خيرة بوعمرة خلّفت مصادقة نواب المجلس الشعبي الوطني على القانون المتعلق بأنشطة وسوق الكتاب بحر الأسبوع الفارط، زوبعة من الانتقادات لدى فريق من الكتاب والناشرين,الذين وجدوا في القانون تأكيدا صارخا على البيروقراطية وخرقا كبيرا لمبدأ حماية الحريات التي يضمنها دستور الدولة، كما اعتبروه دعما للوبيات المتحكمة في سوق الكتاب، فيما ثمّن فريق الموالين صدور القانون الذي يعولون عليه كثيرا في تنظيم سوق الكتاب وضبط نظام النشر بعد سنوات من الفوضى. تضارب الآراء وتباين المواقف جو طبيعي خلفه انفراد وزارة الثقافة بإعداد مسودة قانون دون استشارة أصحاب الشأن من الكتاب والناشرين الذين لم يتحصلوا بعد أسبوع من المصادقة على القانون على نسخة منه, فيما تم طرح المسودة على نواب المجلس الشعبي الوطني وأغلبهم لا يفقهون في قواعد النشر وقوانينه شيئا حسب رأي رئيس نقابة الناشرين أحمد ماضي، وهو ما جعل أغلب اقتراحات التعديل تمس الجانب الشكلي للمواد دون المضمون، حيث جاءت أغلب التعديلات في شكل تصحيحات وضبط للمصطلحات الفضفاضة التي تضمنتها مسودة المشروع على غرار استبدال عبارة "السيادة والوحدة الوطنيتين" بعبارة "السيادة الوطنية والوحدة الوطنية". كما تم تحديد مفهوم عديد المصطلحات على غرار الكتاب, الناشر, بائع الكتاب, الكتاب شبه المدرسي .. وتضمن قانون الكتاب الذي خرج إلى النور بعد ست سنوات من التعطيل والتأجيل بسبب من يسميهم البعض ببارونات النشر في الجزائر أربعين تعديلا ووافقت لجنة الثقافة والسياحة للمجلس الشعبي الوطني على 11 تعديلا من أصل أربعين وتكفلت بانشغالات 6 منها، فيما تم سحب 8 اقتراحات من قبل مندوبي الأحزاب. حيث رفض إلغاء التنصيص على الترخيص لتنظيم التظاهرات الخاصة بالكتاب، ولم تتبن اللجنة التعديلين المتعلقين بعبارة الديانات الأخرى "احترام الأديان الأخرى معتبرة إياها قيمة أساسية في مبادئ الدين الإسلامي"، بالإضافة إلى التزام الجزائر بمواثيق الأممالمتحدة التي تقر مبدأ احترام الهوية الوطنية والقيم الثقافية للمجتمع وهو ما تكرسه كل دساتير الجزائر ليتم الإبقاء على عبارة "الالتزام باحترام كل الأديان باعتباره ثابتا أصيلا في التشريع". وهو ما اعتبرته الناشرون والكتاب وكذا عدد من السياسيين مناقضا لمبادئ الدستور التي تؤكد على تكريس الديمقراطية وتضييق فاضح على المهنيين سواء من حيث تضييق حرية النشر أو من حيث فرض الرقابة على مجال التوزيع والتسويق، و اعتبر القانون الذي يفرض على الناشرين والكتاب استصدار رخصة من وزارة الثقافة لتنظيم أي نشاط تأكيدا آخر على البيروقراطية وتركيز القرار في يد وزارة الثقافة وهو ما من شأنه إضعاف النشاط الثقافي والرجوع به إلى الخلف عكس ما كان منتظرا منه. كما تضمنت المادتان 56 و 57 فرض غرامات مالية تتراوح ما بين خمسمائة ألف دينار إلى مليون دينار على كل من خالف أحكام المواد 9. 15 و 25 من هذا القانون ومصادرة الكتب محل المخالفة وفي حالة العود تضاعف العقوبة، وشدد قانون العقوبات المتعلق بمخالفة الأحكام المتعلقة بالمصحف الشريف ومصادرة الكتب موضوع المخالفة. من جهة أخرى يؤكد القانون على دعم الدولة لنشر الكتاب باللغة الامازيغية، إضافة إلى اقتراح إنشاء لجنة تضم خبراء وفقهاء وعلماء من القطاعات الوزارية المهنية لمراقبة استيراد الكتاب وإخضاع طبع الكتاب شبه المدرسي ونشره واستيراده وتسويقه إلى ترخيص من الوزارة المكلفة بالتربية الوطنية، فيما تم حصر دعم الدولة لقراءة الكتب والمطالعة العمومية في مؤسسات التربية والتعليم العمومية فقط دون الخواص وهو ما قد يسحب البساط من تحت أقدام دور النشر المتخصصة في نشر هذا النوع من الكتب. رئيس النقابة الوطنية للناشرين أحمد ماضي ل"الحوار": القانون يدعم لوبيات ومافيا النشر في الجزائر قال رئيس النقابة الوطنية للناشرين ومدير دار الحكمة أحمد ماضي بأنه كان من أكبر المطالبين بقانون الكتاب ينظم مهنة النشر, حتى قبل أن ينتخب على رأس النقابة. مذكرا بأن وزيرة الثقافة السابقة "خليدة تومي" كانت قد استدعت النقابة منذ سنوات لاستشارتهم بخصوص إعداد مسودة قانون الكتاب لنسمعوا حسبه بعد ست سنوات بوجود مسودة قانون على مستوى المجلس دون أي التفاتة للمهنيين، وتساءل ماضي عن أسباب إقصاء الناشرين من المشاركة ضمن أشغال إعداد مسودة القانون, وهو القانون الذي لم يكن من المفروض أن يتم إعداده إلا بالاستفادة من اقتراحات وخبرة المهنيين المشتغلين في القطاع. قائلا "كيف يتم تغييبنا ونحن المعنيون بهذا القانون". وكشف رئيس نقابة الناشرين بأن الاتصال بنواب من كل الكتل البرلمانية والذين وجدهم لا يفقهون في مشروع القانون شيئا ليتكفل بتزويدهم بمعلومات ومقترحات من شأنها خدمة النشر. وأكد ماضي أن هناك حوالي 7 مواد في القانون لم يتم تعديلها رغم أنها تعتبر محور القانون وعموده الفقري، وهي المواد التي اعتبرها ماضي مقيدة لحرية النشر ومكرسة لمبدأ البيروقراطية التي أكد رئيس الجمهورية والوزير الأول على محاربتها من خلال عديد الإجراءات ليأتي قانون الكتاب ويكرسها بشكل يعزز قوة اللوبيات التي تتحكم في سوق الكتاب، وتساءل ماضي كيف يمكن العمل في جو الرقابة والتضييق الذي تفرضه الوزارة من خلال القانون الذي يفرض على الناشر أو المكتبي أو حتى الكاتب للحصول على رخصة من قبل وزارة الثقافة لفتح مكتبة مثلا، إضافة إلى تقييد نشاط المكتبيين بحيث ليس من حق مكتبة في ولاية ما أن تبيع لولاية أخرى وهو ما رفضه ماضي جملة وتفصيلا واعتبره مناقضا لمبادئ الديمقراطية والتعددية الحزبية التي ترفض مبادئ دكتاتورية بحتة وتكريس البيروقراطية. ووجه رئيس نقابة الناشرين في تصريحه للحوار إصبع الاتهام للوزيرة السابقة للقطاع خليدة تومي التي حملها مسؤولية دعم وزراء كانوا يحتكرون مجال النشر منذ سنوات ويكونون لوبيات منذ عهد الحزب الواحد ومازال يتحكم في السوق إلى يومنا هذا. كما أثار ماضي موضوع تجاهل وزارة الثقافة لأوامر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بخصوص تفعيل دور مرصد الكتاب الصادر العام 2009 ضمن مرسوم رئاسي لم يتم تنفيذه لحد الساعة ليبقى نشاط المرصد يسير تحت الطاولة تجنبا لفضح المستور الذي تعمل الوزارة على حمايته منذ عهد تومي التي رفضت العمل بشكل شفاف لأنه يجعل الجميع أمام المسؤولية ويضطرهم للعمل بشفافية، فيما حاولت نادية لعبيد إعادة الأمور إلى نصابها حيث راسلت النقابة منذ مدة لتكوين لجنة لإعادة ترتيب الأمور في المرصد وهي المراسلة التي ردت عليها النقابة بتعيين عضوين منها كممثلين عنها في اللجنة وذلك شهر أكتوبر الماضي لتقوم الوزيرة بتوقيع قرار تفصيل المرصد بتاريخ 1 فيفري من السنة الجارية دون أي التفاتة جديدة للنقابة. رئيس المنظمة الوطنية لناشري الكتب مصطفى قلاّب ذبّيح: على الوزارة إشراكنا في صياغة تنظيم المرافق للقانون ثمن رئيس المنظمة الوطنية لناشري الكتب ومدير دار الهدى مصطفى قلاب ذبّيح صدور قانون الكتاب والذي قال بأن منظمته تعوّل عليه كثيرا في تنظيم المهنة وإرساء أخلاقياتهاوتحميل الفاعلين مسؤولية الأداء الحسن الذي من شأنه إرساء أسس قوية لصناعة الكتاب في الجزائر بعد ست سنوات من الانتظار، ليبقى على الناشرين حسبه مسؤولية بلورة التنظيم الذي يرافق تطبيق القانون باعتبارهم فاعلين في القطاع لضمان التطبيق الأمثل للقانون. وطالب مدير دار الهدى بأن يتم إشراك الناشرين في إرساء بنود التنظيم الذي اعتبره على أهمية كبيرة في تنظيم المهنة. واعتبر قلاّب على عكس الكثير من الناشرين بأن إقصاء الناشرين من عملية بلورة نصوص القانون طبيعية وليست من اختصاصهم بعدما تمت استشارتهم في مرحلة الاقتراحات من قبل الوزيرة السابقة خليدة تومي. وفي سياق رده على سؤالنا بخصوص الانتقادات التي يواجهها القانون قال محدثنا بأن هناك سوء فهم فادح لمواد القانون, مضيفا أن حرية الناشرين تقتصر على إثراء المكتبة الوطنية, بما يتماشي مع أخلاق المهنة ومبادئ دستور الدولة ولا يوجد أي مادة تمنع النشر لأن الدستور يضمن حماية الحريات ولا يوجد أي قانون يمكنه من تجاوز الدستور باعتباره أعلى تشريع في الدولة. كما اعتبر قلاّب مصطفى ذبّيح أن القانون سجل سابقة تاريخية من حيث تضمنه لنصوص تعتبر سابقة في التاريخ من بينها منح الخواص حق النشر في مجال الكتاب شبه المدرسي لأول مرة، كما صار من حق الخواص فتح المكتبات العمومية، أما بخصوص اشتراط ترخيص النشاطات من قبل وزارة الثقافة فقد أبدى رئيس منظمة الناشرين ارتياحه من هذا الطرح الذي قال بأن من شأنه تنظيم الوسط الذي سيبقى غارقا في الفوضى إن لم يتم تدارك الأمر بإدخال القانون حيز التطبيق. مديرة دار البرزخ سلمى هلال تؤكد: الوزارة استغلت تنازع الناشرين فيما بينهم لتقصيهم تساءلت مديرة دار البرزخ, سلمى هلال في تصريح لجريدة الحوار, حول أسباب عدم حصول الناشرين على نسخة من القانون المتعلق بأنشطة وسوق الكتاب رغم أن نواب المجلس الشعبي الوطني كانوا قد صادقوا عليه منذ قرابة الأسبوع. وهو ما جعل المهنيين حسب مديرة منشورات البرزخ في حالة من القلق تجاه مضمون القانون. وأفادت ذات المتحدثة أن الناشرين من القانون غير واضح لأنه مبني لحد الساعة على ما كتب ونشر عبر الصحف, وهو ما زاد من قلق المهنيين رغم تفاؤلهم من الجانب المنير من القانون والمتعلق بما تضمنه القانون من قواعد ونصوص إيجابية فيما يخص دعم القراءة في المدارس من خلال إعداد ورقة القراءة في المدارس ودعم المكتبات, تدابير اعتبرتها مديرة منشورات البرزخ إيجابية لكنها مبهمة في ظل عدم حصولهم على نسخة من القانون الذي يعنيهم بالدرجة الأولى، بالمقابل أضافت ذات المتحدثة بأن هناك بعض من النصوص التي تقلق المهنيين على غرار اشتراط الرخصة لاستمرار في ممارسة المهنة كناشرين، إلى جانب موضوع الرقابة التي ستكون مفروضة على الناشر والتي تتبع أي عنوان ينشر, هو نص قالت سلمى هلال إنه يعطي السلطات العمومية الحق في منع نشاط أي ناشر لأن نص هذه المادة فضفاض بشكل يفتح المجال لتحكم السلطة من جهة ويضيق الخناق على الناشرين من جهة أخرى. وهو يمكن المؤسسات الرسمية على أن تنحو في مسار غير ديمقراطي. من جهة أخرى حمّل سلمى هلال مسؤولية إقصاء الناشرين من إعداد مسودة القانون للناشرين و الجو غير المنظم الذي يشتغلون فيه وهي نقطة الضعف التي استغلتها وزارة الثقافة في إبعاد الناشرين عن طريقها.