يقول صاحب الكتاب في مقدمته إنه منذ التسعينات من القرن العشرين والعالم بأسره يعيش تحولات جذرية في العلاقات الدولية، وأن خارطة الطريق التي طبختها المطابخ الأمريكية حسب ما يتجلى في الواقع العملي، لم تكن مختصرة ومحددة للمشكل والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وإنما العالم بأسره تعاد صياغته صياغةً قد ظهرت بوادرها في العراق، إلا أنها زماناً قد أُعد لها منذ ربع قرن ومكاناً تشمل مساحة العالم بأسره، ابتداءً من العراق والمنطقة العربية والإسلامية وتلقي بظلالها هذه التحولات على أوربا والتوازنات الدولية كلّها، كما أن هذا النظام الذي أعقب الحرب العالمية الثانية، وأنهى العصر الأوروبي للسيطرة، وأتسم بتقسيم النفوذ وتقاسم التركات والمناطق في مؤتمر مالطا (فبراير 1945م) على غرار طريقة البابا الاسكندر السادس الذي أصدر في عام (1493) قراراً قسم بموجبه القارة الأمريكية المكتشفة بين إسبانيا والبرتغال. لا يمكن تصور العراق بلا إسلام يواصل الدكتور الهاشمي في هذا الفصل التعريف ببعض ركائز الطرح الأمريكي في العراق بعد الاحتلال ويتطرق من خلاله إلى النقاط التالية: الديمقراطية الغربية يقول الدكتور الهاشمي هنا إن الديمقراطية الغربية ترتكز أساساً على مبدإ العلمانية والليبرالية، حيث أن البروفسور جون كين مدير مركز ابحاث الديمقراطية، له دراسة بعنوان إعادة التفكير في العلمانية، انطلق فيها من تبني موقف المفكر الأمريكي توماس بين الذي دعا إليه قبل قرنين في كتابه (عصر العقل) وعرّف العلمانية بأنها: استيعاب الدين للمجتمع، وهذا الاستيعاب يتم من خلال حصر دور الدين في الاخلاق مع إلغاء أي دور فيما عدا ذلك؛ لأن الأديان كلها لو اقتربت من عالم الدولة والحكم والسياسة سوف تدمر المجتمع وتسير به باتجاه واحد. وهنا يقول: ليس مستغرباً من الرجل ذلك، وهو الذي عاش أجواء الرعب التي خيمت على فرنسا جراء ممارسات الكنيسة الاستبدادية ضد الفكر والعلم. أما الدكتورة نيلوفر تمولة أستاذة علم الاجتماع بجامعة البوسفور في اسطنبول، تؤكد على التلازم بين الديمقراطية والعلمانية في العالم الغربي، أما في العالم الإسلامي فقد دخلت العلمانية في صدام مباشر في جميع الدول الإسلامية. كذلك بالنسبة للدكتور عبد الوهاب المسيري الاستاذ غير المتفرغ بجامعة عين شمس، يقول... إن العلمانية هي فصل كل المطلقات الأخلاقية والمعرفية والإنسانية عن الدنيا، بحيث تصبح كل الأمور نسبية، بمعنى أن العالم مكتف بذاته وهو يحوي داخله كل ما هو ضروري لإدراكه والاستفادة منه، وأن عقل الإنسان قادر على فهم كامل للطبيعة، وهو قادر على إدارة العالم وتأسيس نظمه المعرفية والقانونية والأخلاقية، وليس بحاجة إلى شيء آخر خارج النظام الطبيعي المادي، وبهذا تصبح مرجعية الإنسان كامنة في ذاته. وبصورة أدق يقول صاحب الكتاب: إن العلمانية عدم الرجوع إلى الدين والشريعة، بل إلى العقل الإنساني، زائداً التجارب الخارجية وما تعطيه من خبرة للعقل في تطوير نفسه واكتشاف القوانين، وبهذا لا يسمح المبدأ العلماني للدين أن يتدخل في رسم مسيرة الإنسان السياسية أو الاجتماعية أو أي مجال آخر ويمكن القول أيضا إن العلمانية هي نظرية وتطبيقاتها هي الامبريالية. الليبرالية والعلمانية هنا يقول الدكتور إن الليبرالية فهي تعني الحرية الفردية في كل المجالات غير المنضبطة بضابطة الدين والولاياتالمتحدة في حملتها الاحتلالية على البلدان الإسلامية سواءً افغانستان أو العراق والدول الأخرى التي هي تحت الهيمنة الأمريكية سياسياً أو عسكرياً أو اقتصاديا في منطقة الشرق الأوسط في البلدان العربية والإسلامية التي حاولت أن تطرح مشروعاً سياسياً يتمثل بالنظام الدولي الجديد بكل ما يحمل من تفاصيل لتكريس السيادة لإسرائيل والولاياتالمتحدة والهيمنة القطبية طرحت بنفس الوقت مشروع الديمقراطية، والمتتبع لخطابات المسؤولين الأمريكان يجد أن خطاباتهم ونداءاتهم التي تبشر بعصر جديد من الحرية والديمقراطية تساوق الهجمة العسكرية على المنطقة، وهذا يعني إلى حدٍ بعيد بعد ربط البحث وحلقاته كاملة التي ابتدأها بتركيز الإعلام الأمريكي على مواجهة الإسلام الإرهابي وطرحهم النظام العلماني بديلاً، أنَّ هذه الاطروحة التي جاءت بحدِّ السيف لتلغي المشروع الإسلامي وتضربه بعد اتهامه بالإرهاب والتخلف، ومضادته للحرية في كل مجالات الحياة، خصوصاً حرية المرأة، وتبنيه ايديولوجية الإرهاب، تكشف هذه الاطروحة عن عمق الاصرار لدى المحتل على رسم عالم إسلامي جديد، يتماشى مع الاطروحة الأمريكية ويحول الإسلام إلى إسلام أمريكي. ويشير هنا إلى أنه لا سبيل أمامهم لتكريس هذا المنهج الجديد إلا القوة ومحاربة الإسلام، بدعوى محاربة بؤر الإرهاب المتشددة داخل المشروع الإسلامي عسكرياً وثقافياً، كما يلاحظ في العديد من الدول الإسلامية مثل باكستان والسعودية بل إن الهدف الحقيقي للاحتلال من مقولة مكافحة الإرهاب هو ضرب الإسلام وتقويضه والامل راسخ بالقيادات العليا ووعي الشعوب الإسلامية، أن يمنع المحتل من أن يفرض علينا برامجه وأهدافه، ولولا هذه المرجعية لكانت المَسيرة في العراق تجري في اهابٍ مغاير، أما يكفي المسلمين ألماً أن قانون الانتخابات يبدأ بعبارة... بناءً على الصلاحيات المخولة لي ...بول بريمر دون أن يراعي حرمة هذا البلد وواقعه الإسلامي؟ وهنا يشير إشارات عابرة إلى بعض ما جاء في قانون المرحلة الانتقالية، بما يعزز من العلمانية وعزل تأثير الدين في المسار الدستوري وفي حركة الشعب العراقي . ويخلص القول إلى أن الولاياتالمتحدة ترمي من غزوها العراق إلى تحقيق عدة أهداف، أبرزها سعيها إلى التأثير في البيئة الثقافية والاجتماعية للعراق، ومن ثم الوطن العربي والعالم الإسلامي كاملاً، وهي تنطلق هنا متأثرة بأفكار ومعتقدات الاستشراق التي ترى أن القيم الثقافية والدينية في العالم العربي والإسلامي بالية تجاوزها العصر ورفضها جمهورها، وهو يبحث عن بديل، ولابد من عرض الحداثة الغربية عليهم بديلاً عن ثقافة الدين. وإن هذه الأفكار البالية صارت مصدراً ومحرضاً على الإرهاب، لأنها في بعض توجهاتها تحضّ على عداء أمريكا والغرب، وللتعامل الفعال والمجدي مع هذا الواقع، لابد من أن يتكامل استخدام وسائل القوة الناعمة مع وسائلها الخشنة، وذلك عبر التعامل المباشر مع هذه الثقافة ومحاولة تغييرها، وإذا أمكن لهم أن يغيّروا ثقافة هذه المنطقة، سوف يمكنهم تحقيق كل هدف يريدونه سواء على مستوى الصراع العربي الإسرائيلي، وتقرير قوة إسرائيل ودمجها داخل الجسم العربي والإسلامي وإخراج المجتمعات العربية والإسلامية فضلاً عن باقي البلدان من دائرة الصراع والمواجهة مع إسرائيل، فضلاً عن السيطرة الاقتصادية ، إلا أن هذه المخططات مهما أوتيت من قوة سوف تدحض بوعي الجماهير وإخلاصهم والتفافهم حول قيادتهم الصالحة وبوحدتهم، وفي هذا المجال ينقل الكاتب ما ذكره الإمام الراحل الخميني حيث يقول: «...إن من الأمور التي ينبغي الاهتمام بها، بغية نهضة المسلمين والمستضعفين في العالم ضد المستكبرين الناهبين لثروات الشعوب، أنَّ القوى المستبدة تسعى لتحقيق اطماعها المشؤومة عن طريق الترهيب والتهديد، أو بوسيلة أبوابها الدعائية وعملائها الخونة، بينما لو صمدت الشعوب أمام هذه القوى متسلحة بالوعي والوحدة، لما حققت تلك القوى شيئاً من مطامعها، إن هناك الكثير من البراهين على هذا الادعاء وأبرزها إيرانوافغانستان من بين بلدان المنطقة...» وهنا يوضح الدكتور أنه لم يجد في العالم الإسلامي مَن ينكر أن تنامي الوعي وخلق الثقافة الإسلامية الجديدة وتعميق الفكر الإسلامي إزاء مخططات الولاياتالمتحدة وإبعاد مشروعها ضد اسلامنا واقتصادنا ومبادئنا، هو السبيل الوحيد للمحافظة على هوية الإسلام واستقلال البلدان الإسلامية وإفشال المشروع الأمريكي. ويقول إننا كمسلمين، لابد أن نكون على يقينٍ راسخ بمختلف اتجاهاتنا ومذاهبنا من أننا أمام حملة صهيونية صليبية، والقوة الأمريكية هي أداة لتنفيذها، لذا يجب العمل لتشكيل جبهة عربية إسلامية للتعامل فكرياً وعملياً مع هذا الواقع الجديد، ويتم دراسة سبل الخروج منه منتصرين، سيما وأننا نمتلك قدرات هائلة بشرية واقتصادية، أما يكفي أن (200) ميناء مهمٍ يقع في البلدان الإسلامية، وإن مساحة الأراضي التي يقطنها المسلمون تعد (35) مليون كيلومتر مربع، وبعد سنة نتجاوز المليار إنسان، ولنا من الخبرات ما يتجاوز (350) مليون يد عاملة ولنا من القدرات العسكرية ما يقارب (11) مليون إنسان مدرب، ونحن نسيطر على أكثر مصادر النفط والنحاس واليورانيوم. ثم يشير إلى أن أمريكا تريد سلخ الشباب المسلم عن إسلامه وتضييع هويته، بيد أن إفشال المخططات الأمريكيةوالغربية يتم عن طريق رفض أي محاولة للتدخل الأمريكي، لأن ما تريده أمريكا بعد أن استغلت ثرواته وضيعت حقوقه في فلسطين والعراق وافغانستان، هو القبول الثقافي بهذا الواقع الأمريكي، لكي يصبح جزءاً من ثقافة القبول والخنوع للسياسة الأمريكية. وهنا يؤكد الباحث أننا لسنا أمام مؤامرة أمريكية تحاول الانتصار على القوة الإسلامية، وتهدد الأمن القومي العربي والأمن الإسلامي وتسلب البلدان الإسلامية إرادتها وتربطها بمعاهدات وأحلاف عسكرية ، كي يتم السيطرة على المنطقة من خلال الاحتلال المؤسساتي فحسب، بل هناك معركة واضحة كعين الشمس، تحاول الانتصار فيها الولاياتالمتحدةالأمريكية بإمبرياليتها ومشروعها الديمقراطي المنحرف وعلمانيتها على الذات الإسلامية. و أمام إرادة مشروع شرق أوسطي يريد دمج إسرائيل في الأرض والجغرافيا والاقتصاد، الاسلامية بعد أن يسلبنا ذاتنا وإرادتنا على الصمود والتحدي والمواجهة وإن الارتماء في احضان أمريكا هو ما سيجلب مزيداً من المخاطر للمنطقة، ولقد لوحظ النظام السابق كم ارتمى، وكانت النتيجة الحاسمة والمعروفة أن تخلت عنه أمريكا والقت به في سلال المهملات، بعد أن جعلته جسراً للدخول إلى العراق والمنطقة فعلى الأمة الإسلامية والعربية أن تكون مدركة واعية أن أمريكا تسير وفق منهج واستراتيجية نشرت في وسائل الإعلام في سبتمبر ,2002 وعلى العالم العربي والإسلامي أن تتوحد جهوده وتتظافر طاقاته لإفشال هذه الاستراتيجيات، وهنا يذكر بما جاء في البحث وفي مقدمته أن الاستراتيجية الأمريكية تقوم على مبدأ وهو الضربة الاستباقية (Pre-emption)، وتعتقد أمريكا أن سقوط العراق سيؤثر في بقية دول العالم، وخاصة دول العالم العربي والإسلامي، بحيث تعتبر الدول والشعوب بما حدث في العراق، وتصبح مطيعة لمشروعها شاءت أم أبت، وتتحول في سلوكياتها لتصبح حسب المحددات والمواصفات الأمريكية، وتتحول في ثقافتها بما لا يعارض أفكار الولاياتالمتحدة، إذن علينا أن نطوع ثقافتنا ونكيفها وفق ما يريدون، هكذا هو المنطق الأمريكي، بيد أن فشل ونجاح الولايات في فرض ثقافتها سيعتمد بالضرورة على نجاح وفشل أمريكا في العراق. وهنا يقول أنه من الحكمة أن توحّد الدول العربية والإسلامية جهودها مع العراق في دعمه وإسناده، لا في عزله عن محيطه العربي والإسلامي، في الوقت الذي يبدو أن الممارسات الفعلية لكثير من الدول العربية تشير إلى عكس ذلك ولقد أمكن القول بعد الاحتلال عام 2003 إلى يومنا هذا: إن الشعب العراقي متمسك بإسلامه إلى حدٍ يصعب على مشروع للفصل بين الأمة ودينها أن يحقق النجاح، هذا الشعب الذي بنته الحوزة العلمية ودماء الشهداء وخصوصاً القادة المراجع العاملين وعلى رأسهم الشهيد الصدر الأول والشهيد الصدر الثاني وشهيد المحراب وليس أدلّ من إحياء المناسبات والشعائر الدينية، والتواجد المليوني في المراقد الطاهرة، على أنها رسالة واضحة لكلّ من يتصور إمكانية نجاح مشروعه داخل أمة العراق، فالعراق لا يمكن تصوره من دون إسلام. تأليف: محمد صادق الهاشمي مركز العراق للدراسات : 2005