تفسير المؤمنين للشيخ أبو جرة سلطاني الجزء الثاني ومهما حاولنا تقصي هذه المسألة سوف يبقى فيها أقوال غير راجحة وغالبيتها مرجوحة، لأنه لم يقطع فيها أي فريق بنبض قاطع أو برأي جامع كونها علامة قرآنية توقيفية أثبتها الوحي المنزل من غير أن يفسّرها ودون أن يسأل عنها الصحابة رسول الله (ص)، فتلقتها الأمة بالقَبول كما تواترت لصيقة بالتنزيل فصارت وحيا واجب الإيمان به دون خوض في تفاصيله، ولكن الثابت هو ما عليه أكثر علماء الأمة من أن البسملة هي فاصلة بين جميع سور القرآن الكريم، واختلفوا في ورودها في سورة الفاتحة كونها تحتل الترتيب الأول في المصحف الشريف، بقول بعضهم إن الفاتحة نزلت مرتين كما سوف يأتي بيانه لاحقا، وكان يفترض أن تكون لها بسملتان واحدة للاستهلال كسائر السور- عدا التوبة- وواحدة بعدها للاستئناف والابتداء، كونها آية من السورة وليست مفتاحًا لها على رأي من يقول: إن البسملة آية في هذه السورة فيترتب عن هذا الاعتقاد واجب قراءتها في كل ركعة من الصلوات المكتوبة، وكذا النافلة على أصحاب هذا المذهب وأتباعه.
أما الإشارة المرتبطة باسم الجلالة "الله" لفظًا لازمًا بصيغة واحدة لم تتغير متبوعة بصفة الرحمن وبعدها صفة الرحيم، فسوف نتدبرها عند تفسيرنا لسورة الفاتحة، وقد اقترنت التسمية باسم الله، بصيغ الأمر والنعت والصفة والتعظيم والتكريم… الخ، تسع عشرة مرة منها مثلا ما ورد في ذكر اسم الله على طيب الطعام (فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين) الأنعام: 811 ومنها ما دعت إلى فعل الخيرات وألحّت على الإكثار من ذكر الله أيام الحج والتشريق (…ويذكروا اسم الله في أيام معلومات…) الحج: 82 ، ومنها ما جاء لافتا نظر المؤمنين إلى الأخذ بالأسباب واحترام سنن التدافع وعدم المجازفة بمحاولة مغالبتها وبيان أماكن العبادة والتوحيد حيث يذكر المؤمنون اسم الله كثيرًا:(..ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا…) الحج: 04 ، والبقية جاء الاسم مقرونًا بصفة الربوبية كقوله تعالى: (اقرأ باسم ربك الذي خلق) العلق: 1، وقوله:( تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام) الرحمن: 87 ، وقوله: (إن هذا لهو حق اليقين- فسبح باسم ربك العظيم) الواقعة: 59 – 69 ، وسواها، لكننا عندما نطلق مصطلح "البسملة" فإننا نعني به الصيغة الكاملة لها التي ينطقها المؤمن عند قراءة القرآن أو لحظة مباشرة أمر ذي بال..بقوله : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وليس مثلاً: بسمك اللهم، أو باسم الله قاصم ظهور الجبارين، أو باسم الواحد الأحد الفرد الصمد..إلى غير ذلك من صيغ يجوز الاسنئناس بها بذكرها عند ورود أحوالها في الذكر والدعاء والتسبيح..لكن صيغة البسملة بصفتها الكاملة عند ابتداء كل عمل ذي بال هو المقصود في معنى البسملة، وهل هناك أمر أعظم وأجل من تلاوة القرآن الكريم؟؟ يتبع…