تكنولوجيا: اختتام المؤتمر العالمي للهاتف المحمول    المغرب: محاكمة الطفلة ملاك تفجر موجة استنكار واسعة    الإنتاج الصيدلاني الوطني يغطي 76 بالمائة من الاحتياجات الوطنية    تصفيات مونديال 2026: الحكم الجزائري قاموح يدير مباراة بورندي-السيشل    الأغواط : جثمان السيدة الشريفة لالة الحرة التجاني يوارى الثرى بمقبرة العائلة بعين سيدي محمد البودالي بعين ماضي    بطولة العالم للملاكمة 2025 للسيدات: البطلة الأولمبية الجزائرية إيمان خليف تشرع في تربص تحضيري بأكاديمية أسباير بالدوحة    العدوان الصهيوني على غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 48446 شهيدا و 111852 جريحا    "المرأة بين طريقي الارتقاء.. رمضان والعلم" محور ملتقى بالجزائر العاصمة    لجنة تنظيم البورصة: منح الاعتماد لأول شركة تمويل تساهمي في الجزائر    "نوازل الصوم الخاصة بالمرأة بين الطب والفقه" محور ندوة فقهية بالجزائر العاصمة    الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار: نحو إنشاء أقطاب صناعية بالعديد من ولايات الوطن    اجتماع تنسيقي لتطوير آليات العمل المشترك لخدمة الحجاج والمعتمرين    أمطار رعدية مرتقبة على العديد من ولايات الوطن مساء اليوم الخميس    رمضان 2025: وضع بيوت ومخيمات الشباب تحت تصرف فعاليات المجتمع المدني    الأمم المتحدة : الإطار القانوني والمؤسساتي الجزائري يضمن بشكل كامل الحقوق والحريات    المنتخب الوطني لكرة القدم داخل القاعة في تربص جديد بمركز فوكة بتيبازة    افتتاح معرض جماعي للخط العربي بالعاصمة    عرض الوثائقي " آثار تخترق الزمن " حول جرائم التعذيب الفرنسي في المعتقلات خلال الثورة التحررية    وزارة التربية تصدر بيانا يخص مشاركة الموظفين    قد تفلت منا صناعة التاريخ..؟!    استحداث مدارس عليا للأساتذة في مختلف المدن الجامعية    إحباط إدخال كميات معتبرة من المؤثرات العقلية    بنك الجزائر ينشر تعليمتين تتعلقان باعتماد البنوك الرقمية    قناة "فرانس 2″تبث توليفة إعلامية تخدم أجندة سياسية محددة    الطلبة يحسّسون بأخطار المخدرات    حرب ضد مؤثّري العار والفضائح    قناة "فرانس 2" تستعين بالخونة لمهاجمة الجزائر    منظمة حقوقية تدعو إلى تشكيل آلية أممية    ترامب يلقي أول خطاب أمام الكونغرس    تكفُّل بالمرضى وضمان للمناوبات    قمتان في وهران وقسنطينة ومهمة صعبة لبلوزداد بالبيّض    حين يلتقي الفن بروحانية الشهر الفضيل    استقرار في أسعار الخضر والفواكه    شهر الجود    محرز: جاهزون لمباراة بوتسوانا وهذه رسالتي للجزائريين    مشكلة جديدة لبلايلي مع الترجي والإدارة تتدخل    32 سؤالا ل7 وزراء بالمجلس الشعبي الوطني    التعاون مع الصومال وموزمبيق في مجال الاتصالات    معرض الجزائر للسكك الحديدية في جوان القادم    "قسيمتك".. منصة لاقتناء قسيمة السيارات عن بُعد    إنهاء مهام المدير العام ل"بريد الجزائر"    سفارة اليابان تتبرّع لجمعية أولياء الأطفال المعاقين    تحييد 4 إرهابيين واسترجاع أسلحة وذخيرة    هذه تفاصيل خطّة العرب لإعمار غزّة    الأغواط: حرم الخليفة العام للطريقة التجانية بعين ماضي في ذمة الله    80 ألفاً يُصلّون بالأقصى    الرابطة الثانية – هواة /الجولة 22/ : نجم بن عكنون ومستقبل الرويسات في مهمة صعبة خارج الديار    رمضان شهر العتق من النيران    كرة اليد/القسم الممتاز/سيدات/ تسوية الرزنامة : فوز نادي فتيات بومرداس على نادي باش جراح    توزيع مزيد من السكنات في جويلية    اجتماع تنسيقي لتطويرآليات العمل المشترك لخدمة الحجاج والمعتمرين    فرحتان للصائم    حنان ميزول أخبار اليوم : تستهويني المرأة المُكافِحة التي ترفع التحدي وتواجه الصعوبات    وحدة المضادات الحيوية ستشرع في الإنتاج جوان المقبل    لجنة خاصة للتكفّل الأمثل بالحجّاج في المطارات    صلاة التراويح تحمي من الأمراض    "آثار تخترق الزمن" يفتتح موسم رمضان    "بنات المحروسة" و"اللي فات مات" على منصة "شاهد"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مراكز الفكر "ثينك تانكس" وتأثيرها على الإسلام وقضايا المسلمين

مؤسسة "راند" و معهد دراسات إعلام الشرق الأوسط نموذجا
فاروق أبي سراج الذهب طيفور
الحلقة 02
مراحل تطور مراكز "ثينك تانكس":
تأسست وتشكلت "ثينك تانكس" داخل الجامعات في صورتها الأولى في العالم الغربي، حيث برزت أولى الجامعات الأوربية في القرن الثاني عشر الميلادي، وقد أنشئت معظم هذه الجامعات تأسيا بالجامعات الإسلامية في مرحلة الحروب الإفرنجية "الصليبية"، وفي تلك الظروف أسس ما يعرف بالكراسي العلمية، وكان أول هذه الكراسي هو تأسيس كراسي الدراسات الشرقية في بولونيا وفي روما وفي باريس، ما أنشئت وقفيات نقلا أيضا عن الوقفيات الإسلامية، وكانت أول وقفية أنشئت في بريطانيا اسمها وقفية ديمورتن في جامعة أوكسفورد لتشجيع الدراسات الدينية بالتحديد.

ويمكن تقسيم مراحل تطور مراكز الأبحاث والدراسات إلى خمسة مراحل هي:

المرحلة الأولى: تبدأ من عام 1910 وهو العام الذي شهد ظهور أول المراكز البحثية في الولايات المتحدة إلى عام 1930 وهي المرحلة التي تلت الحرب العالمية الأولى، فقد ظهر أول مركز أبحاث بشكله الحديث، في الولايات المتحدة؛ وذلك من خلال تأسيس معهد كارنيغي للسلام في عام 1910 Carnegie Endowment for International Peace، وتلا ذلك إنشاء معهد بروكينغز في عام 1916 Brookings Institute، ثم معهد هوفرHoover Institute في عام 1918، ومؤسسة القرن Century Foundation في عام 1919.

المرحلة الثانية: تنحصر بين عامي 1930 وعام 1951، وهي حقبة الحرب العالمية الثانية وظهور منظمة الأمم المتحدة وبعض المنظمات العالمية، كما تأسس معهد أنتربرايز الأمريكي لأبحاث السياسات العامة AEI في عام 1943 ثم معهد دراسات الشرق الأوسط في أمريكا في عام 1948، وأُنشئت مؤسسة راند Rand Corporation في عام 1948.

المرحلة الثالثة: بدأت عام 1951 وفي تلك الفترة تشكلت حوالي (91%) من مراكز البحوث في أوربا وأمريكا، علما بأن حوالي (58%) منها تشكل في العقدين السابع والثامن من القرن العشرين، إذ تأسس المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية IISS في لندن في عام 1958، ومركز أبحاث فض النزاعات في جامعة ميتشغان في عام 1959، ومعهد ستوكهولم لأبحاث السلام في السويد SIPRI في عام 1966.

المرحلة الرابعة: تمتد من عام 1989 وهو العام الذي شهد نهاية الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي السابق والولايات المتحدة، إلى عام 2000 وهو عام بداية عصر العولمة.

المرحلة الخامسة: بدأت من عام 2001 وهي مستمرة إلى وقتنا الحالي، وهي المرحلة التي أطلق عليها الحرب العالمية على الإرهاب وتكريس اعتبارات الأمن القومي الأمريكي، على اعتبار أن مسألة الأمن القومي والحرب على الإرهاب أصبحتا الشغل الشاغل للولايات المتحدة.

وعندما نلقي نظرة على عدد مراكز الأبحاث في العالم، وحينما ندرك مدى تطورها منذ عقد السبعينيات وحتى نهاية القرن الحادي والعشرين، نرى أن هناك تطورا وانتشارا كبيرين للمراكز البحثية في العالم، حتى أن عددها قد وصل – بحسب مشروع مؤشرات مراكز الأبحاث والفكر – إلى حوالي 6480 مركزا متخصصا في مجالات متعددة.

أما في الوطن العربيّ، فقد نشأت مراكز أبحاث ودراسات متنوعة، و توزّعت بين الجامعات والمؤسسات الحكومية، كما نشأت مراكز بحثية مستقلة ضمن منظمات المجتمع المدني، وهي متخصِّصة في مجالات وميادين عديدة، وتشترك في إنتاج المعرفة والأفكار وصنعها، لكنّ إلقاء نظرة سريعة على خريطة مراكز الأبحاث العربية كفيل بأن يوحي لنا بأنّ وضع هذه المراكز لا يزال هشًّا مقارنة بما هو موجود في الغرب، فضلًا عن انخفاض عددها وقلّة تفاعلها مع البيئة المحيطة بها. وبتتبُّع نشأة مراكز الأبحاث فيها وتطورها، يتّضح لنا أن أول مركز أبحاث عربيّ وقع إنشاؤه هو معهد البحوث والدراسات العربية الذي كان يرتبط بالجامعة العربية في القاهرة، وجرى ذلك في الخمسينيّات وتحديدا في عام 1952. وعلى إثر ذلك، وقع تأسيس المركز القومي للبحوث في عام 1956، وتلاه مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية في عام 1968، ومركز دراسات الوحدة العربية في عام 1975. ويتّضح لنا من خلال التعرف على مراكز الأبحاث العربية، خاصة تلك التي نشأت في عقد السبعينيات والثمانينيات؛ أن جزءًا منها جاء لتلبية الحاجة إلى دراسة حالة الصراع العربي الإسرائيلي وتشخيصها والتعامل معها وفق أسس علمية مدروسة. ولقد استفاد جزء من تلك المراكز – خاصة تلك التي نشأت في تسعينيات القرن الماضي – من جوّ الحريّة المحيط بها في بلدانها، فأنتجت أعمالا ومشاريع بحثية هامة (خالد وليد محمود، دور مراكز الأبحاث في الوطن العربي: الواقع الراهن وشروط الانتقال إلى فاعلية أكبر).

وظائف وخصائص مراكز "الثينك تانكس":
بعد الإحاطة بأهم مراحل التطور التاريخي التي مرّت بها مراكز "الثينك تانكس" حتى وصلت إلى ما وصلت إليه في الدول المتقدمة، لابد من الوقوف على أهم وظائفها وخصائصها.
لمراكز الأبحاث والدراسات العديد من الوظائف يمكن إجمالها بالآتي:
البحث وصنع الأفكار.
المساعدة في صنع القرار أو ترشيد صنع القرار.
وسيلة لتصنيع العلماء والباحثين باعتبارها ورشة للتدريب والتقاط الخبرة وهذه هي واحدة من المهام المستجدة التي أضيفت لمراكز الأبحاث في الربع القرن الأخير(عباس أبو غانم، مراكز الأبحاث بين صناعة الأفكار وترشيد السياسات).
أما عن الخصائص التي يلزم توافرها في مراكز الأبحاث التي تستطيع دعم القرار، فيمكن تلخيصها فيما يلي:
وضوح الهدف والمهمة التي يقوم بها المركز لدعم القرار، بحيث يكون متخصصاً في مجال معين، سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي أو أمني أو عسكري، أو يقوم بكل هذه التخصصات، على أن يتم تحديد مستوى التحليل: هل هو استراتيجي أم سياسات أم تكتيكي.
أن يرتكز المركز على مجموعة منتقاة من الخبراء والأكاديميين والمفكرين الاستراتيجيين، ويفضل من يجمعون بين الخبرة العلمية والعملية.
القدرة على الابتكار والإبداع، وإعداد سيناريوهات واستشراف المستقبل.
إقامة شبكة علاقات مع مراكز البحوث والفكر العالمية لتبادل الخبرات.
الانفتاح على الجمهور من خلال استقراء الرأي العام عبر تداول المعلومات ومن خلال عقد مؤتمرات مفتوحة وورش عمل يشترك فيها باحثو المركز وغيرهم.
توفر قيادة واعية ومدركة للمهمة الملقاة على عاتق المركز، وتستطيع الاستفادة من كافة الجهود والعقول.

* طبيعة تأثير مراكز الفكر "الثينك تانكس" على قضايانا وتحالفها مع الإعلام الغربي
إن تحديد طبيعة التأثير والدور الذي تمارسه مراكز التفكير على عملية صنع السياسة واتخاذ القرار وتشويه القضايا وتضليل الرأي العام وتوجيهه ليس ميسورا وفي متناولنا من الوهلة الأولى بل يتطلب معرفة العوامل والعناصر المؤثرة في هذه العملية من خلال فحص الدراسات والوسائط التي تستخدم في عملية التأثير الذي أصبح أهم ما تستهدفه وسائل البحث والإعلام الغربية.

إن هذه المراكز التي نتحدث عنها والتي تعتبر أهم مصدر من مصادر المعلومات والتحليلات والفكر والمعرفة عند الغرب، أصبحت تؤثر على المجتمع والدولة بشكل عام وبصور مختلفة مباشرة وغير مباشرة. ونحتاج في عملية الفحص إلى بحوث حول الثقافة والسياسة ودور المثقف في السلطة السياسية ولاسيما في الولايات المتحدة الأمريكية، (اتجهت الدولة الأمريكية منذ بداية تكوينها إلى الاستعانة بالخبرات البشرية الموجودة خارج أطر الدولة الرسمية، إذ أن قيام القطاع الخاص بتحمل مسؤوليات التنمية والتصنيع والبحث العلمي بشكل رئيس يستحوذ على معظم الخبرات والمعارف المستجدة في المجتمع) (د. محمد عبد العزيز ربيع، صنع السياسة الأمريكية والعرب). ومع الانتشار الواسع لوسائل الاتصال و الإعلام المتنوعة والتعبير عن الرأي كل ذلك أدى إلى سهولة انتشار وتبادل الآراء والأفكار والمعلومات، إذ أصبحت وسائل الإعلام أدوات إيصال الفكر والآراء للمستفيدين من السياسيين والمختصين الآخرين، وبالتالي أصبحت معاهد البحوث ومراكز التفكير (مراكز إنتاج هامة لصناعة ونشر الجديد من الأفكار ومصادر رئيسة لتزويد وسائل الإعلام بالحديث من الآراء والإحصاءات والتحليلات، وبذلك أصبح التفاعل المتواصل بين مراكز التفكير والبحوث ووسائل الإعلام أهم أدوات تشكيل الرأي العام وأكثر الأطراف قدرة على مراقبة أعمال الدولة بوجه عام ومصدر معلومات وخبرة لم يعد بالإمكان الاستغناء عنها.

وقد أصبحت مراكز الأبحاث حقيقة ثابتة في عالم السياسة الأمريكية، تقدم المشورة لرؤساء الجمهورية وصناع السياسة، وشهادات الخبراء للكونغرس، والحقائق والأرقام الضرورية للصحافيين والإعلاميين، لكن ما مراكز الأبحاث هذه؟، ومن يموّلها؟، أي نوع من "الأبحاث" تجريها؟، من أين تستمد سلطتها؟، وإلى أي مدى وصل تأثيرها؟.

ويرى توماس ميدڤيتز، في كتابه مراكز الأبحاث في أمريكا: أن الغموض الذي يكتنف مراكز الأبحاث ويثير الفضول حولها ليس سمة عرضية وإنما هو سر تأثيرها، فبجمعها عناصر من مصادر المعرفة العامة الأكثر استقرارا ورسوخا -الجامعات، والوكالات الحكومية، والشركات، وأجهزة الإعلام- تمارس مراكز الأبحاث تأثيرا هائلا على الطريقة التي يفهم بها المواطنون والمشرعون العالم، ويصنعون سياساتهم بمقتضاها، دون الالتزام بالمواقف المحددة لتلك المؤسسات التي يعتمدون عليها ويقلدونها. من خلال ذلك غيّرت مراكز الأبحاث آلية حكم هذه البلاد، وصحافتها، والدور السياسي للمفكرين فيها.

وللتدليل على ارتباط مراكز "الثنيك تانكس" بالمؤسسات والسياسات، نورد هنا نماذج لشخصيات سياسية مرموقة تحتل موقع الصدارة في تلك المراكز ومنها (إدوارد ووكر)، الرئيس الحالي لمعهد الشرق الأوسط وهو مساعد وزير خارجية وسفير أمريكي سابق، (مارتن انديك)، مدير مركز الحسابات لدراسات الشرق الأوسط بمعهد بروكينز، عمل مساعداً لوزير الخارجية وسفيراً سابقاً في إسرائيل، (كينت بوليك)، مدير البحوث بالمركز نفسه، فهو مدير سابق لوحدة شؤون الخليج بمجلس الأمن القومي، (ريتشارد هاس) الذي ترأس سابقاً قسم تخطيط السياسات بالخارجية الأمريكية، هو الرئيس الحالي لمجلس العلاقات الخارجية و(دينس روس) أحد المستشارين الأساسيين لإدارة الرئيس بل كلينتون يعمل الآن كمدير لمعهد واشنطن لشؤون الشرق الأدنى، ( مادلين أولبرايت) وزيرة الخارجية السابقة في عهد كلينتون تعمل الآن في (NDI) الممولة من وزارة الخارجية، وبذلك ندرك بوضوح مدى التقارب بين الباحثين والدارسين في هذه المراكز وعمليات صناعة السياسة واتخاذ القرارات الأمريكية وصناعتها.
ومن جهة أخرى، يمكننا دراسة شكل التأثير على صورة الإسلام وقضايا المسلمين من قبل مراكز الفكر "ثينك ثانكس" من خلال استعراض ذلك التحالف الرسمي وغير الرسمي بين مراكز الفكر ووسائل الإعلام حيث تقوم هذه الأخيرة بنشر وتسويق مخرجات الدراسات والبحوث التي تنجزها مراكز الفكر، بل وأصبحت وسائل الإعلام العملاقة هي من ينشئ مراكز "الثينك تانكس"، وللعلم فإن العالم الإسلامي والعربي منه بالذات مستهدف بشكل كبير من قبل مراكز الدراسات ووسائل الإعلام العالمية، ويكفي أن نشير إلى وجود 13 ألف قناة في العالم، منها 7500 قناة مشفرة، و5500 مجانية، وفي العالم العربي 696 قناة تبث من 17 قمراً صناعياً، يشاهدها أكثر من 150 مليون مشاهد للقنوات المفتوحة، بينما 42 مليون للمشفرة، و من ضمن القنوات الموجهة لنا 112 قناة فاضحة باللهجات العربية.

وبفعل هذا الحشد الكبير لوسائل الإعلام المهتمة بالإسلام والمسلمين وعلى مستوى عقيدتهم على الخصوص، وقد بلغ التأثير مستوى كبيرا على مستوى الفكرة، فقد أصبح من المسلمات عند كثير من الناس في الغرب أنه لا توجد حقيقة مطلقة، ولا قيمة مطلقة، وإنما الحقائق والقيم نسبية، أي إنها منسوبة وتابعة لزمانها أو مكانها أو الحضارة والثقافة التي ظهرت فيها، وهكذا.. وقد غلا بعضهم في هذا الأمر حتى قال إن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يفسر القرآن لعصرنا لأنه لا يعرفه، كما عملت وسائل الإعلام الغربية على تثبيت الاعتقاد في المفهوم السلبي للحرية حتى صار من البديهيات عند بعض المسلمين أن الحرية بمعنى أن الله تعالى أعطى الإنسان المقدرة على الاختيار كما أعطاه المقدرة على العمل، أمر لا شك فيه، بل ربما كان هو مما يتميز به الإنسان، كما يتهم العرب بعدم الأصالة وبالمحافظة وبعدم المقدرة على التحضر، وبالإرهاب، بل وبالتواكل وبالقذارة، ثم يقال إن سبب هذا كله هو الإسلام.( أحمد الشجاع دور الإعلام الغربي في تشويه صورة الإسلام والمسلمين ( تقرير) ).

وبعد الحديث عن تأثير الإعلام الغربي على عقيدة المسلم نتطرق الآن إلى جوانب أخرى من التأثير والتخطيط الغربي المستهدف للعرب والمسلمين، ومن ذلك استخدام الإعلام وسيلة من وسائل الاستعمار الحديث..مثال ذلك التقرير الذي أصدرته مؤسسة (راند) – في عام 2008م- تحت عنوان (العقبات التي تواجه انتشار الأعمال الإبداعية في العالم العربي)، وقدمته لمكتب السياسات الدفاعية التابع لوزارة الدفاع الأمريكية.

ويأتي التقرير في سياق فشل الحرب الأمريكية على ما يسمى "الإرهاب" التي اندلعت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، من أجل العمل على التأثير على دول الشرق الأوسط بشكل عام والعالم العربي بشكل خاص من ناحية الثقافة وصناعة الأفكار والتوجيهات الدعائية.

التقرير عبارة عن مخطط إستراتيجي مُوجه لوزارة الدفاع الأمريكية من أجل توسيع النفوذ الأمريكي في المنطقة عن طريق الثقافة والدعاية الإعلامية الموجهة والممولة "من خلال نشر وإنتاج الأعمال الإبداعية بمعناها الأدبي والنقدي والفني والجمالي الواسع، والعمل على الالتفاف على الحكومات العربية المهيمنة من ناحية، ومواجهة وإضعاف ما أسماه التقرير بالتيارات "الأصولية المتطرفة" من ناحية أخرى".

كما هذه المراكز على مستوى المناهج التعليمية الغربية، حيث كشفت عدة دراسات عن صورة العرب والمسلمين في المناهج التعليمية الغربية على أن العربي رجل همجي بدائي لا يقترن بوسائل التمدن والتحضر، كما تعطى للتاريخ الإسلامي صورة خاطئة، وتصور الحروب الصليبية على أنها كانت صراع بين الخير المتمثل في الغرب والشر المتمثل في الشرق.( (العربي إرهابي في السينما الفرنسية)- معاذ محمود) . وعن طريق كتب الأدب والقصص وفيها تركيز على وصف العربي المسلم بالسذاجة والبلاهة، والإساءة للإسلام وللمرأة العربية والرجل العربي، ومن أمثلة ذلك (قصة الفارس المسافر) للكاتب نيكولاس لورد، وقصة (باروخ نادل)، و(تحطمت الطائرة عند الفجر)، وكتاب (الرحالة العرب) لمؤلفه توماس كيرنان، الذي يدلل فيه المؤلف على سفه العرب، كما سخرت السينما وأفلام الكرتون في هذا المسعى، حيث أثبتت إحدى الدراسات الرائدة للكاتب جاك شاهين الحال المتردية التي وصلت إليها صورة العرب في السينما الأمريكية، فالدراسة – التي استغرق إعدادها عشرين عاماً وصدرت في كتاب عنوانه (العرب الأشرار في السينما) – تلقي الضوء على الأساليب الأمريكية لتشويه صورة العرب والمسلمين في أغلب أفلام القرن الماضي. ويصرح لسان حال مجلة (دير شبيغل)( ((قراءة في: واقع الصحافة الألمانية: "دير شبيغل نموذجا")- الدكتور خالد حاجي) بأن زمن الفرز قد حان: إما القبول بالعيش داخل فضاء الحداثة واتخاذها نموذجاً للإصلاح وسقفاً لطموحات المصلحين، وإما الخروج إلى العراء والانضمام إلى كهوف الإرهابيين والدخول في جحور المستبدين.( صالح سليمان عبد العظيم، دعوة لاستخدام الثقافة والإعلام لتوسعة النفوذ الأمريكي بالمنطقة) .

يقول العنوان الفرعي للكاتب الهولندي "فون ليون دي فينتر"، ذي الأصول الأرثوذكسية اليهودية، "أن مستقبل الإسلام لن يتحدد في السعودية، بل في أوروبا". يختم هذا الكاتب مقالته بجملة جعلتها المجلة مسك خاتمة العدد كله، ومضمونها يطمئن القارئ بأن "أوروبا لن تُؤسلَم، بل الإسلام هو الذي سيُأَوْرَب"، أي سيصبح أوروبياً.

أما في موقع "جوجل"، وهو برنامج يهدف إلى توفير جهد مستخدم الإنترنت يطلق عليه اسم (جوجل يقترح) (Google Suggest)، وهو برنامج جرى تطويره في نطاق آلية البحث الضخمة في نظام "جوجل" وعرّفه القائمون عليه بأنه "آلية تخمين"، ولا يبدو أن هناك أي ضرر من استخدام نظام "جوجل يقترح"، غير أن الكثير يعتمد في حقيقة الأمر على الموضوع مدار البحث، فمثلاً حينما تسعى للحصول على معلومات عن العرب يخمن "جوجل" أنك تبحث عن أشياء مهينة فعلاً، فمثلاً ما أن تكتب في خانة البحث: "لماذا العرب…" يبادر جوجل إلى تقديم أكثر الخيارات شيوعاً واستعمالاً لمساعدتك في استكمال بحثك وستجد من ضمنها: "… على هذا القدر من العنف؟"، و"…على هذا القدر من العنصرية؟"، و"…على هذا القدر من الغباء؟"، و"…على هذا القدر من القباحة؟"، أو "…أجسادهم مغطاة بالشعر؟"، إضافة إلى أشياء مهينة أخرى، ولا يبقى عليك سوى النقر على الخيار الذي تبحث عنه من بينها.
يتبع….


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.