عبد القادر كشناوي ارتبط اسم أدرار بالفلاحة منذ أزمنة غابرة، أي منذ بداية الحياة بهذه الولاية الصحراوية الشاسعة، التي كانت منطقة عبور للقوافل التجارية التي تعبر شمال القارة الإفريقية باتجاه غربها وجنوبها، وشكلت الفقارات المورد الرئيسي في سقي الواحات التقليدية وأهم مصادر الحياة وبقاء الإنسان بهذه المنطقة، وهي عبارة عن مجموعة من الآبار متصلة مع بعضها البعض وتمتد على مسافات تصل أحيانا إلى 10 كلم لجلب المياه بطريقة لا تحتاج إلى كهرباء أوقنوات ناقلة ليستقر الماء عبر مجرى يطلق عليه الساقية، ويتوزع على الفلاحين بطريقة علمية دقيقة بعد تجميع المياه في مكان يسمى بالقسرية ليأخذ كل فلاح نصيبه من الماء على حسب مساهمته في الفقارة، سواء كانت المساهمة مادية أو عملية، قصد سقي واحات النخيل والبساتين الزراعية بالمحيطات التقليدية التي توجد بها آلاف الفقارات موزعة على كافة قصور الولاية البالغ عددها 293 قصر، وكل قصر توجد به من 3 إلى7 فقارات أو أكثر على حسب الكثافة السكانية لكل قصر. تزخر ولاية أدرار بمساحة زراعية شاسعة جدا وثروات طبيعية هائلة ومياه جوفية عذبة ومناخ ملائم للعديد من المنتجات الزراعية ما جعل المنطقة تصنف على أنها فلاحية بامتياز، وبالحديث عن أهم مصادر قطاع الفلاحة بالمنطقة نجد أنها تتوفر على أراضي بمساحة إجمالية قابلة للاستغلال تقدر ب366 ألف هكتار، حيث أن المساحة المستغلة منها تصل إلى 35 ألف هكتار، فيما تقدر المساحة المسقية ب 29 ألف هكتار. ونظرا لندرة سقوط الأمطار يعتمد الغطاء النباتي على عملية السقي كوسيلة أساسية، حيث تنام الولاية على بحر عميق من المياه الجوفية، تقارب مساحته 600000 كلم مربع، أي ما يعادل 60000 مليار كلم مكعب. وتنقسم الفلاحة بالولاية إلى ثلاث أقسام، النمط الواحاتي الذي يعتمد على الفقارات بشكل أساسي في عملية السقي، والنظام الحديث الخاص بالمستصلحات الكبرى، إلى جانب التربية الحيوانية، حيث توجد بأدرار 27460 مستثمرة فلاحية بمساحة إجمالية تقدر ب 35806 هكتار، منها 16610 هكتار في القطاع التقليدي أو الواحاتي بعدد إجمالي لعدد المستثمرين يصل إلى 21 515 فلاح، و5945 مستثمرة فلاحية في قطاع الاستصلاح الحديث بمساحة زراعية تصل إلى 19196 هكتار.
* مجهودات الدولة تحتاج إلى دفع قوي
كانت الفلاحة التقليدية التي يشكل هذا النظام للسقي فيها مصدر عيش الأسر والعائلات، بل ولا زالت إلى حد الآن، لكن مع التطور والتحول الذي عرفته البشرية بدا التخلي نوعا ما عن الفقارات التي تراجع منسوب مياهها لعدة أسباب أبرزها الإهمال من قبل الإنسان ودخول الأنظمة الحديثة في الفلاحة التي تعتمد على الآبار الارتوازية والعميقة لسقي المستصلحات الكبرى منذ بداية الثمانينات. وحسب بعض شباب ولاية أدرار الذين تحدثوا ل "الحوار"، فإن المجهودات المبذولة من قبل الجهات المسؤولة لا تزال تحتاج إلى دفع قوي لإعادتهم كشباب إلى ممارسة النشاط الفلاحي، وكذا حماية الفقارات باعتبارها عصب السقي وأهم مورد مائي للفلاحة، مبرزين ضرورة أن تقدم لهم كل المساعدات المادية والإدارية إذا ما أرادت الجهات المسؤولة تسهيل مهمتهم وإعادة إدماجهم في القطاع الفلاحي. ويبرز البعض أن الفلاحة هي عصب الحياة بولاية أدرار، حيث هناك العديد من المقومات والمؤهلات مما جعلها ذات جاذبية للاستثمار من مختلف مناطق الوطن، إذ تشتهر المنطقة بإنتاج الحبوب والطماطم والخضروات ومختلف المنتوجات الحقلية إلى جانب ظهور منتج جديد وهي زراعة الذرة "الماييز"، إلا أن هناك تحديات كبيرة تواجة المستثمرين الفلاحيين والتي تقف عائقا أمام تحقيق الاكتفاء الذاتي، والعمل على تخفيف فاتورة استيراد الغذاء من الخارج رغم الإمكانيات الهائلة. * مشكل التسوية العقارية يلاحق أصحاب المستثمرات الفلاحية
إذا ما قارنا حجم الإمكانيات والمؤهلات التي تتوفر عليها ولاية أدرار في مجال الاستثمار الفلاحي والإنتاج نجد أن الطموحات والآماني بتحقيق الاكتفاء الذاتي والمساهمة في تخفيض واردات الغذاء بالنسبة للجزائر لا تزال بعيدة المنال نظرا لعدة اعتبارات واجهت الفلاحين أهمها مشكل التسوية العقارية الذي حرم الكثير من الفلاحين من الاستفادة من القروض البنكية التي تسمح لهم بتطوير وتحديث مستثمراتهم نظرا لعدم توفر الملكية العقارية التي يشترطها البنك للحصول على القروض وأموال الدعم، وهو ما شكل عقبة كبيرة للكثير من المزارعين الذين اضطروا للتخلي كليا عن خدمة الأرض ومنهم من اضطر للتنازل عنها لأصحاب رؤوس الأموال، فيما هناك فئة أخرى هجرتها. ويذكر بعض الشباب، أن مشكل التسوية العقارية حال دون استفادتهم من القروض البنكية الأمر الذي عطل استحداث مستثمراتهم الفلاحية، متسائلين عن الأسباب التي حالت دون القضاء على مثل هذه الإجراءات الإدارية البيروقراطية. وحسب مصادر مختصة، فإن عملية تقييم وتطهير أراضي الاستصلاح الزراعي في إطار قانون 83 /18 المتعلق بالحيازة على الملكية العقارية الفلاحية لم تعرف أي تقدم ملحوظ منذ سنة 2005 خصوصا بعد المراسلة رقم 7322 المؤرخة في 06 /06 /2009 من المديرية العامة لأملاك الدولة التي تنص على تجميد الحيازة على الملكية العقارية الفلاحية، ولهذا السبب بقيت العملية مجمدة إلى غاية إصدار المنشور الوزاري المشترك رقم 402 المتضمن طمأنة الفلاحين بخصوص ملكيتهم العقارية، وكذا التعليمة رقم 162 المتضمنة إعادة تنشيط الآليات المتعلقة بالعقار الفلاحي في الولايات الصحراوية، وبناء عليه انطلقت عملية التسوية العقارية من قبل الجهات الوصية وكافة الشركاء والتي تمس 12739 مستفيد بمساحة إجمالية تقدر 91212 هكتار. وسمحت العملية بتسليم 61 عقد ملكية بمساحة إجمالية تقدر ب 3747 هكتار. وبعد تفعيل المنشور رقم 402، لوحظ أن العدد الكلي لقرارات رفع الشرط الفاسخ فاق ما تم إنجازه في الفترات السابقة، حيث أن لجان الدوائر المكلفة بالمعاينة قامت بمعاينة أكثر من 25000 هكتار تم من خلالها تحرير 366 قرار لرفع الشرط الفاسخ في غضون عامين من صدور التعليمة. ونظرا لكون العديد من المحيطات الفلاحية غير مرسمة، فإن تسوية وضعية الحيازة على الملكية العقارية الفلاحية لم تتم بنفس الوتيرة بل بقيت مرتبطة بتسوية وضعية المحيطات في إطار القانون المعمول به مع تفعيل التعليمة الوزارية رقم 162 المتضمنة إعادة تنشيط الآليات المتعلقة بالعقار الفلاحي بالولايات الصحراوية. وبناء على هذا، فقد وصل عدد المحيطات الفلاحية إلى 173 محيط منتشر عبر تراب الولاية، بمساحة إجمالية تقدر ب 106737 هكتار، موزعة على 12739 مستفيد، هذه المحيطات تنقسم إلى فئتين، منها من استفاد في إطار 103 محيط، ويقدر عددهم ب 4585 مستفيد، تتضمن 2876 حالة إيجابية، و378 سلبية، وبمساحة إجمالية تقدر ب 55 158 هكتار، منها 20 903 مساحة مهجورة. وفيما يتعلق بفئة 70 محيطا، فقد استفاد منها 8155 شخص، بمساحة إجمالية تقدر ب 55578 هكتار، منها 38 323 مساحة مهجورة، فيما تتضمن حالات الاستفادة 1679 حالة إيجابية و79 سلبية، وهي كلها معطيات تخص استصلاح الأراضي الزراعية في إطار القانون المتعلق بالحيازة العقارية الفلاحية.
* الاستعانة بالكوابل بدل الكهرباء
ومن بين ما يعانيه أصحاب المستثمرات الفلاحية مشكل الكهرباء التي تشهد نقصا كبيرا في عدد من المحيطات المنتشرة عبر الدوائر والبلديات، الشيء الذي دفع الشباب والمستثمرين للجوء إلى ظاهرة جر الكوابل من على مسافات بعيدة تصل أحيانا إلى 5 كيلومترات، هذا فضلا عن الفاتورة الباهظة التي أثقلت كاهل العديد من المزارعين، إلا أنه ورغم هذه العوائق الآن فإن التحدي والإصرار هو السمة التي تطبع المهتمين بمجال غرس الأرض وحرثها، حيث كشفت الأرقام المشجعة للحبوب السنة الماضية، على أن العديد من الفلاحين دخلوا نادي الخمسين بل وصل بعضهم إلى سقف 60 قنطارا في الهكتار الواحد على مستوى محيطات سطح عزي بفنوغيل وعين الفتح بدائرة زاوية كنتة التي تعتبر قطبا فلاحيا بامتياز، هذا إلى جانب أوقروت التي انتشرت بها الزراعة الحقلية من خلال المئات من البيوت البلاستيكية التي تعدت منتجاتها عامل الاستهلاك وأصبحت الخضر توجة إلى الصناعة التحويلية، خاصة ما يتعلق بمواد التجميل.
* تراجع منسوب مياه الفقارات يهدد المساحات الزراعية التقليدية
عرف الإنتاج الفلاحي بأدرار، تراجعا نسبيا في السنوات الأخيرة، بسبب هجرة عدد من الفلاحين لمستثمراتهم الزراعية بالقطاع الحديث أو ما يعرف بالرش المحوري، جراء غلاء تسعيرات فواتير الكهرباء وصعوبة درجة الحرارة التي تتلف كل شئ طازج وخاصة بالنسبة للفلاحين المستصلحين القادمين من الشمال، الأمر الذي انعكس سلبا على المحاصيل الزراعية كما وكيفا. غير أنه يبدو أن العدوى انتقلت إلى القطاع التقليدي أوالفلاحة الواحاتية التي تعتمد في الأساس على مياه الفقارات في عملية الري، وهي التقنية الفريدة التي تميز أدرار عن باقي ولايات الوطن، حيث تحتوي على أزيد من 1400فقارة منتشرة عبر القصور التي يفوق عددها 290 قصر موزعة على 28 بلدية و 11 دائرة، غير أن هذا العدد الهائل من الفقارات أصبح يتضاءل بمرور السنين، حيث أن 305 فقارة تراجع منسوبها إلى 100 في المائة وأصبحت لا تصلح إلا للأرشيف، و لم تبق -حسب مسؤولي القطاع – إلا 897 فقارة يتفاوت منسوب المياه فيها من واحدة لأخرى، حيث تشكل 100 في المائة من مصادر السقي الفلاحي بالقصور، حتى هذه الفقارات مهددة هي الأخرى بالزوال. ويرجع سبب هذه الوضعية -حسب الفلاحين – إلى قلة الاهتمام وانعدامه في بعض الأحيان، سواء من طرف المالكين أوالمهتمين، حيث عزف الشباب عن خدمة هذا الإرث الحضاري لسبب أو لآخر، إضافة إلى قلة الأغلفة المالية المخصصة لإعادة التهيئة والترميم. وحسب الغرفة الفلاحية بأدرار، فإن هناك غياب حقيقي لاستراتيجية فعلية ومدروسة في المشاريع التي تمنح للمقاولين والتي استهجنها الفلاحين، كون المقاولين لا علم لهم بأبسط شيء في كيفية التعامل مع الفقارة، ولا هم لهم سوى الكسب السريع، ودعوا إلى إشراك الفلاحين والمالكين في العمليات المبرمجة في هذا الشأن، ناهيك عن الخطر الذي تسببه الآبار العميقة التي انتشرت في الآونة الأخيرة و التي حفرت بالقرب من الفقارات، مما أدى لانخفاض منسوبها، غير أن الوكالة الوطنية للموارد بأدرار أكدت أن إنجاز الآبار العميقة، تم تبعا لدراسة تقنية معمقة مع الأخذ بعين الاعتبار تأثيرها على الفقارات، حيث عمدت إلى حفرها على بعد 1200م، إضافة إجراء تحاليل فيزيائية وكيميائية لمراعاة نسبة الملوحة التي تبقى مستوياتها مقبولة حسب التحاليل التي قامت بها الوكالة بين عامي 2005 و2006، أما فيما يتعلق ببرامج كشفت المصالح الفلاحية ل" الحوار"، عن إجراءات جديدة سيتم اتخاذها بدءا من الموسم الحالي لفائدة الفقارات بالولاية، إذ تم في بحر شهر أكتوبر من العام المنصرم إعداد بطاقات تقنية لكل فقارة للتعرف على وضعيتها وما تحتاج إليه، وقد أوكلت مهمة ذلك لفريق من الخبراء والتقنيين، بالتنسيق مع الملاك والفلاحين ليتم ضبط الآليات والطرق الكفيلة بإنقاذ ما يمكن إنقاذه، علها تشفع للمواطنين في إعادة الإنتاج المحلي الذي أخذ نجمه في الأفول تاركا الولاية تحت رحمة سبع شاحنات. يحدث هذا رغم ملايير الدينارات التي صرفت على القطاع في إطار برنامج الدعم الفلاحي الذي تحول في غياب الرقابة والمحاسبة إلى خراب فلاحي. * مغلق منذ الثمانينات إعادة فتح مصنع الطماطم برقان وكشفت مصادر عليمة ل"الحوار"، أنه سيتم خلال هذه السنة إعادة الحياة لمصنع الطماطم برقان المغلق منذ الثمانينيات من أجل بعث الروح من جديد في زراعة الطماطم التي تخلى عنها الكثير من الفلاحين جراء غياب فضاء التسويق، في حين أنها كانت المنتوج الأبرز بالولاية، وتعدى مجال تصديرها خارج حدود الوطن إذ كانت تسوق عبر طائرات عسكرية تنطلق من مطار رقان العسكري باتجاه مدن باريس، بروكسل وفرنكفورت نهاية السبعينيات وإلى غاية منتصف الثمانيينات، وأما الآن فإن حالها لا يتعدى تحقيق الاكتفاء الذاتي الأسري.