عمود في الميزان يكتبه كل إثنين: أ/ زين الدين بن مدخن ليس هذا عنوان مسلسل تركي مدبلج، أو قصة حب من نسج الخيال، أو رواية من الزمن الغابر، بل هي ملحمة خالدة خطت بدماء الرجال ودبجت بأرواحهم الزكية. وادي الشوك معركة من المعارك الخالدة لثورة التحرير المباركة، دارت رحاها الطاحنة بأرض سوق اهراس، وعلى سفوح جبال بني صالح الشامخة ذات 26 أفريل 1956. انتصر فيها الدم على الظلم، وانحازت فيها الغلبة للحرية -على جسامة الخسائر وعدد الشهداء أكثر من 600 شهيد رحمهم الله- فتحطم قيد المستدمر وتكسرت عنجهيته وجبروته، لينبلج صبح الحرية مبددا حياة الهون والمذلة، معلنا قبر أسطورة خط موريس الذي لا يعبر. إنها بحق صفحة ناصعة من تاريخ الجزائر الحبيبة، تذكرتها وأنا أستحضر لقائي بأحد صناع هذه الملحمة المجاهد مداقين المدعو –محمد لصناب- شفاه الله، أحد ضباط جيش التحرير الوطني الذي رغم سجله الحافل بالبطولات والمرصع بالإنجازات، إلا أنه يلقاك في تواضع يخجل منه التواضع. وتذكرت وصيته بوجوب الحفاظ على الجزائر وصونها والذود عنها. إلا أن شعورا بالوجل انتابني وأنا أدقق وأمحص واقعنا محاولا لملمة أطراف صورة الساحة السياسية لفهم المآلات، فوجدت الانقسام قد طال الطبقة السياسية دون استثناء، فالتيار الوطني منقسم، والإسلاميون منقسمون، ومن يسمون أنفسهم ديمقراطيون منقسمون أيضا، فكيف السبيل إلى صون الوطن و"النخب" تفشل في الاجتماع على الحد الأدنى من القواسم المشتركة –وما أكثرها- والطبقة المثقفة بعضها يلتحف السواد ويحترف النحيب فلا يرى إلا غسق الليل وحلكة الظلام، ويتقن النقد الذي ينتهج السب والشتم وتسفيه الآخر، وفئة أخرى منهمكة في اللامبالاة، منشغلة بالترف الفكري، فلا تكاد تسمع منها مبادرة جدية تستهدف بعث الثقة والدفع نحو الأمل. فأيقنت حينها وجوب أن يقتنع هؤلاء وأولئك بأن الوطن لجميع أبنائه وهو لهم وبهم، لا غنى لأحد منهم عن الآخر، وهو يسعهم على اختلافهم، ويوحدهم على تعدد انتماءاتهم، ويحميهم من أنفسهم بقدر ما يحمونه من عدو يتربص به. فالذي يعتقد أنه عندما يضعف خصمه السياسي أو يسهم في شرذمته يكون قد انتصر واهم غير مدرك لجوهر الصراع، لأنه ببساطة يمهد لدوره في التقسيم ويؤسس لثقافة الهدم بدل البناء، ويحتكم لفكر الاحتكار على حساب أخلاق التعاون، ويهوي في قعر الفرقة عوض الارتفاع الى مقامات التنسيق، فهل بعد ذلك من تردد في مد يد التواصل وتمتين عرى التقارب، لأن الوضع لا يحتمل التأجيل…