ولمواصلة النقاش والحوار حول الفكر الذي دعا إليه الشهيد سيد قطب وفكر الاخوان، نستعرض هنا رد حفيد المرشد الخامس للاخوان المسلمين مامون الهوضيبي، ابراهيم الهوضيبي، في ردّه على دفاع محمد عبد الرحمان، عضو مكتب الإرشاد، فيقول بالتصرف: يبدو الحديث حول أفكار الأستاذ سيد قطب وعلاقتها بجماعة الإخوان مسألة معقدة وستزداد تعقيدا لأسباب، أهمها أن موقف أغلب القيادات التنظيمية التي يجرى انتخابها منه موقف ملتبس، فهم من جهة يخالفون ما يذهب إليه المفكرون من أهل الاختصاص من كونه مختلفا في منهجه وأفكاره عن الأستاذ البنا، من جهة أخرى يرفضون أن يوصموا بالقطبية، ومع ذلك يدافعون عن أفكاره، ومن جهة ثالثة تتميز الكثير من كتاباتهم وتصريحاتهم عن الأستاذ قطب، بالارتباك المنهجي. وأتصور أن سبب صك مصطلح القطبية هو قدرته التفسيرية العالية، وتفصيل ذلك أن الألفاظ إنما هي قوالب للمعاني، الهدف منها نقل الأفكار من ذهن المتحدث إلى ذهن السامع، ومن البديهي أن الأستاذ قطب يتفق مع الأستاذ البنا فى بعض الأفكار، وأن تلك الأفكار ليست هي ما يميز فكره بحيث تستحق النسبة إليه، بل كانت الرؤية المتكاملة التي دارت حولها فكرته هي أهم ما ميزه إخوانيا، وهي التي يتناولها المصطلح الذى نحن بصدده. والاختلاف الرئيسي بين مشروعي الأستاذين البنا وقطب يتمركز حول نقاط محددة، أولها الموقف من المجتمع، فالأول صاحب مشروع اندماج، والثاني صاحب مشروع انفصال شعوري لا يشعر بالانتماء للمجتمع، وغاية البقاء الجسدي فيه هو استقطاب أفراده للتنظيم، ويظهر عدم الانتماء للمجتمع في الرفض الكامل لمفاهيم كالقومية والوطنية، واعتبارها من مظاهر "الشرك الخفية: الشرك بالأرض والشرك بالجنس والشرك بالقوم"، لأنه "لا جنسية للمسلم إلا عقيدته"، لأن الإسلام لا يعترف إلا بآصرة "العقيدة الإسلامية وحدها دون أواصر الجنس والأرض واللغة واللون والمصالح الأرضية القريبة والحدود الإقليمية السخيفة"، كما يقول في المعالم. ولا شك في اختلاف هذا عن مشروع الأستاذ البنا، الذي مدح في رسالة دعوتنا في معاني الوطنية «حب الأرض وألفتها والحنين إليها والانعطاف نحوها»، وكونها دافعة للعمل «بكل جهد لتحرير البلد من الغاصبين وتوفير استقلاله وغرس مبادئ العزة والحرية في نفوس أبنائه»، وكذلك «تقوية العلاقات بين أبناء القطر الواحد»، ولم يرفض منها إلا «تقسيم الأمة إلى طوائف تتناحر وتتضاغن وتتراشق بالسباب وتترامى بالتهم»، وقال مثل ذلك في القومية، ولا شك أن الفرق واضح، فيمكن التعبير عن مشروع الأستاذ قطب، بأنه مشروع الانتماء الأوحد، ومشروع الأستاذ البنا، بأنه مشروع توازن دوائر الانتماء. ومشروع الأستاذ البنا، هو مشروع انفتاح على المجتمع وتواضع، يعرف أن الجماعة لا تمثل الإسلام، وإنما هي جماعة بشرية قابلة للخطأ، وهي لذلك لا ترى بأسا في أن «يتقدم إلينا من وصلته هذه الدعوة.. برأيه في غايتنا ووسيلتنا وخطواتنا، فنأخذ الصالح من رأيه»، مؤمنة بأن «مع كل قوم علما، وفي كل دعوة حقّا وباطلا»، أما مشروع الأستاذ قطب، فهو مشروع استعلاء على المجتمع اقتناعا بضلاله البيّن والحق المطلق للجماعة (من حيث أنها الفئة المؤمنة بين أناس جاهلين)، مما يوجب أن"نستعلى على هذا المجتمع الجاهلي وقيمه وتصوراته.. إننا وإياه في مفترق طريق، وحين نسايره خطوة واحدة، فإننا نفقد المنهج كله ونفقد الطريق".
ومشروع الأستاذ قطب يهمش الإبداع والفكر، فهو يؤجل كل قضية فكرية مقابل سؤال أساسى هو عنده القضية كلها: أأنت مع الفئة المؤمنة أم ضدها؟، ويرى تأجيل طرح كل قضية فكرية لما بعد «إقامة مملكة الله في أرضه»، ويعتبر الدخول في القضايا الفكرية والرد على تساؤلات العامة وتقديم مشروع إسلامي متكامل من علامات الضعف والهزيمة النفسية. والأستاذ البنا، قدم في رسائله الحلول الواقعية الإجرائية، والاستراتيجية الفكرية للمشكلات التي رآها، وقدم عرضا كاملا لمشروعه وموقفه من القضايا والمفاهيم المختلفة، والفرق هنا هو الفرق بين مشروع ثوري لم يأخذ من العنف إلا موقفا مؤقتا، بمعنى أنه كان يرى أن الوقت غير مناسب لاستخدامه؛ «فلا ضرورة في هذه المرحلة لاستخدام القوة»، وبين مشروع إصلاحى يؤمن بالنضال الدستوري. وبهذا يتضح أن التمايز بين المشروعين واضح، بحيث أن القطبي (أي المتبني لأفكار الأستاذ قطب) له اتجاه فكرى متمايز، وهذا الاختلاف بين المشروعين كان يدركه الأستاذ قطب، فقد حدثني الأستاذ فهمى هويدى، أنه حينما ظن الإخوان أن الأستاذ قطب يقصدهم بقوله «إلى الفتية الذين أراهم في خيالي قادمين» فى مقدمة أحد كتبه، علّق هو على ذلك، بأن قال للأستاذ هويدى، إن الإخوان أساؤوا فهم مقصده، وإنه يقصد فتية غيرهم. كما أن عددا من قيادات الإخوان أدركوا هذا الفارق، فقد حدثني جدي المستشار المأمون الهضيبى، حين سألته عن كتاب المعالم، قال «المعالم لا يمثلنا في شيء وأفكار الأستاذ سيد لا تمثلنا في شيء». وحدثني الدكتور فريد عبد الخالق الذي زرته لأتحقق من شهادته، فأملاني وكتبت في حضوره وأقر ما كتبت عن الخلاف بين المنهجين، قال إنهما «يتفقان ويختلفان، فهما يتفقان في الإنطلاق من الإسلام والرغبة في الإصلاح، ويختلفان في التصورات الرئيسية، وفي فهم النصوص ومقاصدها.. ومنهج البنا يبحث عن مربعات مشتركة للتعاون الإنساني لتحقيق الأهداف العليا.. أما منهج سيد قطب فيرفض الواقع وينعزل عنه ويراه واقعا جاهليا يمنع من عبادة الله.. وأنا أتفق مع المستشار البشري في أن منهج الأستاذ قطب يختلف كثيرا عن منهج الأستاذ البنا». يتبع…