هي هكذا طبائع السياسة والحكم في الجزائر، فعندما تحسم الأمور على أعلى المستويات ويتفق الفرقاء على كلمة سواء بينهم، حينها فقط تجتمع القاعدة " النضالية " في العلن للتصديق على ما قرره الكبار في جلساتهم المغلقة. كما أنه ليس من الصدفة في شيء أن يقدم عبد القادر بن صالح على التنحي من زعامة الآرندي صبيحة انعقاد المؤتمر العاشر لحزب جبهة التحرير، هذا الحسم المتزامن لحروب المواقع في أكبر تشكيلتين سياسيتين في البلاد يوحي بأن علية القوم قد توصلوا للحد الأدنى من التوافق بينهم على المعالم الكبرى للمرحلة القادمة من عمر النظام، وحددوا دور كل طرف فيها بعناية، وأننا على أعتاب تغييرات كبرى تعيد هندسة الخريطة السياسية من جديد بشكل يضمن انسجام كل مكونات السلطة في مرحلة لا تحتمل إطلاقا تصعيد الصراع بينهم. سعداني نجح في فرض منطقه على مستوى جهاز الحزب، تدعمه في ذلك جهات نافذة في أعلى هرم السلطة وهو لسان حالهم أو كأنه كذلك، وفي الجهة الأخرى ينهي سي أحمد إجازته التي طالت نوعا ما ليعود إلى إدارة دفة الآرندي ومعه أمر بمهمة واضحة حرره له من أعاده على رأس الحزب، بعد إخراج الرجل الثاني في الدولة من الباب الضيق كأن لم يغن بالأمس. هذه كلها مؤشرات بالغة الدلالة تؤكد أن هناك طبخة ستستوي قريبا، ولم يبق للطبّاخ الماهر القائم عليها إلا إضافة بعضا من التوابل والبهارات، فلا نملك إلا أن نقول لهم بصحتكم… !