“رايح ندقدقلكم تانزانيا هادي”.. قالها المدرب الوطني رابح سعدان في لحظة غضب واستياء من وسائل الإعلام خلال ندوته الصحفية الأخيرة قبيل الجولة الأولى من التصفيات المؤهلة إلى نهائيات كأس إفريقيا 2012، لكن للأسف الشديد أنّ العكس هو الذي حدث، لأن المنتخب التانزاني المغمور الذي يحتل الصفوف الأولى بعد المئة، هو من “دقدقنا” سهرة الجمعة، وجعلنا نفقد نقطتين ثمينتين سنندم عليهما كثيرا في حال ما غبنا عن “الكان” المقبلة. نقطتان كان من الضروري أن تكونا لصالحنا، من منطلق أن الأمر يتعلق بمنافس مغمور على الساحة القارية، منتخب من طينة “اللوزوتو” وجزر القمر، وغيرها من المنتخبات الصغيرة والضعيفة، ومن منطلق أننا منتخب “مونديالي” واجه الكبار وأحرجهم في جنوب إفريقيا، لكن حدث ما لم يكن في الحسبان بتاتا، وفرض على منتخبنا تعادل مرّ بطعم الخسارة على يد هذا المنافس الذي كان شجاعا، وتسلح بإرادة فولاذية بعدما تيقن على مدار الدقائق الأولى أنه يواجه دُمى متحرّكة، لا أولئك اللاعبين الذين سمع عن إنجازاتهم في الإقصائيات المزدوجة لكأسي إفريقيا والعالم 2010. مِن قهر “أمّ الدنيا“ إلى العجز والفشل أمام تانزانيا وقبل أن نعرّج للحديث عن تقلص حظوظ المنتخب في التواجد بالغابون وغينيا الإستوائية سنة 2012، فضّلنا أن نقارن بين الأمس واليوم، بين الفترة التي سهل علينا قهر “أم الدنيا“، ونخص بالذكر المنتخب المصري بخبرته ونجومه، وتاريخه وسمعته، فترة قهرناه فيها مرتين، مرة في عقر الديار، وأخرى في بلد محايد بأم درمان. وبين الفترة التي نمرّ بها حاليا بعدما صار التعادل سهلا على تانزانيا في ملعبنا، فشتان بين تلك الفترة وهذه الفترة، وشتان بين روح أم درمان وروح تشاكر سهرة أول أمس. والأكيد أن الأمر يدعو حقا لدقّ ناقوس الخطر لأن منتخبنا صار قاب قوسين أو أدنى من تفويت فرصة التواجد من جديد في نهائيات كأس إفريقيا للمرّة الثانية على التوالي بعد تعثره هذا. نقطتان كلفتا مصر “المونديال“ وسيكلّفانا “الكان” وتقول القاعدة إن أي منتخب يرغب في تحقيق التأهل إلى أي منافسة قارية أو عالمية، عليه أن يظفر بكل نقاط المباريات التي يخوضها في عقر دياره، ويجلب أكبر عدد من النقاط خارجها، قاعدة تحلى بها أشبال سعدان في التصفيات الماضية، وفازوا على كلّ الضيوف في الدورين الأول والثاني، وجلبوا أكبر عدد من النقاط من خرجاتهم إلى رواندا وزامبيا، قبل أن يحسموها في السودان في لقاء فاصل، فنالوا في نهاية المطاف بطاقة الوصول إلى “المونديال”، لكنهم هذا الموسم بدأوها مثلما بدأها منتخب مصر في التصفيات الماضية، بتعثر في الديار كذلك الذي فرض على مصر على يد زامبيا في القاهرة، وأجبرت بعدها على الفوز بكل المباريات المتبقية ولم يكفها ذلك، لأن مباراة الفيصل عادت لنا، وهذا ما سيحدث لنا لأننا اليوم مُجبرون على تعويض ما ضيّعناه في عقر الديار، خارجها بجلب كل نقاط المجموعة، وهو أمر أشبه بالمستحيل في الحقيقة مع هذه المجموعة. روح المجموعة انكسرت ولم تعد قوّة المنتخب ولطالما تباهى اللاعبون وافتخروا في مختلف تصريحاتهم بروح المجموعة السائدة داخل المنتخب، ولطالما قالوا إنها إحدى أسرار قوتهم، وحتى سعدان في آخر إطلالة صحفية علينا قبيل المباراة صبيحة أمس في حصة من حصص القناة الإذاعية الثالثة، قال إن قوة المجموعة في روحها، وصراحة لا ندري عن أي روح صرنا نتحدّث اليوم؟ عن روح انكسرت منذ لقاء كوت ديفوار؟ عن روح لم نر لها أثرا منذ ذلك اليوم أي منذ ثمانية أشهر بالضبط؟ عن روح غابت وترك غيابها العديد من التساؤلات، إن كان هذا الجيل قد شبع إنجازات بمجرّد أن قاد المنتخب إلى المونديال أم ماذا؟ حذرنا منذ فترة وقلنا: “التغيير ضروري قبل أن يقع الفأس في الرأس” ونتذكر أننا كتبنا يومها عن حالة “الخضر“ بعد تجديد الثقة في المدرب رابح سعدان وحذرنا من مغبة ما سيحدث مستقبلا في ظلّ حالة الركود التي صار يعرفها المنتخب تحت عهدته منذ دورة أنغولا، وقلنا حذار أن نلجأ إلى التغيير دون فائدة بعد أن يقع الفأس في الرأس، وها هو ما حذرنا منه يحدث، لأننا أحببنا أم كرهنا، فالتأهل صار أمرا شاقا، صعبا إن لم نقل مستحيلا، بعد تضييع نقطتي تانزانيا، والندم سيكون كبيرا على نقطتين كانتا في المتناول، وحتى التغيير الآن لن يأتي بثماره لأن القطار سار في طريق خاطئ منذ البداية، ومن المستحيل أن يركبه مدرب آخر ويعيده إلى سكة صحيحة. سنلهث وراء تعويض نقطتين في المغرب وقد نعود من إفريقيا الوسطى بفوز ثمين، ونعود من تانزانيا أيضا من الفوز، ولا يكفينا ذلك، لأننا مطالبون بأن نعود بالفوز من المغرب الآن إذا ما أردنا أن نتأهل، ما دام المنتخب المغربي الذي خاض مباراة سهلة يكون قد فاز بها سهرة أمس أمام ضيفه منتخب إفريقيا الوسطى، سيكون من السهل عليه أن يفوز بكل المباريات في عقر داره، وخارجها في تانزانيا وإفريقيا الوسطى، وحتى إن تعلق الأمر بمجرّد حسابات قد تسقط في الماء ما دامت الكرة ليست علما دقيقا، إلا أن المنطق يقول إن من يضيّع نقاطا في عقر دياره، من الصعب عليه أن يحقق التأهل في مثل هذه الحالات. قد نعيش مجدّدا على أطلال إنجاز الخرطوم مثلما عشنا على إنجاز “خيخون“ ومن يدري فقد نجبر الآن على العيش مجدّدا على أطلال إنجاز الخرطوم مثلما أجبرنا سابقا على العيش على أطلال إنجاز “خيخون“ 82، يوم فزنا على ألمانيا، وهو الإنجاز الذي جعلنا ننام طيلة 24 سنة، قبل أن نستفيق مع هذا الجيل بإنجاز الخرطوم الذي نشعر أن بوڤرة ورفاقه اكتفوا به ما داموا غير قادرين على مقارعة نسق منتخبات ضعيفة جدا من طينة الغابون وتانزانيا، وقد يجبرونا هم أيضا على الدخول في غيبوبة ل 24 سنة أخرى لن نحلم فيها برؤية منتخبنا في المحافل الدولية والعالمية مجدّدا. وفاق سطيف أو شبيبة القبائل يفوزان بكل تواضع على تانزانيا ودون أن نمسّ لاعبينا في شرفهم مثلما صرنا نتهم هذه الأيام، ودون أن نمسّ سعدان في شخصيته كشخص محترم، إلا أننا نقولها بصوت عال: إن أشبال عبد الحق بن شيخة المحليين كانوا قادرين سهرة يوم الجمعة على إمتاع الجماهير الحاضرة بانتصار عريض ونسوج كروية، ولن نبالغ أيضا إن قلنا إنّ شبيبة القبائل قاهرة منتخب مصر، عفوا قاهرة الأهلي المصري المدجّج بعشرة لاعبين من منتخب مصر، على الفوز على تانزانيا بكل سهولة أيضا، ولن نبالغ أيضا إن قلنا إن أفضل تركيبة بشرية في الجزائر ونخص بالذكر وفاق سطيف قادرة على الإطاحة ب تانزانيا ذهابا وإيابا أيضا ب جابو وجاليط وغزالي ومختلف لاعبيها الدوليين المحليين، لكن للأسف الشديد فإن تهميش هؤلاء جميعا، وتجديد الثقة فيمن عجزوا عن تحقيق الفوز منذ ثمانية أشهر جعل تانزانيا وحارسها القصير القامة يستعرضا عضلاتهما أمامنا سهرة أول أمس، وجعلانا الآن نبحث عن الوسيلة المثلى لتعويض ما فاتنا حتى لا يفوتنا قطار الوصول للغابون وغينيا الإستوائية.