت التعليم، وحصلت على شهادة ليسانس في البيولوجيا، لتشتغل أستاذة العلوم الطبيعية في ثانوية الأمير عبد القادر بالعاصمة إلى غاية إحالتها على التقاعد.
رئيس جمعية العلماء المسلمين الدكتور عبد الرزاق قسوم: كنت أدرس الأطفال وأحثهم على الجهاد وعمري لا يتجاوز 19 سنة ولم تقتصر مشاركة الأطفال في الثورة، على توصيل المناشير وحمل السلاح، فمنهم المتعلمون الذين شاركوا بالقلم، ومنهم رئيس جمعية العلماء المسلمين، الدكتور عبد الرزاق قسوم... ففي عمر 19 سنة، كان قسّوم يحضر للعاصمة قادما من قسنطينة يوم عطلته متطوعا، لاستنهاض همم التلاميذ بمدرسة الشيخ ابن باديس، وأكثر ما كان يحفظه لهم، قصيدة الفلسطيني ابراهيم طوقان "كفْكِفْ دٌموعك ليس ينفعك البكاءُ ولا العويلٌ.. وانهضْ ولا تشكُ الزمان فما شكا إلا الكسولٌ... واسلك بهِمّتك السبيلَ ولا تقل كيف السبيلُ؟... ما ضل ذو أمل سعى يوما وحكمته الدليل.. كلاّ ولا خاب امرؤ يوما ومقصده نبيل". وعن هذا يروي "اندلعت الثورة وأنا في عمر 19 سنة، كنت طالبا بمعهد عبد الحميد بن باديس... أحاديثنا كانت تدور حول التحرر من المستعمر، لدرجة تبادلنا التهاني يوم اندلاع الثورة، ورغم صغر سننا، كنا نحاسب أنفسنا ونلومها... ماذا قدمنا للثورة؟ كان بإمكاننا تقديم الأفضل؟ّ". ولتبيان درجة الحس الوطني الممزوج بالوعي الديني الذي كان سائدا في تلك الفترة، يتذكر الدكتور قسوم، يوم اجتماع مسؤولي الثورة لتكوين خلية بالولاية الأولى الأوراس، فيقول "اجتمعوا في المسجد، وأقسموا على المصحف أن لا يخون أي واحد منهم الثورة"، هذا الوعي انعكس على شخصية الأطفال في تلك الفترة. وأبى محدثنا إلاّ أن يخصنا بشهادة حول واقعة أثرت فيه كثيرا... ففي 1948 كان الشاب المنحدر من ولاية الوادي والمسمى أبو حفص الصائم يدرس بجامع الزيتونة، وعندما أصيب بمرض السل وأحّس باقتراب نهايته، أخبر أصحابه بشعوره باقتراب استقلال الجزائر، ولأنه لن يشارك في هذا الحلم "فوصيتي أن تؤذنوا فوق قبري يوم الإستقلال" وهو ما حصل. ونصيحتَه لشباب اليوم "اقتدوا بشباب الثورة، فرغم كونهم أقلّ ثقافة وأقلّ غِنى وسعادة، كانوا أكثر وطنية وتديٌّنا والتزاما بالوطن".