يحتاج الكثير من المرضى في الجزائر إلى عمليات زرع أعضاء سليمة عوض أعضائهم المريضة أو التي أصابها العجز ليحيوا، لكن الذين يقبلون على التبرع بأعضائهم قبل أو بعد وفاتهم أقل بكثير من احتياجات المرضى لانعدام ثقافة التبرع لدى الكثير من المواطنين وجهلهم لحيثياتها خاصة إذا تعلق الأمر بحرمة الميت وموافقة أهله بمنح عضو من أعضائه أو أكثر. نادى بعض الأطباء في الآونة الأخيرة بتغيير نظام التبرع بالأعضاء بحيث تصبح أعضاء المتوفين متاحة تلقائيا لمن يريد التبرع بأعضائه بعد وفاته عن طريق استحداث بطاقة المتبرع التي تبيح للطبيب نقلها دون الرجوع الى أهل المتوفى، وقليلون هم الذين يفكرون في التبرع بأعضاء أجسامهم، حيث أن الغالبية العظمى منا لا يحبون التفكير في ما الذي سيحدث لأعضاء أجسامهم بعد وفاتهم. غير أن ندرة الأعضاء المتاحة لكي تزرع في أجسام المرضى الذين يحتاجون إليها أصبحت ظاهرة تشتد وطأتها يوما بعد يوم، ومن بين الذين يشغلون قائمة الانتظار يموت آلاف الأشخاص سنويا بسبب عدم تمكنهم من الحصول على متبرع يمنحهم الأمل في استعادة الحياة والشفاء. المجتمع الجزائري غير واع بأهمية التبرع تم خلال السنة الماضية القيام بثماني عمليات زرع كبد لثمانية مرضى بمركز بيار وماري كوري لمكافحة السرطان بالعاصمة، وقد أشرف على عمليات زراعة الكبد فريق طبي متكون من 35 عضوا برئاسة البروفيسور ''قرابة''. وتعتبر زراعة الأعضاء معجزات طبية، ونظرا لوجود نقص شديد لتغطية احتياج المرضى للأعضاء وطول قائمة الانتظار فإن مركز بيار وماري كوري لمكافحة السرطان يشجع تبرع الأحياء للمريض سواء من الأقارب أو غيرهم، إذ يمكن على سبيل المثال زرع جزء من كبد متبرع حي لمريض بفشل أو تليف الكبد أو حتى سرطان الكبد، حيث ينمو ما تبقى من كبد المتبرع بعد الجراحة ليعود إلى حجمه الطبيعي في خلال أسابيع بعد العملية، كما ينمو الجزء المتبرع به للمريض ليصل إلى الحجم الطبيعي في الجسم، ومثل هذه العملية الجراحية المعقدة والحساسة تحتاج لتجنيد فريق طبي يتكون على الأقل من 35 عضوا من أطباء أخصائيين في الجراحة والتخدير والإنعاش وأعوان شبه الطبي، وتتطلب العملية 15 ساعة. وقد نجح فريق البروفيسور قرابة منذ بدئه برنامج زرع الأعضاء في فيفري 2003 في زراعة 24 كبدا من متبرعين أحياء بنسبة نجاح قدرت ب ,70 علما أن الجزائر هي الرائدة في المغرب العربي ومن الأوائل في بلدان المشرق العربي في هذا المجال، كما أن نسبة حالات العيش تماثل النسبة المحققة في فرنسا، ومايزال على المستوى الوطني فعل الكثير للوصول إلى تحقيق أهداف البرنامج الوطني لزراعة الأعضاء في شقه المتعلق بزراعة الكبد، على غرار تطوير عمليات التبرع بالأعضاء من الموتى، وهي النقطة التي بقيت تراوح مكانها منذ الإعلان عنها في ,2003 كون المجتمع الجزائري مايزال غير واع بأهمية هذه الخطوة في إنقاذ أرواح بشرية? ولتفعيل هذا البرنامج ينادي الأطباء بضرورة العمل على تجنيد المجتمع برمته بتأطير من مؤسساته الفاعلة، والعمل أكثر في الجانب التحسيسي لإقناع المواطنين بفكرة التبرع بأعضائهم بعد الوفاة، بل لابد أن تحمل بطاقة التعريف الوطنية لكل متبرع إشارة تدل على أنه متبرع بالأعضاء، تماما مثلما هو معمول به في البلدان المتقدمة. زراعة عضو يعيد الأمل في الحياة تعتبر زراعة الكلى والتبرع بها من أكثر عمليات نقل الأعضاء التي تتم في المستشفيات الجزائرية لأسباب عديدة، وقد نبه الدكتور طاهر زيان رئيس الجمعية الجزائرية لأمراض الكلى إلى ضرورة التبرع بأعضاء الموتى سيما وأن الجزائر تعرف تسجيل 3 آلاف مريض بالعجز الكلوي سنويا، وتفاءل خيرا بإنشاء المعهد الوطني لزرع الأعضاء بالبليدة لأن هذا المركز بإمكانه أن يضاعف عمليات الزرع إلى 10 مرات على ما هو عليه الآن، حيث يقارب 200 عملية زرع سنويا وهو عدد قليل جدا على خلفية وجود النص القانوني والديني الذي يجيز العملية. علي شاب من ولاية المدية يبلغ من العمر خمسة وعشرون سنة يعاني منذ سنوات من قصور حاد في عمل الكليتين، حكم عليه بالمكوث أمام آلة تصفية الدم لفترات طويلة فلا أحد يستطيع تخفيف آلامه إلا هذه الآلة، أو حل يراه علي غير بعيد وهو إيجاد متبرع يمنحه كلية تساعده على العيش كغيره من الناس. يقول علي إن أسوأ شيء يمكن أن يتعرض له إنسان هو أن يفقد عضو من أعضاء جسده العمل نهائيا والأصعب من ذلك أن تحاول إقناع شخص بالتخلي عن عضو سليم من جسده لصالح شخص آخر محتاج إليه، لذلك نجد أن نسبة كبيرة من المتبرعين هم من أقارب المرضى وفي أغلب الأحيان تكون الأم هي المتبرع الأول والرئيسي كما هوالحال معي، فبعد عذاب سنين طويلة وفقدان الأمل في الشفاء وانعدام كلية متبرع خارجي وبعد إلحاح كبير من أمي وأبي اللذين أرادا التبرع لي بكليتهما وإخراجي من المعاناة الطويلة التي كنت أعيشها مع الألم وملازمتي آلة تصفية الدم لفترة طويلة، وبعد إجراء التحاليل اللازمة التي استغرقت وقتا طويلا، حدد الأطباء موعدا لإجراء العملية بعد موافقة كلية أمي للشروط اللازمة. وإن كان علي محظوظا بعثوره على كلية متبرع فإن العديد من المرضى مايزالون ينتظرون دورهم في إيجاد متبرع يمنحهم الأمل في الحياة ليس في قسم أمراض الكلى فقط بل في أقسام عديدة في المستشفيات خاصة زراعة الكبد والقرنية.