نشرت : محمد بلقاسم الخميس 04 يناير 2018 16:25 كثيرا ما يدخل متتبعي كرة القدم في نقاش حول أفضل الأندية في تاريخ كرة القدم، وموازاة مع الحديث عن أكبر الأندية وأكثرها تتويجا، فإن النقاش لا يخلوا من تصنيفات لأفضل الفريق التي مارست كرة القم في تاريخ اللعبة، بغض النظر عن كونها تنتمي للنادي الأكثر تتويجا أما لا، ويرى العديد من متتبعي الكرة الحديث أن برشلونة غوارديولا بين سنتي 2008 و2012 هو أفضل فريق طبق كرة القدم، فيما يعتقد آخرون أن ميلان أريغو ساكي بين سنتي 1987 و1991 هو الأحسن، أما القدامى فيجزمون أن أجاكس السبعينات وتحديدا بين سنتي 1970 و1973 مع المدربين رينوس ميتشيلز هو الأروع، وفي هذا المقال سنحاول المقارنة بين هذه الفرق الثلاثة لمعرفة الأفضل بالرجوع إلى معايير موضوعية، وسنعرج أيضا على فرق أخرى صنعت الحدث في تاريخ اللعبة. إبداع ميتشيلز خلق الكرة الشاملة وصنع أجاكس التاريخي لم يكن رينوس ميتشيلز أسطورة التدريب الهولندي أول من أبدع في الكرة، لكنه وبشهادة الجميع قدم لخلفه ستيفان كوفاكس فريقا عالميا قادرا على قهر الجميع، فمنذ سنة 1965 بدأ رينوس في تطبيق أفكاره مخترعا ما يعرف بالكرة الشاملة التي تعتمد على العمل الجماعي، بالضغط على حامل الكرة وخاصة التمركز الصحيح وتبادل المراكز بسرعة وبين جميع اللاعبين عدا حارس المرمى، وهو ما يصعب مهمة المراقبة على المنافس، وكانت نقطة تبادل المراكز بجانب التغطية أهم شيء في تكتيك الكرة الشاملة، غير أن نجاحها يعتمد على لاعبين عباقرة ومتمكنين فنيا لأنها ترتكز على لعب الكرات القصيرة بين اللاعبين الذي يشكلون مثلثات صغيرة في أرضية الميدان، وبهذا الفكر الجماعي نجح العبقري ميتشلز في منح أوروبا أجاكس تاريخي توج بدوري الأبطال معه سنة 1971، أي عامين بعد خسارته للنهائي أمام ميلان.
كوفاكس طور الكرة الشاملة وأكد تفوقها على "الكاتيناتشيو" بعد التتويج التاريخي لرينوس ميتشيلز سنة 1971 أمام باناثينايكوس بنتيجة 2-0، انتقل إلى برشلونة أين بدأت معالم الكرة الشاملة تظهر في النادي الكتالوني، ليترك مكانه في الفريق الهولندي لعبقري التكتيك الروماني ستيفان كوفاكس، فالأخير كان يملك فكرا مشابها طبقه مع ناديه السابق ستيوا بوخاريست، قبل أن ينجح في عمله بشكل جد احترافي رفقة عملاق بلاد الطواحين، وبالإعتماد على لاعبين عباقرة كالأسطورة كرويف، نجمي الوسط نيسكانس وهان والظهير الأيسر كرول، سيطر كوفاكس على أوروبا بالطول والعرض وتوج بدوري الأبطال سنتي 1972 و1973 وأمام عملاقين من عمالقة القارة إنتير ميلان وجوفنتوس الإيطاليان، حينها كان الكاتيناتشيو في ذروته بعد ابتكاره من طرف المدرب الأرجنتيني هيلينيو هيريرا مع النيراتزوري سنوات الستينات، ليتأكد وقتها أن اللعب الهجومي والجميل يجب أن يعود إلى الواجهة بعد ريال الخمسينات ويونايتد الستينات.
ساكي ألغى النجوم، وقدم ميلان رهيب بكلاسيكية 4-4-2 بعد أجاكس شهدت أوروبا حضورا قويا لبايرن ميونيخ بقيادة المدربين لاتيك وكرامر وأيضا لليفربول بقيادة بوب بيزلي وجو فاغان، لكن ميلان أريغو ساكي أحدث طفرة في عالم المستديرة، فالعبقري الإيطالي ألغى فكرة النجوم بعد سيطرة مارادونا في نابولي، بلاتيني في جوفنتوس وغيرهما، وصنع لاعبين يلعبون للفريق ويبدعون في حدود تعليماته، فأعاد خطة 4-4-2 للواجهة بعد سنوات الستينات وتطبيقها الرائع مع مانشستر يونايتد بقيادة مات بوسبي، ولكن بأفكار مختلفة تماما، وعكس يونايتد بوسبي الهجومي، فإن خط الدفاع المكون من باريزي، كوستاكورتا، مالديني وتاسوتي هو أهم خط في الفريق، حيث يطبق التسلل باحترافية، يتقدم إلى دائرة الوسط وتكون المسافة بينه وبين آخر مهاجم في حدود 30 مترا على الأكثر.
أبدع بكرة الأشباح، حير مدريد وفان باستن هو جزء من الكعكة فقط وبجانب خط الدفاع التاريخي والذي يصنف كأفضل خط خلفي في تاريخ كرة القدم، فإن الأظهرة مع ساكي تخلق التوازن وتلعب دور الأجنحة، أما وسطي الميدان أنشيلوتي وريكارد فيملكان نفس المهام، فلا وجود لوسط دفاعي وآخر هجومي، حيث يقومان بالتغطية وبناء اللعب مع تبادل المراكز رفقة الجناحان اللذان كان ينشطان بشكل وهمي في مركزيهما، كل هذا والفريق يملك عملاقا في الهجوم اسمه فان باستن، فالأخير هو جزء من الكعكة وليس النجم الأول، تماما مثل غوليت الذي كان يلعب على طريقة زاغالو في منتخب البرازيل سنة 1958، والمثير أن ساكي خلق حسا تكتيكيا رهيبا للاعبيه بطريقة "كرة الأشباح"، حيث يضع 11 لاعبا ضد 11 في التدريبات ويخبرهم بمكان كرة وهمية ويبقى لمشاهدة تحركات اللاعبين، ووفي إحدى المرات أرسل ريال مدريد جاسوسا لمشاهدة تدريبات الروسونيري، فعاد وأخبرهم أنها شاهدها فعلا، ولكن، ليس كما يعتقدون، لقد قال: "شاهدت مباراة دون كرة، لقد شاهدت كرة أشباح"، وفي اللقاء بين ميلان والريال فاز الروسونيري بخماسية نظيفة.
بيب طور الشمولية، صنع التيكي تاكا ومنحنا بارصا لا يقهر بعد حقبة رينوس ميتشيلز في برشلونة سنوات السبعينات جاء يوهان كرويف ليصنع "الدريم تيم" سنوات التسعينات وجعل الكرة الشاملة التي كان جزءً منها في أجاكس السبعينات أسرع من السابق، حيث اعتمد بالأساس على خطة 4-3-3 أو 4-2-3-1 وركز على لاعبين جد رائعين من الناحية التقنية وخاصة في الوسط مع الثنائي باكيرو وغوارديولا وأمامها صانع اللعب لاودروب، بالإضافة إلى الجناحين ستويشكوف وأوزيبيو، وعلى نفس الأفكار بدأ جوزيب غوارديولا عمله في برشلونة سنة 2008 مستغلا القاعدة الجيدة التي تركها الهولنديان فان غال وريكارد قبله، حيث طور الكرة الشاملة وجعلها أسرع من السابق، ما أنتج لنا مفهوم "التيكي تاكا"، حيث أن الإستحواذ وتمريرة الكرة بسرعة كان أبرز سمات بارصا "بيب" بجانب التمركز الصحيح وتبادل المراكز بين اللاعبين.
المهاجم الوهمي، وسط عملاق وميسي...صنعوا ملوك الإستحواذ في بداياته أثار غوارديولا جدلا واسعا جدلا بالإستغناء على نجوم كبار أبرزهم رونالدينيو، ديكو وإيتو ليمنح ثقته الكاملة في شاب من لاماسيا إسمه سيرجيو بوسكيتس، ويخلق منه رفقة إنييستا وتشافي وسطا عالميا كان أساس خطته المطورة لنظام الكرة الشاملة، ليس هذا فقط ف "بيب" أكد عبقريته حينما ألغى منصب رأس الحربة رغم امتلاكه ل دافيد فيا ثم زلاتان إبراهيموفيتش، حيث لعب بما يعرف بالمهاجم الوهمي، كما أبدع بالظهير الوهمي الذي يساند الوسط ويساهم في التمريرات الحاسمة مثلما كان يفعل ألفيس، مع ضمان تغطية محترفة لمنصبه من وسط الميدان وهو تطبيق حرفي لأفكار ميتشيلز، وبسبب امتلاكه لنوعية لاعبين من أعلى مستوى فإن بارصا بيب كانوا ملوك الإستحواذ على الكرة دون منازع ونجحوا بسبب هذه الأفكار في التتويج بدوري الأبطال سنتي 2009 و2011 أمام العملاق يونايتد، ثم سنة 2015 رفقة المدرب انريكي أمام جوفنتوس.
أجاكس الأفضل في دوري الأبطال والبارصا يتفوق في الألقاب الأكيد أن أي نجاح في مجال كرة القدم وأي مجال آخر يقاس بالإنجازات، وحتما ما كانت الفرق الثلاثة المذكورة وغيرها لتصنف الأفضل لولا إنجازاتها بجانب طريقة اللعب المبتكرة، وللعدل بين كل الأطراف اخترنا عد إنجازات أجاكس بين سنتي 1970 و1973، وإنجازات ميلان بين 1988 و1991، وإنجازت البارصا بين سنتي 2009 و2012، ويتفوق الأخير من ناحية الألقاب برصيد 14 لقبا ممثلة في 3 دوري إسبانيا، 2 كأس إسبانيا، 3 سوبر إسباني، 2 دوري أبطال، 2 كأس العالم للأندية و2 سوبر أوروبي، فيما يأتي أجاكس ميتشيلز وكوفاكس ثانيا برصيد 11 لقبا هي 3 دوري هولندي، 3 كأس هولندا، 3 دوري أبطال، 1 سوبر أوروبي و1 إنتيركونتينونتال، أما ميلان ساكي فتوح ب 8 القاب في الفترة المذكورة هي 2 دوري أبطال، 2 سوبر أوروبي، 2 إنتيركونتينونتال، 1 دوري إيطالي و1 سوبر إيطالي.
برشلونة وأجاكس يتفوقان على ميلان في توظيف أبناء النادي يركز المتتبعون على نقطة مهمة جدا في الأندية العالمية وخاصة تلك التي صنعت المجد كما يتعلق الأمر بالأندية محل المقارنة في ملفنا هذا، ويتعلق الأمر بالإعتماد على أبناء النادي في الفريق الأول، ويصنف الكثيرون أجاكس أمستردام كأحد أبرز المدارس العالمية تاريخيا، وفعلا فنسخة هذا الفريق مع ميتشيلز وكوفاكس استعملت 10 لاعبين من أصل 18 متاحين في موسم 70-71، ثم 14 لاعبا من أصل 22 في الموسم الذي يليه، وأيضا 14 لاعبا من أصل 22 في موسم 72-73، وبشكل عام فالنادي الهولندي استخدم في هذه المواسم الثلاثة 38 لاعبا من أبناء النادي من أصل 62 لاعبا متاحا، أي أن أبناء الفريق كانوا يشكلون نسبة 61% تقريبا من تركيبة النادي، أما برشلونة غوارديولا فاستخدم 51 لاعبا من أصل 81 لاعبا متاحا، أي بنسبة 63% تقريبا، حيث وظف 16 لاعبا في موسمي 08-09 و09-10 و19 لاعبا في موسم 10-11.
نجاح ساكي بغير أبناء النادي يؤكد عبقريته التكتيكية في ذات الموضوع، فإن أريغو ساكي استعمل 8 لاعبين فقط من أبناء ميلان في موسم 87-88 وعلى رأسهم الثلاثي الدفاعي التاريخي باريزي، كوستاكورتا ومالديني، فيما رفع العدد إلى 12 لاعبا في الموسم الذي يليه ولو أن أبرز الأسماء التي تخرجت من ميلان لم تكن أساسية عدا الموهبة ألبيرتيني الذي صال وجال في الملاعب الإيطالية، وفي موسم 89-90 استخدم الفيلسوف الإيطالي 10 لاعبين من أبناء الروسونيري من أصل 29 لاعبا متاحا، والاكيد أن تطبيق أفكار تكتيكية صعبة وغير مألوفة مع لاعبين لم ينشطوا معا في الفئات السنية ولم يتشبعوا بثقافة النادي منذ الصغر أمر صعب للغاية، وهو ما يؤكد أن ساكي قام بعمل جبار وقدم للقارة العجوز فريقا تاريخيا غير مفاهيم اللعبة في ذلك الوقت، ونجح في الفوز بدوري الأبطال مرتين متتاليتين.
الإبداع لأجاكس، الجماعية لميلان، التطوير لبرشلونة...وتبقى مسألة أذواق من كل ما سبق نجد أن كل فريقا من هذه الفرق يملك جانبا مميزا فيه، فأجاكس السبعينات قدم للعالم كرة إبداعية جديدة، أما ميلان الثمانينات منح كرة القدم جماعيتها المفقودة مع نجوم الرقم 10 في إيطاليا والعالم، فيما قدم برشلونة السنوات الماضية مفهوما مطورا للكرة الشاملة، والأكيد أن هذه الأندية ليست الوحيدة التي قدمت كرة خيالية، فمانشستر يونايتد الستينات كان ناديا هجوميا بامتياز مع الثلاثي بست، تشارلون ودينيس لو وقدم للعالم نسخة جديدة من تكتيك 4-2-4، أما ليفربول السبعينات والثمانينات فكان مسيطرا بأفكار مميزة ل بوب بيزلي وجو فاغان، تماما مثلما كانت منظومة بايرن في السبعينات رفقة لاتيك وكرامر مميزة بخطيها الدفاع مع بيكنباور والهجومي مع مولر ورومينيغي، أما مدريد نهاية التسعينات وبداية الألفية فكان فريقا ناريا بامتياز بخطة 4-4-2، هذه الفرق وأخرى منحت العالم ساحرة مستديرة بأتم معنى الكلمة، والأفضلية بالنسبة للقراء والمشاهدين تبقى مسألة أذواق. محمد بلقاسم