بدأ حديث الناس يتردّد في هذه الأيام التي تسبق إنطلاق منافسات نهائيات كأس العالم جنوب أفريقيا، تارة عن البرازيل صاحبة الرقم القياسي في عدد الكؤوس وتارة أخرى عن إسبانيا حاملة لقب كأس أوروبا وتارة أخرى عن هولندا، كما كثر أيضا الكلام عن ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو، بل إن كثيرين لم يعد يراودهم أي شك في المنتخبات التي ستتواجه في ربع النهائي ولا في الفريق الذي سيرفع الكأس يوم 11 جويلية، لكن ربما غاب عن بال هؤلاء احتمال حدوث مفاجأة في جنوب إفريقيا كما كان الحال في جميع النهائيات السابقة لكأس العالم، فمن كان يتصوّر مثلا أن منتخب أوروغواي سينتصر في المباراة النهائية ل مونديال عام 1950 على البرازيليين في عقر دارهم وعلى أرض ملعب ماراكانا الشهير وبمؤازرة عشرات آلاف المشجعين المحليين؟! 1950: أمريكا مرّغت شرف الإنجليز في التراب والعالم تحت الصدمة ومن كان يتصوّر في ذلك المونديال نفسه أن يتلقى المنتخب الإنجليزي هزيمة على يد نظيره الأمريكي، لكن ذلك ما حدث بالفعل في مدينة بيلو أوريزونتي حيث سجل اللاعب الأمريكي جوزيف ڤاتڤنز هدف المباراة الوحيد، ولو أن بعض الصحف من شتى أنحاء العالم نشرت عن طريق الخطأ في اليوم التالي أن نتيجة اللقاء كانت (1-10) لصالح الفريق الإنجليزي. لم تصدّق تلك الصحف بسهولة الفوز الأمريكي على الإنجليز واعتقدت في بادئ الأمر أنه خطأ مطبعي في برقيات وكالات الأنباء، فأرادت تصويبه فوقعت هي في الخطأ، وامتنعت صحف أخرى مثل “نيويورك تايمز“ عن نشر نتيجة المباراة اعتقادا منها أنها مزحة. وتعيّن على الإنجليز انتظار 16 سنة بالتمام والكمال قبل أن يتوّجوا عام 1966 ببطولة العالم التي استضافوها على أرضهم. 1966: كوريا الشمالية أقصت إيطاليا ببراعة ولم تخل تلك البطولة التي جرت في إنجلترا بدورها من بعض المفاجآت إذ أن كوريا الشمالية تمكنت خلالها وفي أول مشاركة لها في العرس الكروي العالمي من هزيمة إيطاليا وتخطي دور المجموعات. وواجهت كوريا الشمالية في ربع النهائي البرتغال وتمكنت من قهرها خلال معظم وقت الشوط الأول من المباراة وكانت متقدمة بثلاثة أهداف نظيفة إلى أن صحا المهاجم يوزيبيو وسجل أربعة أهداف لتنتهي المباراة بنتيجة (5–3) لصالح البرتغال. 1982: “الخضر“ عبثوا برفاق رومينيڤي بعدها بسنوات وفي مونديال إسبانيا عام 1982 جاء دور الجزائريين لإحداث المفاجأة حينما هزموا جمهورية ألمانيا الإتحادية حاملة لقب البطولة الأوروبية آنذاك (1980) بنتيجة (2-1) من تسجيل ماجر وبلومي، وتحوّل منتخب “الخضر“ بذلك إلى أول منتخب إفريقي يقهر أحد منتخبات القارة العجوز في نهائيات كأس العالم. وقبل تلك المباراة قال مدرب ألمانيا يوب ديروال: “سألقي بنفسي في مياه المتوسط إذا خسرنا هذه المباراة”. ومن يدري؟ فربما أوفى بعهده! 1986: لاعب سجّل هدفه الوحيد في 36 مباراة وكانت ألمانياالغربية أثناء المونديال التالي في المكسيك طرفا في مفاجأة أخرى عندما هُزمت من قبل الأرجنتين في المباراة النهائية، بعد أن فتح باب التسجيل لمنتخب “التانڤو“ لاعب لم يكن معروفا يدعى خوسي لويس براون سجل في تلك المباراة هدفه الوحيد في 36 مباراة خاضها مع منتخب بلده. 1990: سكيلاتشي هدّاف على مقعد البدلاء وفي مونديال عام 1990 كان الدور على المنتخب الإيطالي صاحب الأرض وتمثلت المفاجأة تحديدا في المهاجم “سالفاتوري سكيلاتشي“ الذي بدأ على مقاعد الاحتياط في مباراتين من المباريات الثلاث لدور المجموعات، إلا أنه اعتلى في نهاية البطولة صدارة الهدافين حيث كان يدخل في كل مرة خلال المرحلة الثانية من المباراة وكان يسجل دائما ونال لقب هداف الدورة بامتياز، فأطلقوا عليه لقب هداف مقعد البدلاء. 1990: روجي ميلا هدّاف وراقص ماهر أمر مشابه حدث مع اللاعب الأسطوري روجيه ميلا الذي شارك في البطولة نفسها وقد شارف على الأربعين من العمر ولم يبدأ كلاعب أساسي في أي من المباريات التي ارتقى على إثرها المنتخب الكاميروني إلى الدور ربع النهائي، ومع ذلك وجد الوقت الكافي لتسجيل أهداف أحدثت المفاجأة وأرفقها برقصاته الساحرة البديعة عند الزاوية الركنية احتفاء بها. 1994: حارس سويدي من طينة الكبار ومن اللاعبين الذين تألق نجمهم في المونديال التالي بالولايات المتحدة عام 1994 حارس مرمى المنتخب السويدي توماس رافيلي، حيث أنهى المنتخب الاسكاندنافي البطولة آنذاك في المركز الثالث،ويعود الفضل الأكبر في ذلك إلى حارس مرماه الذي كان قد صد ركلتي جزاء أمام المنتخب الروماني. 2002: مونديال المفاجآت أمّا إذا تعيّن علينا تصنيف نهائيات كأس العالم من حيث حجم المفاجآت التي حدث فيها فإن مونديال كوريا الجنوبية واليابان عام 2002 يعد فريدا من نوعه في هذا السياق، فعمالقة الأرجنتين لم يتجاوزوا دور المجموعات وفرنسا حاملة اللقب آنذاك لم تخفق فقط في بلوغ دور ثمن النهائي وإنما خرجت من الدور الأول دون أن تسجل أي هدف رغم أن فريقها كان يضم كبار المهاجمين في الدوريات الإنجليزية والإيطالية والفرنسية (هنري وتريزيڤي وسيسي) ناهيك عن الأسطورة زيدان الذي لم يفعل شيئا ليحافظ منتخب بلاده على اللقب. 2002: كوريا الجنوبية تسير على خطى الشمالية وتُقصي الطليان ثم الإسبان وفضلا على ذلك وفي المونديال نفسه تمكّنت كوريا الجنوبية على أرضها وبين جماهيرها من إقصاء إيطاليا قبل أن تفعل الأمر نفسه مع إسبانيا في دور الثمانية، ويعود الفضل في الجانب الأكبر من هذا الإنجاز الكوري التاريخي لتألق اللاعب “آهن يونغ هوان“ الذي مثل المونديال أيضا بداية الصعود الكبير في مسيرته الكروية، ويعد اللاعب الكوري الجنوبي من أربعة لاعبين في العالم تمكنوا من الفوز بمباراة عبر الهدف الذهبي الذي أُلغي العمل به منذ المونديال الآسيوي. لاعب يُغادر إيطاليا بسبب إقصائه “الأزوري“ من جانب آخر أدى الهدف الذهبي الذي سجله اللاعب الكوري “آهن يونغ هوان” في مرمى المنتخب الإيطالي إلى إلغاء العقد الذي كان يربطه بنادي بيروجيا الإيطالي، ولو أن الفريق عدل فيما بعد عن قراره حيث قال آنذاك رئيس النادي الإيطالي لوتشيانو ڤاوتشي بلهجة لا تخلو من المبالغة: “لا أفكر في دفع راتب لرجل دمّر كرة القدم الإيطالية”، ومع ذلك كان دخول تاريخ مفاجآت نهائيات كأس العالم يستحق عناء المجازفة بعقد عمل مع أحد الأندية.