عقوبات صارمة ضد المتحرشين والأزواج المعنفين ح/سامية صادق البرلمان الجزائري أمس الأول وعشية إحياء اليوم العالمي للمرأة على مشروع تعديل قانون العقوبات المعدل والمتمم للأمر رقم 66- 156، والذي توسع بتجريم أنواع أخرى العنف الأسري و التحرش الجنسي، ليسلط عقوبات صارمة ضد الأزواج المعنّفين لزوجاتهم، ومتابعة المتحرشين بالجنس اللطيف في الشارع وأماكن العمل، ويشكل التعنيف اللفظي أحد أهم العقوبات التي يهتم بها النص الجديد بدليل إقراره 3 سنوات حبس لكل زوج يسبّ زوجته. استفحلت ظاهرة التحرش الجنسي في الجزائر، وامتدت من الشارع إلى كل المؤسسات التربوية منها والوظيفية، وظهرت شكاوى ضحايا الابتزاز بعد كسر جدار الصمت من طرف لجنة المرأة العاملة التي حملت على عاتقها مهمة مكافحة التحرش بالموظفات، كما دعت إلى كسر الطابو وفضح المتحرشين ومتابعتهم قضائيا، فيما سلطت النقابة الوطنية للأسلاك المشتركة والعمال المهنيين لقطاع التربية الوطنية الضوء على استفحال ظاهرة التحرش الجنسي في قطاع التربية. أما في الشارع فالمصيبة أعظم، لأن ما تتعرض له النواعم من انتهاكات أمر و أفدح, وما يعمق من معاناة الضحايا هو عدم جدية القانون السابق في التعامل مع هذه الظاهرة التي تمس المرأة الجزائرية في كرامتها، لكن من المنتظر أن يحمل مشروع قانون العقوبات المعدل الحماية لشرائح واسعة من الجزائريات بمادته الجديدة ( 333 مكرر 1)والتي تنص على معاقبة المتحرشين بالنساء في الأماكن العمومية بالحبس من شهرين إلى ستة شهور أو بغرامة مالية من 20 ألف دج إلى 100 ألف دج لكل من يجرؤ على مضايقة امرأة في مكان عمومي بفعل أو قول أو إشارة تخدش حياءها، وتضاعف العقوبة إذا كانت قاصرا أو إذا آلت إلى اعتداء بالعنف والإكراه أو التهديد. وترتفع العقوبة أكثر إذا كانت الضحية من المحارم، إذ تتراوح من سنتين إلى خمس سنوات، خاصة إذا استغل الجاني ضعف الضحية كأن تكون قاصرا أو مصابة بإعاقة بدنية أو ذهنية. و لا يتسامح قانون العقوبات المعدل مع الأزواج الذين يمارسون العنف البدني ضد زوجاتهم، حيث تم إقرار مادة جديدة ( 266 مكرر) تنص على حماية خاصة للزوجات من الاعتداءات العمدية التي تحدث جروحا أو تؤدي إلى بتر أحد الأعضاء أو إلى عاهة مستدامة أو حتى الى الوفاة، حيث تعاقب المادة ب " الحبس من سنة إلى 3 سنوات إذا لم ينشأ عن الجرح أو الضرب أي مرض أو عجز كلي عن العمل يفوق خمسة عشر يوما و بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات، أما إذا نشأ عجز كلي عن العمل لمدة تزيد عن 15 عشر يوما و بالسجن المؤقت من 10 سنوات إلى عشرين سنة 20 إذا نشأ عن الجرح أو الضرب بتر أحد الأعضاء أو الحرمان من استعماله أو فقد البصر أو فقد بصر إحدى العينين أو أية عاهة مستديمة أخرى و بالسجن المؤبد إذا أدى الضرب المرتكب عمدا إلى الوفاة بدون قصد إحداثها ". ويتطرق القانون إلى مشكلة اجتماعية شائكة انتشرت في المجتمع الجزائري وكادت تتحول إلى ظاهرة، تتعلق باستيلاء الأزواج على ممتلكات زوجاتهم ومواردهن المالية، حيث تنص المادة( 330 مكرر) بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين كل من مارس على زوجته أي شكل من أشكال الإكراه أو التخويف ليتصرف في مالها. لكن المشروع ورغم توسعه إلى أنواع أخرى من العنف الأسري لم يلق الترحيب المنتظر ولا حظي بالإجماع من كل الأطياف السياسية ولا حتى الأوساط الاجتماعية، وأعابوا عليه بأنه نسخة من القوانين الأجنبية المستوردة، باعتبار أنه لا يتلاءم مع طبيعة المجتمع الجزائري وخصوصيته. البرلمانية نورا خربوش: الحل في العودة إلى منظومتنا الأخلاقية وليس في حزمة القوانين أكدت نورا خربوش نائب بالمجلس الشعبي الوطني عن حركة مجتمع السلم، عضوة في لجنة الشباب والرياضة و الحركة الجمعوية، بأن قانون تجريم التحرش الجنسي والعنف الأسري الذي صادق عليه البرلمان، لا يحمل أي إضافة وجاء في إطار مستعجل استجابة لضغوطات خارجية، معتبرة أن مشاكل الأسرة الجزائرية يجب أن تتم في إطار منظومة أسرية أخلاقية بالتوازي مع الحزمة القانونية، وأضافت خربوش أن مشاكل الأسرة الجزائرية تفاقمت بعد أن تخلت العائلة الكبيرة عن دورها وصارت لا تتدخل للصلح بين الزوجين قبل أن يصل الأمر إلى القانون. وانتقدت نورا خربوش الاتفاقيات الدولية التي تفرض علينا فرضا من الخارج إلى درجة أن القوانين صارت تمرر بشكل آلي ودون جدولة، وأي مبادرة من النواب ترفض، مضيفة أن مثل هذه القوانين الخرساء لا تتلاءم مع طبيعة وخصوصية المجتمع الجزائري ومرجعيته الثقافية والدينية وموروثه الحضاري، وفيما يخص قانون تجريم التحرش الجنسي قالت نورا بأنه يعاني من الثغرات التي تجعل تفعيله شبه مستحيل، فشرط الشاهد من الصعب توفره في قضايا التحرش الجنسي وكذلك مسألة حماية الشاهد، كما أن مثل هذا القانون يعتبر سلاحا ذو حدين، فقد تستغله بعض النساء للانتقام وأنا كأم أخشى على ولدي من التحرش وتلفيق القضايا.لذا من الأفضل اللجوء إلى توعية المجتمع وحمايته من خلال العودة إلى منظومتنا الأخلاقية. وعن سؤالنا حول تحميل المرأة نصيبا من المسئولية في قضية التحرش الجنسي بسبب مظهرها الخارجي، أكدت نورا أن تبرج المرأة له دور في الظاهرة، لكننا لا نتهم المرأة ولا نحملها المسئولية، لأن الجزائرية بطبعها أصيلة ويجب أن تكون لها القدوة في السلف من المجاهدات اللواتي ناضلن جنبا إلى جنب مع الرجال، فالجزائريات سليلات المجاهدات وبنات عائلات. ومثل هذه الظاهرة من الممكن التصدي لها بعيدا عن حزمة القوانين، و فقط بالعودة إلى أحضان شريعتنا السمحاء وبتكثيف حملات التوعية عبر المساجد. سمية صالحي نقابية وناشطة في مجال حقوق المرأة: قانون العقوبات مكسب توج نضال الجزائريات اعتبرت سمية صالحي نقابية ومؤسسة لجنة مكافحة التحرش الجنسي في أماكن العمل المنضوية تحت لواء الاتحاد العام للعمال الجزائريين، أن قانون العقوبات ضد المتحرشين والأزواج المعنفين يعد مكسبا لنضالات المرأة العاملة وغير العاملة، مع ما فيه من نقائص وثغرات، خاصة ما يتعلق ببند الصفح، مشيرة إلى أن الضحية غالبا ما تتعرض للضغوطات الاجتماعية والأسرية لتصفح عن الجاني. ومشددة في هذا الصدد على ضرورة القصاص من الجناة باعتبار ذلك حق لا يجب أن تتنازل عنه الدولة.وأضافت أن القوانين وحدها غير كافية وأن النضال يجب أن يستمر من أجل تغيير ذهنيات الجزائريين. وانتقدت سمية صالحي ما حدث من بعض نواب البرلمان الذين عارضوا القانون واعتبروه مساسا بكيان الأسرة وتشجيعا على الطلاق وتدخلا في الحياة الزوجية. قائلة بأن الواقع ليس بالمثالية التي يتصورها هؤلاء، فالمرأة تضرب كل يوم وتهان كرامتها كل يوم وتغتصب ويتحرش بها، لذا لا بد من حمايتها بالقانون، أما الطلاق فهو متفشي قبل صدور القانون. وأضافت صالحي أن الأخلاق الإسلامية غير متوفرة للأسف في الكثير من رجال الجزائر، بدليل تقدم حوالي 8 آلاف امرأة بشكاوى ضد التحرش الجنسي، وتعرض 297 امرأة للاغتصاب ووفاة 261 امرأة بسبب العنف المنزلي. شائعة جاد جعفري قانون تجريم التحرش الجنسي يحمي الأسرة والمجتمع أفادت رئيسة المرصد الوطني للمرأة والأسرة شائعة جعفري، بأن قانون تجريم التحرش الجنسي بالمرأة، الذي يتضمن تشديد حجم العقوبات ضد الأزواج المعنفين لزوجاتهم، ويقضي بتسليط عقوبات الحبس متفاوتة المدة تصل إلى 3 سنوات وعقوبة 6 أشهر لكل تحرش جنسي ضد المرأة بالأماكن العمومية أو بالعمل، لا يعد حماية للمرأة فقط، وإنما من شأنه حماية الأسرة والمجتمع ككل، حيث يزرع الطمأنينة بين أفراد المجتمع ويجعل الزوج والوالد والأخ مطمئنين على قريباته، وهذا يمثل حماية حقيقية للأسرة.مشيرة إلى أن الأهم من ذلك هو تربية الأجيال على الأخلاق الحسنة، نحن جزائريون ونعرف بعضنا جيدا، نملك ارتباطا جميلا بديننا، وهذا المجال من الجيد لو يتم الاستثمار فيه، بمعنى أن يتم تفعيل أدوار الأئمة والمرشدات الدينيات أكثر وهو نداؤنا لوزارة الشؤون الدينية حتى تتبنى فكرتنا وتدعم أكثر الدروس المسجدية وخطب الجمعة مرارا وتكرارا بغية استئصال ظاهرة العنف الأسري والتحرش الجنسي. اعتبروه تدخلا سافرا في الحياة الزوجية والأسرية ..قانون يثير حفيظة الرجال أثار تعديل قانون العقوبات ضد ممارسي العنف اللفظي، البدني والجنسي على المرأة، لأول مرة في تاريخ الجزائر حفيظة الرجال، واعتبره البعض تدخلا سافرا في حياة الزوجين وانتهاك لقدسية العلاقات الأسرية، فقط لإرضاء منظمات ومؤسسات عالمية حاولت التدخل مرارا وتكرارا في الجزائر والضغط عليها بإصدارها تقارير سوداء عن وضع النساء. يقول يوسف 38 سنة إطار في مؤسسة عمومية:"القوانين الصارمة المستوردة من الخارج ليست الحل، بل من شأنها أن تزيد الطين بلة، فعلاقة الأزواج لا تحكمها القوانين الوضعية، وإنما المودة والاحترام المتبادل ومعرفة كل طرف لحقوقه وواجباته، أما أن تتدخل القوانين في العلاقة الزوجية والأسرية بهذا الشكل، فهذا لن يكون نافعا للأسرة وإنما من شأنه أن يهددها كمنظومة تمام كما يهدد المجتمع، الذي ما هو إلا عدد من الأسر.." فيما يؤكد عبد الحق/ ع 42 سنة أستاذ ثانوي: "نجاح العلاقات داخل الأسر يستلزم لغة من الحب والتفاهم والود والمساحات المشتركة، والتي يقوم كل طرف في صناعتها مع الطرف الأخر في العلاقة الزوجية، وكلها من الأسس المهمة لقيام أسرة متينة وعلاقة أسرية قوية، سواء كانت بين الزوج والزوجة أو بينهما والأبناء.وبالتالي فلابد أن يشملها الحب والرعاية والتفاهم والسكينة التي لابد أن تعم البيت كله، فلا يمكن تخيل مجتمع ناجح ومتميز دون أن تكون هناك علاقات أسرية قوية، لكن أن ينظم القانون هذه العلاقات فهذا شيء لا معنى له، لأننا لا نلجأ إلى القانون إلا إذا فشلنا في علاقاتنا الأسرية أو الزوجية، لأنه من غير المعقول أن نلجأ إليه لإنجاح العلاقة. أما سيد علي 36 سنة/ موظف فأضاف بقوله:" لو حدث مشكل بيني وبين زوجتي في يوم من الأيام وقمت بسبها أو صفعها، وتقدمت هي بشكوى أمام القانون لتأديبي، هل هذا يعني استمرار العلاقة الزوجية أم نهايتها؟..أكيد ستكون النهاية. وهذا يعني أن مثل هذا القانون الذي يفتح عيون الزوجات للتقدم بالشكاوى ضد أزوجهم مثلما يحدث في الخارج سيقضي على الأسرة الجزائرية وسيرفع بالتأكيد من معدلات الطلاق، وعلى كل أنا لا أرى بأن النساء في الجزائر لن يعملن به لأنهن أكثر وعيا وحفاظا على استقرار الحياة الزوجية والأسرية ممن سعى إلى سن هذه القوانين المستوردة.". فيما أبدى أمين 28 سنة موظف إعلام آلي أن القانون أنصف ضحايا التحرش الجنسي، مشيرا إلى أن المرأة اليوم لا تسلم من الابتزاز أينما حلت لا في الشارع ولا في أماكن العمل، وبتعديل قانون العقوبات صار بإمكانها الارتياح وصار لزاما على المتحرشين الخوف من القانون لأن أمثال هؤلاء ممن لا دين لهم لا تحكمهم سوى سطوة القانون.