يضطر معظم شبابنا الجزائري إلى تعليق فكرة الزواج وتأخيره إلى أجل غير مسمى، بسبب الظروف المادية الصعبة التي يتخبطون فيها من صعوبة تقلد منصب عمل محترم يضمن للإنسان كرامته ويسمح له بفتح بيت، فضلا عن مشاكل السكن وغيرها التي تحيط بيوميات المواطن الجزائري. يعتبر سن الأربعين أهم محطة تستوقف الرجل وتذكره بضياع أيام شبابه، فلا زوجة تأنس حياته وتقاسمه الآلام والأفراح، ولا أبناء يشغلونه ويكبرون أمام عينيه، وعليه يسارع الأعزب في هذه الحالة إلى اللحاق بقطار العمر واستدراك ما أمكن إدراكه بالارتباط. وعلى الرغم من كون معظم الشباب الجزائري لا يعزمون على عقدة النكاح حتى يأكل منهم الدهر ويشرب، إلا أنهم حينما يقررون لا يترددون في اختيار فتاة تصغرهم سنا بشكل مبالغ، فلا عجب أن يرتبط رجل في سن الأربعين أو حتى الخمسين من فتاة في العشرين، وحتى أنه يشترط صغر سنها ولا يقبل هو ولا عائلته أن تقربه الفتاة سنا، متجاهلين بذلك احتمالية أن لا يتوافقا في طريقة التفكير أو أن يتسبب فارق السن في صنع فجوة كبيرة بينهم من جهة، ويساهم هذا المنطق من جهة أخرى في تفشي العنوسة بين الجزائريات، فإن كانت الفتاة المرشحة للزواج هي فقط تلك التي في بداية العشرينات، فمن يرتبط بغيرهن من الفتيات. وفي استطلاعنا حول الموضوع تحدثنا إلى الخالة حورية، وهي أم ل4 ذكور، ولا تعترف بالزواج المبكر أبدا، حيث شجعت أبناءها على شق طريقهم في الحياة بالدراسة والعمل وتحقيق الذات قبل التفكير في الزواج، وقد أخبرتنا بأنها رفضت فعلا طلب يد أي فتاة كان أحد أبنائها ينوي الارتباط بها حينما كان غير قادر على تحمل مسؤولية فتح بيت في نظرها، أما الآن ولما بلغ أصغر أبنائها سن ال39 بدأت الخالة حورية في مهمة البحث عن فتيات مناسبات لأجل خطبتهن لأبنائها، إلا أنها أكدت شرط ألا يكون عمر الفتاة يتعدى ال25 سنة كأقصى حد، ففي نظرها تقدم سن الرجل لا يعيبه أبدا، ومهما بلغ من الكبر فإنه يستحق أن يختار ما يشاء من الفتيات، خصوصا إذا كان قادرا على تحمل المسؤولية وظروفه المادية جيدة. أما سارة وهي فتاة في الثالث والثلاثين من العمر، فقد أكدت أنها قلقة جدا على مستقبلها، وتخشى أن لا يحالفها الحظ في الزواج، خصوصا وأن العرسان توقفوا عن طرق بابها منذ ما يقارب ال5 سنوات، ولم تعد تتلقى أي عروض مناسبة للزواج باعتبار أنها بدأت تكبر في السن، والطلب يكون عادة على الشابات في بداية العشرينات.
عائشة دحمان بلحجار: علينا محاربة فارق السن بتشجيع الزواج المبكر أشارت عائشة دحمان بلحجار، رئيسة المنتدى الإسلامي العالمي للأسرة والمرأة في تصريح للحوار إلى أن فارق السن الكبير الذي بات يتجلى في الكثير من الزيجات بمجتمعنا الجزائري هو إشكال ناتج عن تأخر سن الزواج بالجزائر والذي يضر المرأة بالدرجة الأولى، فالرجل حتى وإن فاق سنه الخامسة والأربعين إلا أنه يفضل الزواج من فتاة تصغره بفارق سن كبير ويحدث ذلك فعلا، وعليه أكدت عائشة بلحجار بأن التخلص من هذه الظاهرة يتم من خلال تشجيع الزواج المبكر وإقناع الشباب من رجال ونساء بأن المفهوم الحقيقي للحياة الزوجية ليس ماديا وإنما هي علاقة متبادلة ومبنية على التفاهم والصبر، ولذا على الزوجة أن تصبر على زوجها وتتعايش مع ظروفه كأن توافق على العيش معه في بيته العائلي إذا لم يكن له مسكن خاص، ومن الضروري أيضا اقتناع العائلات بعدم المغالاة في المهور وتبسيط تكاليف الزواج، وعلى الفتيات أيضا تقبل فكرة التدرج في الحياة والحصول على المتطلبات المادية مرحلة بمرحلة لأن الشاب في بداية حياته تكون إمكانياته المادية بسيطة، إلا أنه سيتزوج من فتاة تقترب من عمره وفكره. كما أشارت ذات المتحدثة إلى وجود سياسة عالمية غرضها دفع الشباب إلى العزوف على الزواج في سن مبكرة من أجل إيقاعهم في فخ العلاقات غير الشرعية، وعليه يتعين علينا محاربة هذا التوجه بتشجيع أبنائنا على الارتباط في سن مبكرة، كما طالبت عائشة دحمان بلحجار الدولة بتقديم منحة للمتزوجين حتى تضمن لهم الحد المعيشي الأدنى من جهة وتكون حافزا يدفعهم للزواج المبكر من جهة أخرى.
عبد القادر باخو: على المسلم أن يحصن نفسه بالتبكير في الزواج أوضح عبد القادر باخو مدير الشؤون الدينية والأوقاف لولاية إيليزي أن تأخر سن الزواج الذي تعاني منه بعض المناطق الجزائرية لا سيما ولايات الشمال يعود في الغالب لنقص الإمكانيات المادية للشباب في مقابل المغالاة في المهر وشروط الزواج من وظيفة محترمة بأجر جيد إلى توفير السكن وغيرها من متطلبات العصر، بالإضافة إلى اهتمام الشبان والفتيات بالرفع من مستواهم العلمي من خلال الدراسات الجامعية العليا، ليتجهوا بعدها إلى البحث عن منصب عمل مناسب، وكل هذه المشاريع تستمر لسنوات طويلة وبالتالي تساهم في تأخر سن الزواج. وأضاف عبد القادر باخو أنه من الناحية الشرعية يجب التبكير في الزواج، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "شرار موتاكم العزاب"، فعلى المسلم أن يعمل جاهدا على تحصين نفسه بالزواج حتى الموت، فقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يتزوجون بمجرد وفاة زوجاتهم. آمنة/ ب