الصحافة لم تفقد مصداقيتها، و ما يحصل في بلادنا هو انهيار لسلم القيم هامش الحرية الموجود في الجزائر كبير جدا، وما على الصحفي أو الإعلامي إلا أن يتسم بالجرأة والذكاء _ تجربته في الإعلام دخلت عامها الثاني عشر، تنقل فيها بين مختلف المؤسسات الإعلامية ليستقر به الحال كرئيس تحرير ليومية"وقت الجزائر"، حيث أثبت كفاءته كقلم شاب ومعطاء، أضاف لمسته في الصحافة المكتوبة وقاد فريقا شابا من الصحفيين بكل احترافية وجدارة. حاوره: كريم/ب تنقلت بين عدة مؤسسات إعلامية منها "الأخبار" و"الحوار"، قبل أن يستقر بك المطاف كرئيس تحرير ليومية "وقت الجزائر"..كيف تروي تجربتك الإعلامية اليوم؟ تجربتي في الإعلام دخلت سنتها الثانية عشر، حيث مباشرة بعد تخرجي من معهد الإعلام والاتصال بجامعة الجزائر في شهر جوان من سنة 2000، التحقت للعمل لبضعة أشهر في وكالة إنتاج سمعية بصرية خاصة وهي "أوديون فيزيون بلوس"، حيث أنجزت بعض الروبورتاجات السمعية البصرية التي بثت آنذاك في التلفزيون العمومي الجزائري، كما اشتغلت في نفس الفترة لبضعة أشهر بأسبوعية "الأيام الجزائرية"، قبل أن تتحول إلى يومية، ثم عملت كأستاذ للغة الفرنسية في الإبتدائي لمدة سنة في ولاية سطيف، قبل أن التحق لتأدية واجب الخدمة الوطنية، ومباشرة بعد إكمال فترة 18 شهرا، عاودت الإلتحاق بالصحافة مجددا، حيث اشتغلت في يومية "الأخبار" لمدة تفوق السنتين، ثم الحوار لمدة سنتين، كما تعاونت في نفس الوقت مع وكالة "ميديا ماركوتينغ" المختصة في متابعة الصحف الوطنية، لفترة من الزمن أيضا، قبل أن ألتحق بيومية "وقت الجزائر" مباشرة أثناء إطلاقها في فيفري 2009، وهي المؤسسة الإعلامية التي أقضي فيها السنة السابعة، وحاليا أشرف على رئاسة تحريرها، وذلك منذ مطلع جانفي 2015, في كل الأحوال بقدر ما أن الفترة التي قضيتها في الصحافة ليست طويلة جدا، مقارنة ربما بالكثير من الزملاء الذين سبقوني إلى هذه المهنة، إلا أن تعلقي بالصحافة، وتتبعي للأحداث، ومواظبتي على محاولة إنجاز أعمال جيدة، متقنة ومهنية، واحتكاكي بالعديد من الشخصيات والزملاء الصحفيين السابقين، كل ذلك مكنني من أن أصنع لنفسي إسما "متواضعا" في الصحافة، وذلك لم يكن سهلا بالطبع، حيث أنني قضيت معظم هذه السنين في العمل الإعلامي الميداني، فضلا عن مواصلتي للدراسات العليا، حيث أنهيت مؤخرا الدراسة في قسم "ماستر2″من المدرسة الوطنية العليا للصحافة، تخصص مؤسسات وتسيير وسائل الإعلام، كل ما سبق ولد لدي تراكمات ساهمت إلى حد ما في بروزي، قبل أن أترأس التحرير في الفترة الأخيرة على مستوى صحيفة "وقت الجزائر". رغم الكم الهائل للجرائد الصادرة اليوم، يرى الكثيرون أن الصحافة فقدت مصداقيتها..هل توافقهم الرأي؟ الصحافة لم تفقد مصداقيتها تماما، وإنما ما يحصل في بلادنا هو انهيار سلم القيم، حيث أصبح الكثيرون لا يفرقون بين الخير والشر والمتعلم والجاهل، والصالح والطالح، ولا بين ما هو مهم وليس مهم، فالصحافة حاليا تعكس الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي نعيشه بإجابياته ومساوئه، فهي مرآة هذا الواقع، وبالتالي ابتليت بجميع الصفات التي تلصق بهذا الواقع. في الحقيقة هناك بعض الصحف أو القنوات الإعلامية التي فقدت مصداقيتها بفعل عدم التزامها بالمهنية المفروضة وبأخلاقيات المهنة الصحفية، أو تجنيها على البعض، وعدم احترامها لذوق القارئ أو المشاهد، وهذا أمر طبيعي، فلا يمكن بأي حال من الأحوال استغباء المتلقي أو القارئ، لأنه رأسمال أي مؤسسة، والمتلقي ذكي خصوصا في زمننا هذا، حيث أصبح الكل يمارس الصحافة، وما ينشر في شبكات التواصل الاجتماعي أفضل دليل، وفي بعض الأحيان أقوى، ولكن هذا لا يعني أن نضع كل الوسائل الإعلامية في سلة واحدة كذلك، فتوجد صحف ذات مصداقية عالية جدا، كما يوجد إعلاميون ومسؤولو تحرير في مؤسسات إعلامية يتميزون بمهارات عالية، ويتمتعون بكفاءة ومصداقية، لذلك فلا يحق لنا أن نظلم الناس بأحكام اعتباطية. لا ترى بأن إنشاء نقابة وطنية قوية لحماية حقوق الصحفيين صار أكثر من ضروري اليوم؟ نعم هذا صحيح، وفي اعتقادي أن المقترح لا يختلف فيه إثنان، لاسيما إن كانا ينتميان إلى القطاع الإعلامي، فلماذا لا تكون للصحفيين نقابة مثل الأطباء أو القضاة أو المحامين، حيث كل فئة من هذه الفئات نقابة تدافع عن حقوقهم وتنظم المهنة. أظن أن وجود نقابة قوية تجمع الصحفيين سيقلق أكثر من جهة، لكن ذلك بات ضروريا أكثر من أي وقت مضى لكي يتم الرقي والنهوض بهذه المهنة وممتهنيها، ويحصل الصحفيون على حقوقهم المهضومة، رغم أن فتح المجال أمام قنوات تلفزيونية للنشاط بالجزائر، وإن كانت تخضع لقوانين دول أجنبية، ساهم إلى حد ما في تحسين الوضع الاجتماعي والمهني للصحفيين مقارنة بما كان عليه الأمر في السابق، لاسيما من خلال الأجور المرتفعة إلى حد ما التي يتقاضاها الصحفيون الناشطون في القنوات مقارنة مع زملائهم في الصحافة المكتوبة، فضلا عن الشهرة، التي كسبها البعض من خلال بروزهم فيها، ذلك ما فتح آفاقا جديدة للكثيرين، ولعل أفضل دليل هو أن الجزائر حاليا تعرف هجرة جماعية للإعلاميين من الصحافة المكتوبة نحو القنوات التلفزيونية. هل تعرض فاتح خلال مسيرته الإعلامية إلى ضغوطات الرقابة؟ الرقابة هي أساس العمل الصحفي، فلا يمكن تصور إعلام بدون رقابة، وإلا لماذا يوجد في كل مؤسسة إعلامية، رؤساء أقسام ونواب رئيس التحرير، ورئيس التحرير ومسؤول نشر..فكل منصب من هذه المناصب مهمة صاحبه الرقابة في بادئ الأمر. أضيف هنا أن الإعلامي يتعرض للرقابة يوميا داخل المؤسسة التي يشتغل فيها، والرقابة أنواع، وبالنسبة لي أرى أنني كنت أعرض نفسي للرقابة الذاتية أكثر، والآن أجد نفسي أراقب كل الأعمال الصحفية التي ينجزها الصحفيون، كما أراجعها وأصححها، وهذا من صميم مهامي بحكم منصبي كرئيس تحرير، لكن أؤكد أن ما أقوم به يتم بمهنية ووفقا لقواعد الاحترافية وما تفرضه أخلاقيات المهنة، والخط الافتتاحي للمؤسسة الإعلامية، وتبعا لصلاحياتي لا لأي اعتبار آخر. تتقلد منصب رئيس تحرير جريدة "وقت الجزائر"، بحكم تجربتك، كيف تقيم الجيل الجديد من الصحفيين؟ هناك كفاءات في مختلف المؤسسات الإعلامية من الرجال والنساء، ينبغي الاستثمار فيها جيدا، وتلقينها مزيدا من قواعد الاحترافية والموضوعية في الطرح، وإعطائها الفرصة للبروز، لكن على هذه العناصر أن تبادر أيضا بإنجاز أعمال متميزة، وعدم الاكتفاء بما هو متاح لأي كان. هل حققت قنوات السمعي البصري في عصر الانفتاح قفزة نوعية في المجال السمعي البصري؟ نعم، في اعتقادي إن الجزائر عاشت خلال السنوات القليلة الأخيرة ثورة في الإعلام، نتيجة فتح السمعي البصري أمام الخواص، فالكل أصبح ينتج، يناقش، يحلل، يعلق، ويطرح آراء في مختلف بلاتوهات هذه القنوات في سابقة هي الأولى من نوعها في الجزائر، بينما كان هذا الأمر غير متاح في الماضي، بل كان المرور في التلفزيون الجزائري حكرا على وجوه محددة دون سواها في كل مجال، وجد الجزائريون أنفسهم مجبرين على تلقي خطاب من جانب واحد، أما حاليا فالعكس تماما، فالفضاء السمعي البصري مفتوح على جميع الجزائريين بمختلف حساسياتهم وإيديولوجياتهم، كما أن فضاء الإنتاج السمعي البصري أصبح محررا، رغم بعض النقائص على غرار نقص الخبرة لدى معدي ومنشطي ومنتجي الكثير من البرامج في الإعلام أوحدوث بعض الأخطاء المهنية من حين إلى آخر لنقص الاحترافية أو التجربة. أما بالنسبة للرقابة الممارسة على هذه القنوات، فأظن أن ذلك راجع بالأساس إلى عدم التنصيب الكامل للهيئات التي نص عليها قانون الإعلام والقانون المنظم للنشاط السمعي البصري لاشيء آخر، فضلا عن الخوف من الانحراف ببعض القنوات إلى ما يحمد عقباه خاصة وأنه لم يمض عن الجزائر سوى سنوات بعد خروجها من أزمة أمنية عنيفة كادت تعصف بكل مقومات المجتمع، دفع أبناؤها الغالي والنفيس لاستعادة الأمن. يؤكد بعض ممتهني الصحافة اليوم بأن سقف الحريات تراجع في الجزائر، هل تقاسمهم الرأي؟ لا، صراحة أعتقد أن هامش الحرية الموجود في الجزائر كبير جدا، وما على الصحفي أو الإعلامي إلا أن يتسم بالجرأة والذكاء لاستغلال هذا الهامش خدمة للقضايا الهادفة والمهمة في المجتمع، وتنوير الرأي العام. في كل دول العالم هناك قوانين تنظم مهنة الصحافة والإعلام، وخطوط حمراء لا ينبغي المساس بها أو القفز عليها، كما إن لكل وسيلة إعلامية خط افتتاحي على الإعلامي أن يدركه ويحترمه، وفي آخر المطاف فالصحافة حرية لكنها مسؤولية أيضا، وهذا لا يعني عدم تسجيل بعض الضغوطات من بعض الأطراف من حين إلى آخر على الصحف والصحفيين ومسؤولي ومسيري المؤسسات الإعلامية من أجل فرض بعض التوجهات، في إطار الرقابة القبلية على ما ينشر، وذلك كله في اعتقادي يدخل في إطار سياسة "لي الذراع" الممارسة ربما لتركيع بعض الأقلام أوالمؤسسات المتمردة. هل يجد فاتح مع المسؤولية الملقاة على عاتقه الفرصة للقراءة والمطالعة؟ صراحة ليس لدي أي وقت للمطالعة، لكن أحاول بما تيسر أن أستفيد من كل شيء متاح لي. في بعض الأحيان لا أجد حتى الوقت الكافي لقضاء بعض الحاجيات الخاصة أو العائلية أو حتى زيارة الأقارب أو تلبية دعوات بعض الأصدقاء، الصحافة أخذت كل وقتنا.