قرر الرئيس بوتفليقة سن قانون تجريم التحرش بعد أن شاهد مسلسل العشق الممنوع، وقررت عضوات البرلمان التصويت على القانون وفاء للمرحوم الشاب عقيل الذي غنى أغنية “العشق الممنوع”، ويبدو أن العشق في عهد القانون الجديد صار ممنوعا، كما يقول المتحرشون.. هذا جزء يسير من حملة التنكيت التي أطلقها الجزائريون على قانون تجريم التحرش. وقبل الدخول في تفاصيل هذا الروبورتاج “الساخر” نريد أن نؤكد أن نقلنا لهذه التعليقات لا يعني بالضرورة أننا على قناعة بها، وهذا طبعا ليس بسبب الخوف من الوقوع تحت طائلة القانون الجديد. عاد الرجل بعد صدور قانون حماية المرأة من العنف والتحرش إلى قصة سيدنا آدم القديمة مع أمنا حواء، التي تشير رواية “غير صحيحة” لها أن حواء أقنعت آدم بالأكل من الشجرة فخرجا من الجنة، ولن يهدأ لبناتها بال قبل الزج بأبناء آدم في السجون. وحول القانون يقول تعليق على الشبكة العنكبوتية “النقابة “تتحرش” بوزيرة التربية بن غبريط والمحتجون في الجنوب “يتحرشون” بشركة سوناطراك، لهذا يمكن الزج بالنقابة والمحتجين في السجن بتهم التحرش”. وقد تحولت القوانين التي تعطي حقوقا إضافية للمرأة في الجزائر إلى موضوع سخرية، ولم يجد الجزائريون من المعارضين لطريقة التسيير التي ينتهجها أركان حكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من وسيلة للتعبير عن رفضهم للتعديلات التي أدخلها البرلمان الجزائري على قانون الأسرة، ثم قانون حماية المرأة من العنف والتحرش الذي يعطي للمرأة الجزائرية لأول مرة في تاريخها حق إيداع شكوى ضد زوجها في حالة تعرضها للضرب من قبله وتصل عقوبة الزوج إلى السجن، كما يسمح القانون للمرأة ضحية التحرش باللجوء للقضاء من أجل إيداع شكوى، وقد أثار القانون الجديد تعليقات من الرجال والنساء على حد سواء.
الحبس ل..”الرجالة” تقول الحكمة القديمة “الحبس للرجالة”، ويبدو أن السلطة طبقتها بحذافيرها دون تعديل، فلو أن الحكمة قالت الحبس للنساء لتغيّر الوضع. وقال أحد المعلقين على قانون حماية المرأة: “الآن فقط فهمت الحكمة من وراء بناء عشرات السجون الكبيرة بجدرانها الإسمنتية.. لقد خصصت للرجال بعد تطبيق القانون، فالمشرّع يعلم يقينا أن تطبيق القانون الجديد لحماية المرأة سيجر عشرات الآلاف من الرجل إلى غياهب السجون، وهذا عين العقل”. وتقول عبارة ساخرة حول موضوع تجريم التحرش على لسان النساء “كنا في رحمة قبل قانون بوتفليقة”، والمقصود هو أن عدم التحرش في الشوارع أثار قلق النساء. وتشير عبارة ثانية “الرجالة من بكري غي يتسببوا”، أي أن القانون الجديد جاء لتكريس اختفاء التحرش بالفتيات من الشوارع بسبب “زهد الرجال في النساء”. وتشير آخر “نكتة” إلى أن قانون حماية المرأة من العنف والتحرش كان يجب أن يتضمن مادة تمنع الرجل من مشاهدة النساء الجميلات وبعض المشاهد في التلفزيون والأنترنت، لأن هذا أيضا هو نوع من العنف ضد المرأة. وتقول حكاية يتداولها الناس في الجزائر بعد صدور قانون تجريم التحرش “إن مجموعة من الفتيات القبيحات رفعن دعوى قضائية ضد الرئيس بوتفليقة، لأنه حرمهن من الإحساس بالأنوثة”، وتقول “كنا في نعمة عندما كان التحرش باطل أي بلا مقابل”، وبعد أن بات المعاكسة ممنوعة في القانون الجزائري فإن الفتيات القبيحات قررن تشكيل نقابة للمطالبة بحقوقهن في التحرش. وتقول نكتة ثانية إن شابا أراد خطبة ابنة قاض فوجّه طلبا رسميا للقاضي للإعفاء من توجيه تهمة التحرش لأن غرضه شريف، أما آخر نكتة فتقول إن الفتيات سيحملن معهن لافتات تحمل عبارة “التحرش مسموح لأصحاب الغرض الشريف”، وحكم قاض على شاب متهم بالتحرش بالإعدام ليس بسبب أنه تحرش بل لأن الفتاة كانت.. قبيحة. تحرش شرعي أم عرفي؟ إذا كنت من المتحرشين فإنه يمكنك الإفلات من العقوبة بالتحرش شرعيا، هكذا يقول رواد الأنترنت، فكما أن الإسلام أباح النظرة الشرعية للخاطب قبل الزواج، فإن التحرش من أجل الزواج يعدّ “تحرشا شرعيا”. أما التحرش من أجل علاقات لا يقبلها المجتمع فهذا “تحرش عرفي” يعاقب عليه القانون. وقد بدّل المتحرشون الحكمة القديمة القائلة “كل حاجة بالقوة إلا المحبة بالسياسة” إلى “كل حاجة بالقوة إلا المحبة فهي بالحبس”. وغيّرت نكتة أخرى مقطع قصيدة الشاعر الكبير أحمد شوقي من “نظرة فابتسامة فلقاء”، إلى “نظرة فابتسامة فسجن”. وتحول قانون تجريم التحرش في حد ذاته إلى موضوع سخرية، فبينما تمر فتاة جميلة يبادرها شاب متحرش بالقول “أختي أنت تستهلي عام حبس”، يعني أنه مستعد لدخول السجن من أجلها عاما كاملا وليس 6 أشهر مثلما ينص عليه القانون. كما بات التحرش في حكم القانون أنواعا: عرفي وشرعي، أما الشرعي فهو التحرش بالفتيات بعد تبادل نظرات الإعجاب، والعرفي فهو التحرش بالفتيات دون تبادل النظرات ودون الحصول على إذن من الفتاة. وبات الآن المتحرشون مجبرون على ابتداع تقنيات جديدة من أجل الإفلات من العقاب لأن القانون بات صارما، مثل إخفاء الهوية، وعدم الاقتراب من أية فتاة أو سيدة يمكنها التعرف على هوية المتحرش. وتقول تعليمات الأمن “لا تتلفظ بعبارات يمكن للفتاة تذكرها بسهولة ولا ترتدي ملابس مثيرة للانتباه”، ومع سلسلة من التعليمات ستحول المتحرش إلى رجل مخابرات. مكافأة عدم متابعة المرأة للأخبار السياسية في الجزائر لا يزيد عدد النساء اللائي يتابعن المستجدات السياسية عن 30 بالمائة، حسب إحصائية تقريبية نشرتها قناة “أم. بي. سي” استنادا لدراسة أعدها معهد “غالوب” الأمريكي لسبر الآراء قبل 15 سنة حول متابعة المرأة العربية للمستجدات السياسية. وبفضل عدم متابعة المرأة للأخبار السياسية حازت المرأة على رضا المسؤولين في السلطة، فقرروا “التكرم” عليها بالمزايا القانونية المختلفة. والمثير في هذا هو أن قانون ترقية المشاركة السياسية للمرأة حدّد نسبة 30 بالمائة من القوائم أعاد تعليق سبب المزايا القانونية التي منحتها السلطات للمرأة في السنوات الأخيرة وأدى إلى مقاطعة الرجال للانتخابات، وقال التعليق “يديروها الكبار يحصلوا فيها الصغار”، ومعناها أن السياسيين المعارضين طلبوا من الرجال مقاطعة الانتخابات، وبينما استجاب عدد كبير من الرجل لدعوة المعارضة هاهم الآن يدفعون الثمن. وقال تعليق آخر حول دور المرأة في حياة الرجل “أُم وزوجة وأخت وبنت وتدخل للحبس!” في تعبير عن الميزة القانونية التي أعطاها القانون الجديد للسيدات. وتشير نكتة جديدة إلى أن الحكمة من وراء القاعدة الفقهية المتعلقة بالميراث “للذكر مثل حظ الأنثيين” بسيطة، وهي أن الرجل يحتاج للحصة الثانية من المال حتى يصرفها على المحامين أثناء مواجهة الشكاوى التي سيواجهها من قبل زوجته. الضرب ممنوع من.. “بكري” لا يتعلق موضوع السخرية فقط بقانون تجريم التحرش بل يتعدى إلى موضوع حماية المرأة من العنف، ففي موضوع منع الرجال من ضرب زوجاتهم، يقول تعليق “لقد منع بوتفليقة ضرب الرجل للمرأة عندما منع بطريقة ذكية للغاية تعدد الزوجات، حيث بات من المستحيل بالنسبة للرجل الزواج مرة ثانية في ظل القانون الجديد الذي يشترط رخصة من رئيس المحكمة، وطبقا للحكمة الجزائرية القديم القائلة “اضرب النساء بالنساء”، أي أضرب زوجتك بزوجة ثانية فإن ضرب الزوجة بات ممنوعا بكل الوسائل”. ويقول تعليق آخر إن قانون ترقية المشاركة السياسية للمرأة التي باتت وزيرا وعضوا في البرلمان وواليا ورئيس بلدية يحتّم على الزوج عدم ضرب زوجته لأنه عندما يضربها “يضرب الدولة”، ويقول آخر “قرر الجزائريون الهجرة إلى السعودية لأن فيها ملكا لا يظلم عنده الرجال، فيما قررت نساء العالم الهجرة إلى الجزائر لأن فيها ملكا لا تظلم عنده النساء”. وقد أتاح قانون حماية المرأة من العنف فرصة ذهبية للرجال من أجل الحصول على عطلة من الحياة الزوجية، حيث يقول تعليق آخر “إذا كنت ترغب في الابتعاد عن الضغط والحصول على عطلة فما عليك إلا أن تنهال ضربا على زوجتك فتحصل على 6 أشهر عطلة في فندق مع ضمان المبيت والأكل”. «الولية” صارت.. “غولة” عمل القاضي المتقاعد علال ميري 45 سنة في الفصل في قضايا الأسرة، وهو يرى أن القانون لا يكفي وحده لترقية وضعية المرأة في أي بلد. ويقول ميري قاضي متقاعد في العقد الثامن من العمر “يجب أن نعترف أن المرأة في الجزائر كانت قبل قدوم الرئيس بوتفليقة بحاجة للحماية، لكنها تحوّلت بطريقة أو بأخرى من “ولية” كما هو متعارف في الجزائر إلى “غولة” بسبب الإفراط في إصدار القوانين لحمايتها”. وأضاف إنه كما أن للقانون ايجابيات قد تكون له سلبيات من جهة النتائج الاجتماعية للقانون، مثل العزوف عن الزواج وتراجع دور الرجل في المجتمع الجزائري الذكوري. حماية المرأة من التحرش بات أكثر من واجب ويقول المحامي محمد ذهنال، عضو البرلمان السابق: “لقد تأخرت الجزائر كثيرا في تشديد العقوبة في حق المتهمين بممارسة التحرش، لأن التحرش بالمرأة العاملة بشكل خاص أخذ أبعادا شديدة الخطورة”، ويضيف “إن صدور القانون لن يغيّر من الواقع شيئا، لأن حالات التحرش يصعب إثباتها في أغلب الحالات”، ويضيف ذهنال: “أنا أعرف عشرات الحالات التي تم فيها التحرش بعاملات إلا أن أغلبهن رفضن إيداع شكاوى خوفا من الفضيحة وخوفا من رؤسائهم في العمل”. ويرى أن ضرب الزوج للزوجة يعد أمرا معيبا في حق الرجل قبل المرأة، وأن العلم الحديث أثبت أن ضرب الزوج لزوجته له تأثير مدمر على نفسية الأطفال في الأسرة، وهو ما دفع السلطات لإصدار قانون لحماية المرأة. نسيسة فاطمة الزهراء، دكتورة مختصة في علم الاجتماع بجامعة خميس مليانة “لا أحد لديه الوقت للقاءات والفكاهة والنكت” الدكتورة نسيسة فاطمة الزهراء، المختصة في علم الاجتماع بجامعة خميس مليانة، أرجعت حالة الفردانية والعزلة التي يعرفها الجزائريون إلى الظروف الاجتماعية وذلك خلال حديثها مع “الخبر”، وتقول المتحدثة: “البطالة تجعل الأفراد يهربون إلى مواقع التواصل الاجتماعي من أجل صرف وقت الفراغ الزائد لديهم، إلى أن يتحول الأمر عندهم إلى إدمان لا يمكن تجاوزه حتى لو انتهت مشاكلهم الاجتماعية”، كما تشير الدكتورة فاطمة الزهراء إلى أن العلاقات الأسرية المتوترة والشجارات بين أفرادها جعل الأفراد يهربون من حياتهم الطبيعية إلى الحياة الخيالية. وتؤكد المتحدثة أن تأثير هذه العزلة على الروابط الاجتماعية وصل إلى حد حدوث حالات طلاق نتيجة إفراط الزوجين في استخدام الأنترنت وإهمالهما لما يحصل في البيت. وتضيف أن المجتمع الجزائري عرف تغيرا كبيرا في السنوات الأخيرة على مستوى عاداته، حيث لم يعد لديه وقت واهتمام بالفكاهة والاجتماعات والنكت، موضحة: “الفرد ابتلعته المشاكل وغلاء الأسعار والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تصادفه يوميا، وجعلته قلقا على الدوام”. وأكدت الأستاذة نسيسة أن ما يحدث من تحول الآن بحاجة إلى دراسة علمية معمقة. س. ج الأديب عز الدين جلاوجي “الفردانية انتصرت على حساب التكتل” قال الأديب عز الدين جلاوجي، في اتصال مع “الخبر”، إن المدنية الحديثة انتصرت للفردانية على حساب التكتل، موضحا: “كما تم القضاء على القبلية والعشائرية لتحل محلها الدولة، ربما سيتم القضاء أيضا على الأسرة، أو على الأقل تضيق مجال هيمنتها”. وأكد المتحدث أن الفرد أصبح اليوم بمقدوره أن يحقق ذاته بمفرده داخل الدولة دون الحاجة إلى داعم غيرها من أفراد المجتمع. ويقول جلاوجي إن هذا النمط الجديد من الحياة خلق وسائل ترفيه وتواصل جديدة، من القنوات الفضائية إلى الهاتف النقال إلى الأنترنت والفايسبوك، وأن “كل هذا دفع الفرد إلى أن ينعزل تماما، بما في ذلك من سلبيات وإيجابيات أيضا، ولكنها تبقى ضروريات الحضارة”. س. ج المشاكل ابتلعتهم والفايسبوك عزلهم هل أصبح الجزائريون الشعب الذي لا يضحك؟ على خلاف الزمن الجميل الذي كانت فيه النكت تطبع يوميات الجزائري، في لقاءاته بالأصدقاء وزملائه في العمل وفي السهرات الطويلة مع العائلة، أصبح بالكاد يصادفك اليوم وجه بشوش، وسط الوجوه العابسة والجدّية المفرطة لأفراد يتسابقون مع الزمن لقضاء انشغالات لا تنتهي، في غياب شبه تام لجلسات ولقاءات طريفة وحميمية أخذت مكانها ساحة واسعة خلف شاشة كمبيوتر صغيرة اسمها “الفايسبوك”. “زمان كانت الحياة حلوة والناس زاهية ومجتمعة رغم الفقر، اليوم الشعب كله متفرق وكاره، يعني واحد عنده بيت وسيارة وخدام لكن كل يوم مقلّق وضحكته مانشوفوهاش، من غير ما نتكلم على الناس ألي رجعت تهرب من بعضها”.. بهذه الكلمات يصف العم منير، الذي يبلغ من العمر 52 سنة ويعمل كسائق حافلة، ل”الخبر” التغيرات الاجتماعية التي طرأت على المجتمع الجزائري، وحوّلت أفراده إلى أشخاص عابسين يفتقدون إلى روح المزاح والنكت والتجمع حسب تعبيره، بعدما أسهب في استرجاع ذكريات ونكت وألغاز تعود إلى ربع قرن من الزمن. هذا الوصف الذي يقدمه العم منير بعفوية، من خلال تجربته، يقترب كثيرا مما طرحه باحثون أكاديميون عن العزلة الاجتماعية، في تصور مفاده “سيصبح كل فرد رأسا لرأس مع جهاز الكمبيوتر الخاص به”. واقع يؤكده عبد القادر، 28 سنة في حديثه مع “الخبر”، حول علاقته بعائلته موضحا: “أقضي ساعات طويلة خلف شاشة الكمبيوتر أو الهاتف الذكي، بالمقابل علاقتنا مع أفراد العائلة تتراجع باستمرار”. ويضيف: “التواصل الأسري أصبح باردا جدا، والتحدث إلى بعضنا بات مزعجا نظرا لتركيزنا المستمر على التواصل مع من هم وراء الشاشات في العالم الافتراضي”. وهذا ما غيّر الكثير من طباع وعادات الفرد الجزائري التي ظلت راسخة لأجيال، حسب عبد القادر: “في وقت سابق كانت الناس تحكي أحجيات ونكت جميلة جدا، أما اليوم فلم يعد الأمر كذلك”. الهجرة نحو “الفايسبوك”! إطلاق خدمة الجيل الثالث وانتشار استخدام الهاتف الذكي سهّل عملية الهجرة الجماعية نحو الفايسبوك وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي الافتراضية، التي أصبحت ملاذ الجزائريين وقاعة اجتماعهم المفضلة بعدما تحولت اللقاءات في الأحياء والمقاهي والبيوت إلى عادة قديمة، وهنا تقول أميرة، 25 سنة، طالبة، ل«الخبر” عن استخدامها لهذا الفضاء: “أستخدمه بشكل مفرط، خاصة عبر الهاتف الذكي” معترفة: “لم أعد أجلس مع العائلة كالسابق، وأمي دائما تشتكي مني، وتقول لي إن الفايسبوك سيسبب لك أمراضا نفسية”. وتضيف أميرة عن الأسباب التي تجعلها تسرف في التواصل عبر الفايسبوك على حساب العائلة: “إنه يستهويني. أتابع المستجدات وأكتب خربشات يتفاعل معها أصدقاء يجمعنا عمر متقارب، نفس الأفكار ونفس المشاكل”. وتعتبر أميرة هذا التحول منطقيا جدا نظرا لطبيعة المجتمع التي جعلت من هذا الفضاء الخيار الوحيد في ظل غياب مرافق وفضاءات يمكنها الالتقاء فيها بأصدقائها خارج أوقات الدراسة،، وتعلق بسخرية: “حتى أمي أصبحت تقول لي أحيانا لماذا تحتاجين إلى زيارة أصدقائك بما أن الفايسبوك موجود”، ثم تجيب عن سؤال والدتها: “صحيح تقنيات الصورة والصوت تجعلك تشعر بأن تواصلك مع الآخر فيه روح وليس جافا، لكن نكهة اللقاء شيء آخر، فيها مزاح وضحك ونكت يولدها شعورنا بالحميمية الذي يغيب في الفايسبوك”. حالة سلسبيل، 27 سنة، تشبه إلى حد ما حالة أميرة، حيث تروي ل«الخبر” قصة هجرتها نحو الفايسبوك، الذي أتاح لها فرصة التعرف على أشخاص أكثر ثقافة ووعي من أولئك الذين يعيشون معها على حد تعبيرها، وتقول سلسبيل: “نقص تواصلي مع أفراد أسرتي، وأصبحت أميل أكثر للتواصل مع أشخاص جدد لديهم وعي سياسي واجتماعي وثقافي أيضا”. وهو ما تعتبره المتحدثة تحولا هاما في حياتها، على اعتبار ما يمنحه لها من قدرة على تجاوز الحدود الجغرافية معلقة: “أصدقاء الواقع يفرضهم عليك المكان عكس الأنترنت، حيث نجد كل أنواع الشخصيات ونحن ننتقي الناس الذين نرتاح معهم ونناقشهم دون خوف من خسارتهم في حالة مخالفتهم الرأي”. الشاب عبد الحق، الذي يبلغ 29 سنة ويعمل كأستاذ، صرح من جهته بوجود تغير في علاقاته الإجتماعية “أخصص وقتا لا بأس به للفايسبوك، بل أكثر من ذلك أصدقائي الافتراضيون يتفاعلون معي أكثر من أصدقاء الواقع”. بين البارح واليوم.. “ناس ضائعة” في وقت حاول بعض الشباب الذين التقت بهم “الخبر” التعبير عن تراجع تواصلهم الاجتماعي وعلاقاتهم مع الآخرين وغياب روح التنكيت وطغيان الفردية في حياتهم، عبّر آخرون عن ضياعهم بين الحنين إلى أيام “البارح واللّمة” وبين عالم الأنترنت باعتباره “شرا لا بد منه”، على غرار نادية التي تعمل كصحفية وتبلغ 41 سنة من العمر، متحدثة إلى “الخبر”: “بمجرد أن ألج العالم الافتراضي أفقد صلتي بالعالم الواقعي والأسري تحديدا، وقد أؤخر أعمالا وأهمل أخرى”. ثم تنتقد بحسرة الحالة التي وصل إليها الناس: “الجزائري خلاص فقد المزاح والتنكيت بسبب منغصات المعيشة ومشاكله اليومية، بالإضافة إلى الضغوط النفسية من المحيطين الاجتماعي والعملي، وأحيانا الأسري أيضا”. وتستحضر نادية بحماس كبير العادات التي كانت سائدة: “أين تلك البساطة والتقارب الأسري الذي كان عفويا ورائعا، وكان كل فرد يحس بآلام الآخر ويقترب منه بشكل أو بآخر والجلسات التي كنا نستمتع فيها بالنكث والألغاز؟!”. وتضيف نادية معلقة: “اليوم الأنترنت جعلت اللمّة الأسرية تختفي وحولتنا إلى انطوائيين ومنعزلين عن الآخر وعن الواقع أيضا”. من جهته، يصف رضا، شاعر في الأربعين من العمر، الشعب الجزائري اليوم ب«العابس”، ويرجع ذلك إلى غرقه في مشاغل الحياة، موضحا: “كل همنا اليوم لقمة العيش واللهث وراء كل ما هو مادي، لذلك لا نجد وقتا للبشاشة والنكت مثل الماضي، حتى في الأسرة الواحدة تجد العبوس والتفكك وكل فرد منعزل يفكر بطريقته الخاصة وفي نفسه فقط”. ويعتبر رضا أن الإفراط في استعمال الأنترنت عزز هذه الفردية والابتعاد عن محيط الأهل والأصدقاء، مؤكدا: “كان لي أصدقاء كنت ألتقي بهم دوريا أما اليوم صرنا نلتقي في العالم الافتراضي فقط”. صالحي طارق، أستاذ مختص بعلم النفس بجامعة ورڤلة “الأنترنت أصبحت مصدر نشوة ولذة للفرد” اعتبر صالحي طارق، أستاذ مختص بعلم النفس بجامعة قاصدي مرباح بورڤلة، في حديثه ل«الخبر”، أن غياب الحوار الأسري الجدي بين كل أفراد الأسرة أحد الأسباب الرئيسية لهروب الجزائريين اليوم بشكل كثيف إلى العالم الافتراضي، زيادة على غياب الواقعية بين الناس وميولهم إلى العيش في الأوهام على حساب الحقيقة. ويؤكد الأستاذ صالحي: “مشاغل الحياة واختلال مسؤوليات الآباء مثلا، نتيجة تواجدهم في العمل، تجعل الأبناء يهربون إلى العالم الافتراضي ويحبذونه على العيش في الواقع الذي يعتبرونه مزعجا”. وشدد المتحدث على ضرورة أن يكون الحوار الأسري متحررا، ما يجعل الأفراد ليسوا بحاجة إلى البحث عن الحرية في الأنترنت باعتباره البديل الوحيد المتاح أمامهم، كما أن غياب الحوار يخلق تأثيرا نفسيا على الفرد من خلال شعوره بعدم جدوى وجوده في الأسرة والهروب إلى العالم الافتراضي. وأكد الأستاذ أن الأنترنت اليوم تحولت لدى الأفراد إلى حاجة ضرورية لا يمكن الاستغناء عنها: “لقد أصبحت مكملة للحياة ولا يمكن أن يصلوا دونها إلى درجات النشوة واللذة”. وعن أسباب تراجع العلاقات الاجتماعية للأفراد وحسهم الفكاهي يقول صالحي: “الناس وصلت إلى درجات كبيرة من الإحباط، بسبب الأخبار غير السارة والمشاكل التي يعيشونها يوميا، ولهذا الكل أصبح يهرب من الواقع”. ويضيف المتحدث: “نحن في زمن الفوضى والمشكلات الاجتماعية والخوف والبلبلة وعدم الثقة في النفس وعليه التفكير في الأحلام والابتعاد عن الضوضاء وكثرة الإحباطات جعلت الأنترنت المنفذ الوحيد”، مشيرا إلى أنه في مصر مثلا توجد دُور الإرشاد الأسري التي تعالج هذه القضايا وأسباب هروب الكهول والشباب للأنترنت، منتقدا بقاء الدراسات الجامعية حول الظاهرة حبيسة المكتبات. مخلوف بوكروح، مدير مخبر استخدامات وتلقي المنتجات الإعلامية والثقافية بجامعة الجزائر3 “التكنولوجيا جزّأت الجمهور وغيرت طرق ووسائل الترفيه لديه” قال الدكتور مخلوف بوكروح، مدير مخبر استخدامات وتلقي المنتجات الإعلامية والثقافية بجامعة الجزائر 3، في اتصال مع “الخبر”، إن الاستخدام الواسع للأنترنت يعود إلى طبيعة الفرد البشري الذي يميل إلى كل ما هو جديد، معتبرا أن الجزائر لم تصل بعد إلى المستوى المطلوب من انتشار هذه التكنولوجيا وتغطية الشبكة عبر التراب الوطني. وعن التأثيرات التي خلقتها الأنترنت على مستوى العلاقات الاجتماعية وطباع الفرد الجزائري الميال إلى النكت والمزاح، يوضح المتحدث: “نحن نعيش حاليا مرحلة انتقالية على جميع المستويات، بما فيها مستوى الترفيه، فقد ظهرت وسائل وطرق ترفيهية جديدة تعتمد على التكنولوجيا”. ويضيف الدكتور بوكروح أن التكنولوجيا وخاصة الأنترنت قائمة على تجزئة الجمهور، أي أن الفرد يتصل مع آخر افتراضيا وهو منزوٍ ومنعزل في غرفته، مشيرا: “الدراسات المتطورة عبر العالم لم تحسم بعد إذا كانت الأنترنت ستقضي على الاتصال الشخصي أم لا، نحن بحاجة لوقت لمراقبة الأثر ودراسة هذه التحولات المتسارعة”. وفي السياق نفسه، أشار الدكتور المختص في علوم الإعلام والاتصال إلى أن الأنترنت قد أحدث تغييرا في أشكال الاتصال التي كانت سائدة بين الناس، معلقا: “اليوم يوجد اتصال افتراضي أكثر منه واقعي، لكن لا توجد دراسات كيفية حول طبيعة وأشكال الاتصال الحديثة التي أفرزتها الأنترنت، لكن يمكننا القول إنها تغيرت بشكل كبير”. وطرح الدكتور بوكروح مشكلة طبيعة استخدام الفرد للأنترنت، معتبرا أن الدراسات في هذا المجال مازالت ناقصة، موضحا: “نحن بحاجة إلى البحث في هل الجزائري تجاوز فعلا الاستخدام العادي للأنترنت وأصبح يتملكها”. ويشير المتحدث إلى أن الامتلاك المقصود هنا يعني إدراك هذه الوسيلة وتطويعها والإبداع في استخدامها. س. ج التغيرات الاجتماعية.. موضوع الساعة على المستوى الأكاديمي، تحولت تأثيرات الأنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي بشكل خاص على الفرد الجزائري إلى موضوع الساعة بالجامعة، حيث من المنتظر أن تنظم جامعة الطارف المؤتمر الدولي الشمال إفريقي الثاني حول المشكلات الاجتماعية وسبل الوقاية منها نهاية شهر أفريل المقبل، لمعالجة دور الأنترنت في بروز هذه المشكلات على صعيد المجتمع بمشاركة أكاديميين وباحثين ودكاترة من شمال إفريقيا وباقي الدول. وفي الإطار نفسه أعلنت جامعة أم البواقي عن تنظيمها لملتقى وطني حول قضايا الشباب في المجتمع الجزائري في 19 من شهر أفريل، على أن يتناول محور الإعلام الجديد والشباب الجزائري لرصد استخداماته وتأثيراته باعتباره موضوع الساعة.