طرقت باب الآلاف بل الملايين من الجزائريات مثقفات، ذوات حسن وأخلاق، لكن ذلك لم يمنع من أنهن دخلن سوق العنوسة التي فتحت أبوابها على مصراعيها هذه السنوات باستقبالها 200 ألف فتاة سنويا يلتحقن بركب من فاتهن قطار الزواج، وإن كان التعبير مبالغا فيه فالزواج اليوم لم يعد محددا بسن بعد أن تغيرت الظروف والمعايير. دعا بعض رجال الدين للتصدي لها بعدم المغالاة في المهور وتقليل الشروط لتسهيل سبل الزواج، كما دعا بعض السياسيين إلى إنشاء صندوق للزواج لمساعدة الشباب الراغب في إتمام دينه للحد من ظاهرة العنوسة التي باتت تهدد النسق الاجتماعي لما لها من آثار نفسية واجتماعية وخيمة . "شيوخ على البوار" الزواج من الشيوخ أصحاب الأورو خاصة صار ظاهرة في مجتمعنا، خاصة وأن عدد المتقاعدين الجزائريين الذين قضوا سنوات الخدمة بفرنسا يعد بالآلاف، هؤلاء الذين باتوا هدفا للفتيات اللواتي فاتهن قطار الزواج لايخفين ذلك بل يتحدثن فيما بينهن عن الفرص التي تلقوها من شابات في سن الثلاثين والأربعين. الشيخ مجيد أحد هؤلاء الذين يتقاضون منحة التقاعد بالأورو يقول إنه لم يكن يعتقد بأنه سيأتي اليوم الذي تعرض عليه فتيات أنفسهن للزواج، وقد بلغ من العمر 69 سنة ورغم أنه يدرك السبب جيدا،إلا أنه يرى بأن لا مانع من فكرة الزواج، خاصة وأن زوجته كبيرة في السن ومريضة، كما أنها لم تعد تفي باحتياجاته وطلباته. ويضيف أنه أخبر زوجته مؤخرا بأنه يفكر في الزواج بأخرى فلم تعارض، طالما أنه سيوفر للثانية بيتا مستقلا بعيدا عنها، وتبقى هي في ''الفيلا'' رفقة ولديها، كما أنها اشترطت عليه أن يكتب لابنيها الميراث قبل الزواج، حتى لا تتزوجه الثانية على طمع، أو تفكر في الإنجاب من أجل الميراث. أما العروس التي استقر عليها الشيخ مجيد فلا تتجاوز ال37 من عمرها، ولم يسبق لها الزواج. آسيا فتاة أخرى من ضواحي العاصمة تجاوزت ال37 دون أن تتزوج، وهو ما اعتبره أهلها وأقاربها نهاية العالم، ولم تتردد والدتها في عرضها على شيخ من بلدتها بمجرد أن فقد زوجته، لأنه متقاعد ويتقاضى مرتبه بالأورو على أساس أنه حتى ولو توفي، وتركها في نصف المشوار، فسوف تعيش حياة كريمة بمرتبه، لم تعارض آسيا ما فعلته والدتها وقالت إن نظيراتها يتهافتن على الزواج منه، لكنهن لا يملكن الجرأة على الإقدام على ما فعلته أمها الحريصة على مستقبلها. وعن فارق السن لم تبد أي تذمر، لأنها حسب قولها يئست من الارتباط بأحد من سنها أو حتى أعزب يفوقها سنا، لأن الشباب الجزائري مهما بلغوا من العمر يختارون فتيات صغيرات لا يتجاوزن العشرين. وفي كل الأحوال تضيف آسيا: ''الزواج بشيخ أحسن من البوار مدى الحياة، والناس في مجتمعنا لا يعيبون الفتاة التي تتزوج رجلا كبيرا في السن، بينما يزدرون الفتاة التي لا تتزوج.'' وطرحت آسيا قضية حساسة جدا تمس كل الفتيات العوانس قائلة : ''أفكر يوم يغادر والدي الحياة، ساعتها سأبقى خادمة لدى إخوتي وزوجاتهم أربي أولادهم، ولا أسمع حتى كلمة شكر، خاصة وأني ماكثة بالبيت، فلو كنت عاملة ومثقفة لكان الأمر أهون''. أما والدتها فاعتبرت مثل هذه الزيجة صفقة، لأن المتقاعدين الذين يتقاضون منحهم بالأورو صاروا هدفا للكثير من الفتيات حتى اللواتي لم يفتهن قطار الزواج. "مجانين و ذوو عاهات يتسابقون لخطبة العوانس" غالبا ما تتجرأ بعض العائلات على خطبة الفتاة العانس لأبنائها المعوقين أو حتى المختلين عقليا لاعتقاد مسبق بأنها لم يعد لديها الخيار ويمكنها أن ترضى بالقليل، وفي حين تقبل بعض العوانس بالأمر الواقع تعتبر أخريات مجرد عرض مثل هذا الزواج عليهن إهانة لها لا تقبلنها. وهو حال فريدة التي بلغت من العمر 45 سنة قبل أن تتزوج مؤخرا منذ أسبوعين، وهي التي عرفت دوما برفعها شعار ''زوج كما يحب خاطري وإلا أبقى بائرة مدى الحياة'' وهذا بعد أن تقدمت إحدى العائلات تخطبها لابنها الذي يبلغ نفس سنها، لكنه مريض بفصام الشخصية، ولا يستغني على الأدوية وحالته متأخرة بعد أن عانى من المرض قرابة عشرين سنة، ولا أمل في شفائه. وكل ما في الأمر أن والدته خشيت أن تموت وتتركه لوحده ففكرت في تزويجه فريدة التي تجاوز سنها الأربعين، وبالتالي فلن ترفض، بل وأكثر من ذلك اعتبروا أنهم صنعوا لها جميلا بالتقدم لخطبتها لابنهم. وقد نصحها محيطها بالقبول به على أساس المعتقد الشعبي الذي يقول ''زوجه يبرأ'' وهو ما يدفع غالبا بالعائلات بتجريب الزواج للشباب المرضى كحل أخير لعلهم يستعيدون توازنهم الداخلي، لكن فريدة ورغم تعاطفها مع الشاب رفضت خاصة بعد سماعها التعليقات التي تصب كلها في اتجاه واحد ''ليس لديها خيار آخر'' وانتظرت أربع سنوات أخرى حتى حضر من اقتنعت به وكان أعزب مثلها يبلغ ال47 من العمر. وكان لها ما أرادته، لكن حظ فريدة لم تحظ به الأخريات اللواتي يقدرن بالملايين اليوم، ولسان حالهن يلوم الرجال الذين لا يقصدون إلا الفتاة الصغيرة، ويعتبرون أمثالهن قد دخلن الأرشيف: بهذه العبارة اشتكت لنا سعاد 39 سنة حالها، وهي الفتاة التي حظيت طيلة حياتها بحظ في العرسان الذين تقدموا لها في سن معينة، لكنها رفضتهم الواحد تلو الآخر، وفي كل مرة كانت ترفض فيها عريسا تنتظر في قرارة نفسها أن يأتي الذي هو أحسن منه، إلى أن جاء اليوم الذي انقطع عنها العرسان، خاصة بعد أن شاع في الحي وبين الأهل والزملاء أنها متكبرة وشروطها كبيرة، أما اليوم فهي نادمة وتقول: إنها أضاعت الفرص والوقت، خاصة عندما تلتقي بصديقات الطفولة فتجدهن سيدات متزوجات وأمهات منذ زمن. أما الآن وقد أوشكت على بلوغ الأربعين تروي سعاد فقد تقدم لها كهل مطلق ويعيل طفليه بعد أن تخلت عنهما والدتهما وتزوجت . وتقول إنها شعرت بالصدمة بعد أن تقدم لها شخص مطلق بلغ الخمسين، وصدمت أكثر لأن والداها أبديا موافقتهما عليه خوفا من أن لا يتقدم غيره في المستقبل ويحكم عليها بالعنوسة المؤبدة، خاصة وهم يرون فتيات كثيرات في الحي والعائلة بلغن الخمسين وتجاوزنه دون ارتباط. المهم أنها وجدت نفسها كما تقول مضطرة للقبول، خاصة وأن العريس سيوفر لها بيتا، بينما الشباب أغلبهم عازفون عن الزواج بسبب أزمة السكن.