آمنة/ ب 90 قتيلا خلال العشر الأوائل من رمضان تعرف حوادث المرور ارتفاعا محسوسا بالجزائر مع دخول شهر رمضان الكريم، حيث تشير الإحصائيات إلى وقوع 90 قتيلا خلال العشر الأوائل منه، ويعود ذلك إلى العديد من الأسباب، لعل أهمها تهور السائقين و غياب الثقافة المرورية لديهم، بالإضافة إلى عدم تحلي البعض بأخلاق الصيام، وتحويلهم الطرقات إلى حلبات للمصارعة. لحظة تهور أو إفراط في السرعة أو تجاوز ممنوع كفيلة بالتسبب في حادث مروري ينجم عنه مآس حقيقية من إزهاق في الأرواح، وإعاقات دائمة وحسرة لا يمحوها الزمن، ومع ذلك فإن انعدام المسؤولية لدى الكثير من السائقين تجعلهم يتعاملون باستهتار ويعرضون حياتهم وحياة غيرهم إلى التهلكة، وحجتهم في ذلك طول ساعات الصيام وارتفاع درجات الحرارة. ..طرقاتنا تحت رحمة العصبية الزائدة يؤكد أغلب السائقين أن رمضان شهر تصعب فيه السياقة عموما، خاصة في الصيف بسبب ارتفاع درجات الحرارة من جهة وطول ساعات الصيام من جهة أخرى، و غالبا ما يتقاذف السائقون والمشاة التهم، حيث يؤكد سائقو المركبات بأن أغلب المشاة بدورهم لا يتمتعون بأدنى حس للثقافة المرورية عندنا في الجزائر، وهذا حتى في الأيام العادية، أما في رمضان فحدث ولا حرج لأن الأمور تتفاقم وتخرج عن زمام السيطرة تماما، حيث تتراجع الفطنة لديهم والانتباه بسبب قلة النوم والحرمان من القهوة والدخان وغيرها من الأسباب التي تظل لصيقة بالصيام إلى أن يرفع الله الأرض وما عليها والتي يرجح أنها السبب في تفاقم حوادث المرور خلال شهر رمضان. يقول أحد قدماء سائقي سيارة الأجرة بالعاصمة إن العصبية الزائدة في شهر رمضان تتصل بالقدرة على الصبر والإيمان، لافتا إلى أن المدخنين هم الأكثر عرضة للوقوع في قصة النرفزة وإحداث المشكلات خلال ساعات الصيام، ومثل هذه السيناريوهات تعودنا عليها منذ زمن وكلما أقبل علينا شهر الصيام تحضرت نفسيا لمواجهة الاستفزازات والجنون و"الشريات"، ولولا أن الإنسان يتحلى ب"سبع عقول" كما يقال عندنا في العامية لحدث ما لا يحمد عقباه" وأنا كسائق أجرة في قلب العاصمة تعلمت درسا مهما أطبقه خاصة في رمضان وهو أن أتعامل مع بقية السائقين على أنني العاقل الوحيد في وسط المجانين، وبالتالي فلا ألوم أحدا ولا أعاتب أحدا وأفضل أن أتحلى بالصبر على أن أتحول إلى سائق مجنون." ويواصل السائق "أما شماعة رمضان التي يعلق عليها الصائمون مخالفاتهم المرورية فما هي إلا سبب مفضوح، لأن الكل صائم وليس من يستعرض عضلاته في الطرقات وحده صائم، بل بالعكس، أنا أرى أن من يمن على الناس بصيامه، من الأحسن له أن يفطر أحسن من المهازل التي تحدث يوميا في طرقاتنا من شجارات و سب وتراشق بالألفاظ الخادشة، وتعارك بالأيدي، حتى من طرف السيدات، وهذه ظاهرة جديدة بدأت تطفو على المجتمع الجزائري، أن تقف سيدتان في منتصف الطريق تخرجان من سيارتهما وتتبادلان اللكمات أمام الملأ، فهذه سوابق خطرة تحدث في طرقاتنا وللأسف أنها تحولت إلى ظواهر عادية، خاصة خلال رمضان. بن حليمة مسعود الناطق الرسمي لجمعية طريق السلامة: مدارس السياقة في قفص الاتهام أوضح بن حليمة مسعود الناطق الرسمي باسم جمعية طريق السلامة وعضو بالمركز الوطني للأمن والوقاية عبر الطرقات في تصريح للحوار أن غياب الثقافة المرورية سبب رئيس من أسباب تفشي حوادث المرور، كما حمّل مسؤولية كثرة الحوادث لبعض مدارس السياقة، الذين يمنحون الرخصة لأشخاص غير مؤهلين لذلك تماما، ولا يعرفون حتى إشارات المرور، حيث تشير الإحصائيات إلى وجود حوالي 72 قتيل في الأسبوع الأول من رمضان، وقد يكون الرقم أكبر من ذلك لأنها عبارة عن حصيلة أولية. وأشار بن حليمة مسعود أن حوادث المرور تشهد ارتفاعا محسوسا في شهر رمضان الكريم، وذلك راجع لعدة أسباب أهمها السهرات الليلية التي اعتاد عليها الكثيرون، والتي تجعل الإنسان يقوم وهو مضطرب ومتوتر ومتهور، وبالتالي يتصرف بشكل غير مسئول، خصوصا وأن البعض لا يفقهون المعنى الحقيقي للصيام، ولا يهتمون خلال الشهر الكريم سوى بالمأكولات، كما أضاف بأن صراع السائقين مع الزمن يحتدم عند اقتراب ساعة الإفطار، فتجد اللافتة تشير إلى 100 كلم في الساعة بينما يتخذ السائق سرعة 140، وهذا التهور يعود على الآخرين بالضرر ويهدد حياتهم بالموت أو الإعاقة. غرور السائقين يخلف المجازر اعتبر بن حليمة مسعود أن السبب الرئيس لوقوع حوادث المرور بكثرة يعود لغرور بعض السائقين وعدم احترامهم لقوانين المرور، فبمجرد أن يستقل الشخص سيارته حتى يشعر أنه إمبراطور ويسمح لنفسه بخرق قانون المرور، وأكد أن الكثيرين منهم يتعاملون بمنطق البقاء للأقوى "طاق على من طاق"، كما أنكر بأن يكون للتدخين أو تعاطي المخدرات يدٌ في انتشار حوادث المرور موضحا بأن الدراسات تشير إلى أن 80 بالمئة من المدمنين عبر العالم العربي ينامون طوال اليوم ويسهرون ليلا في رمضان، وبالتالي من غير الممكن أن يتسبب المدمنون في حوادث المرور، وإنما السبب الجوهري وراء وقوع الحوادث هو أن السائق الجزائري بات يفتقد الثقافة المرورية ويفتقد قانون المرور الذي يعتبر قانونا عالميا، فبينما ينص قانون المرور على أن السياقة داخل المدينة لا تزيد عن 50 كلم في الساعة، تجد الغريب في الجزائر أن الشخص الذي يتقيد بهذا القانون قد يتعرض للمضايقة من طرف الساقين الآخرين الذين يطلبون منه زيادة السرعة. كما أشار المتحدث ذاته إلى أن التحسيس في مجال الثقافة المرورية لم يعد حاضرا كالسابق، فعلى رغم الانفتاح الذي تشهده الجزائر في مجال السمعي البصري وانتشار القنوات التلفزيونية والإذاعية، إلا أننا لا نملك قناة خاصة بثقافة السائق حتى تقوم بالتحسيس في مجال السلامة المرورية، مستذكرا برنامج طريق السلامة الذي كان يبث على القناة الوطنية، والذي كان قريبا من كل جزائري وطريقة مثلى للتحسيس، كما اعتبر البرنامج بمثابة تربية وردع وثقافة وسياحة وأخلاق في آن واحد. أما بالنسبة للأساليب والطرق التي يمكن من خلالها تفادي وقوع حوادث المرور فأشار الناطق الرسمي باسم جمعية طريق السلامة إلى ضرورة إعادة النظر في رخص السياقة وفي وسائل الردع أيضا، بالإضافة إلى حتمية تكاثف الجهود من أجل تغيير سلوك السائق الجزائري، من خبراء ومختصين في علم النفس والاجتماع، بالإضافة إلى وزارة التربية وكل من له اليد في التصدي لهذه الظاهرة، ولا بد من الانتشار على مستوى الدوائر وتوزيع مطويات التحسيس على مستوى محطات البنزين كما الحال في الدول المتقدمة. يحي بلحاج مزيان رئيس الجمعية الجزائرية للطرقات: التحسيس لم يغير من سلوك السائقين أكد يحي بلحاج مزيان رئيس الجمعية الجزائرية للطرقات والتي تم حلها مؤخرا في تصريح للحوار، أنه وبعد 5 سنوات من تأسيسه للجمعية أيقن أن معظم السائقين في الجزائر لا يولون التحسيس في مجال الثقافة المرورية أي اهتمام، وبالتالي فإن الجهود المبذولة من طرف الناشطين في مجال التوعية والتحسيس لا تخرج بأي نتيجة. وأشار يحي بلحاج مزيان إلى أن ارتفاع حوادث المرور لا يكون في شهر رمضان وفقط وإنما فصل الصيف كله يشهد زيادة في نسبة الحوادث نتيجة لتهور الشباب وأصحاب الرخص الجديدة الذين يتصرفون بشكل غير مسئول، فضلا عن بعض مدارس تعليم السياقة التي تمنح الرخص لأشخاص غير مؤهلين للسياقة، وأشار إلى ضرورة ردع المتسببين في حوادث الطرق لأجل الحد من هذه الظاهرة. عبد القادر باخو مدير الشؤون الدينية والأوقاف لإليزي: المتسبب في الحوادث بالتهور والسرعة ..مجرم أوضح عبد القادر باخو، مدير الشؤون الدينية والأوقاف لولاية إيليزي في تصريح للحوار أن التهور والإفراط في السرعة وعدم احترام إشارات المرور إذا نتج عنهم وقوع حادث، فإن السائق المتسبب فيه يعتبر مجرما وإذا تسبب الحادث في مقتل شخص فذلك يعتبر قتل عمد، وعليه على الإنسان أن يسوق بحذر في كل وقت ولا سيما أثناء الصوم. وأضاف المتحدث ذاته بأن النفس ليس ملكا لصاحبها ولا يحق للإنسان تعريض حياته للخطر، ولقد جاء في الآية الكريمة "وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا"، ولقوله تعالى أيضا "وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ"، ولقوله تعالى: ""مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا"، ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "منْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّم". وأشار عبد القادر باخو إلى أن تصرف السائقين بطيش يخلف مآسي حقيقية، فهناك أسر تفنى وأرواح تزهق ونساء ترمل، وإنجازات ومنشآت تهدم نتيجة الاصطدام، وبينما تعتبر الطرق مسالك الناس في شؤونهم وقضاء حوائجهم، وهي السبيل إلى المنافع والأسواق والمدارس والجامعات والمساجد، وإذا أصبحت خطرا فكل هذه الأمور تتعطل، وحوادث الطرقات باتت وكأنها حرب مدمرة تزهق فيها الدماء بسبب نقص الوعي والتخلي عن المسؤولية والإهمال وضعف التربية، وعلينا أن نستخلص درسا من الأمر، فغزوات الرسول "صلى الله عليه وسلم" كلها لم يتجاوز عدد القتلى فيها 400 شخص بينما تحصد حوادث المرور أرقاما مخيفة. والجدير بالذكر أن أعلى نسبة من الحوادث سجلت خلال الساعة الأخيرة قبل الإفطار كما هو معروف وشائع، مما دفع الأمن الوطني تحت قيادة اللواء عبد الغني الهامل إلى إطلاق مبادرة "إفطار صائم" لصالح مستخدمي الطريق السيار، أين يتم تقديم وجبات للإفطار، وتدخل هذه العملية في إطار تعزيز مهام الوقاية والسلامة المرورية، كما تهدف إلى تثمين قيم التكافل الاجتماعي بين أفراد الأمن الوطني ومختلف شرائح المجتمع، لاسيما خلال شهر رمضان.. ومع كل ذلك مازالت الأرقام مفجعة والمجازر مستمرة.