تتوفر الجزائر على ثروة ثقافية بشقيها المادي وغير المادي، الضارب بعروقه في بحر التاريخ، والذي ينم عن عراقة الشعب الجزائري، فالجزائر بحسب ما استقيناه من الإيكولوجيين والأثريين الذين أكدوا أن أرض الجزائر مرّت عليها العديد من الحضارات تعود لحقب تاريخية مختلفة، كل هذا يدفعنا إلى طرح السؤال التالي: هل لدينا ما يكفي من مدن تاريخية، وقلاعنا الحضارية، وموروثنا الثقافي يكفل للجزائر كي تكون قطبا سياحيا، في إطار ما يسمى بالسياحة الثقافية، ما يحولها مزارا للسائح الأجنبي والمحلي، هذا ما سيؤكده أو ينفيه الأساتذة الباحثون في عالم الآثار والتنقيب عن المعالم الحضارية بالجزائر، الذين استطلعت " الحوار " آرائهم في الموضوع. أشار هؤلاء الباحثون إلى أن نقص الاهتمام بالمدن والقلاع الحضارية والمعالم الأثرية، علما أن الجزائر يعج باطنها بثروة ثقافية هائلة، تخول لها مكانة ممتازة التي يمكن تحويلها إلى قطب سياحي بامتياز، وتدخل ضمن ما يسمى بالتنويع الاقتصادي، ومورد مهم للثروة لانعاش الاقتصاد الوطني، وبالتالي يمكن اعتبار ثروتنا الثقافية عصب الحياة الاقتصادية في جزائر الغد. * البروفيسور الدكتور عز الدين بويحياوي: يجب الاستثمار في مدننا التاريخية وفي هذا الإطار قال الدكتور البروفيسور عز الدين بويحياوي، إنّ ارتباط التراث بالنمو الاقتصادي يتطلب إدراجه ضمن منظومة جديدة متكاملة تجمع كل مؤسسات الدولة، ولكي يتم استغلال التراث استغلالا جيدا وبطريقة عقلانيه لابد من معرفته أتمّ المعرفة ثمّ صيانته ثمّ تأهيله و تثمينه. يتوقف ذلك -حسبه- لابد من الشروع في عملية الجرد الفعلي للتراث الوطني، لأن القضية اليوم يضيف عز الدين، تكمن في عدم معرفة حجم هذا التراث البيّن والمطمور وأيضا المغمور، وبالتالي فإنّ حلّ هذه المعضلة سوف يوضّح الرؤى ويسهّل عملية الاستغلال. ينطبق هذا الكلام أيضا على مقتنيات المتاحف و معروضاتها، وحتى نصل إلى هذا المستوى يجب الرجوع إلى أهمية الأبحاث الميدانية وغيرها ذات الصلة بالتراث الجزائري التي تجدّد، وتحيّن المعرفة التاريخية والعلمية المرتبطة بهذا المجال الواسع، هذه المعرفة التي يحتاج إليها الزائر والسائح الذي يريد أن يعرف أو يتعرّف على الحضارة الجزائرية. وعن الطرائق التي يجب اتباعها لاستقطاب السياح، قال المتحدث ذات إنّ ذلك يكون من خلال دراسات استباقية لكشف ميولاتهم و رغباتهم المرتبطة بالسياحة الثقافية، كما يمكن ربط التنوّع السياحي بتنوع المنتوج التراثي بما في ذلك خصوصيات المناطق التاريخية المختلفة في الجزائر، والباقي يأتي عن طريق وضع مطويات ولوحات إشهارية وومضات عبر الوسائط الإعلامية، بالإضافة إلى استحداث هيئة خاصة للاتصال والمراقبة والتحقق من المادة التاريخية والعلمية المقدّمة، وتعنى أيضا بوضع مخطط وطني لكيفية استغلال التراث في المنظومة الاقتصادية، عن طريق ربط العلاقة ما بين المؤسسات التعليمية والتكوينية في هذا المجال الواسع، وتفعيل دور السلك الدبلوماسي في الترويج للمنتوج السياحي عن طريق السفارات والقنصليات.. إلخ. ومن أجل النهوض بالقطاع قدم عز الدين مجموعة من الاقتراحات وفي مقدمتها، تشجيع الوكالات السياحية على المساهمة في تقديم أحسن صورة للمنتوج التراثي، وعليها تحيين معارفها فيما يخص خاصة المعطيات التاريخية، تغيير الذهنيات في مستويات عدّة، وخلص حديثه قائلا " نحن شعب مضياف ومتفتّح على العالم ولكن ظروفنا المأسوية التي عشناها فرضت علينا المحافظة على الأرواح البشرية، وكم هي عزيزة روح الإنسان الجزائري، قبل كي شيء آخر. وها نحن اليوم نعود بقوّة إلى الواجهة الوطنية والدولية، أقصد كدولة يتوجب عليها النهوض بالسياحة بشكل عادي ولكن بوتيرة يجب أن تكون سريعة.
* الدكتور عبد القادر دراجي : علينا استخراج ما يميز هويتنا من أعماق الأرض عن كيفية استغلال الأثار في صناعة السياحة الثقافية بالجزائر، قال الدكتور عبد القادر دراجي أستاذ بمعهد الأثار بجامعة الجزائر 2 قبل الحديث عن ذلك لابد من من التأكيد أن الجزائر تعاقبت عليها العديد الحضارات الإنسانية، حيث قام بتقسيم الفترات التاريخية إلى كرونو ثقافية، على سبيل المثال تلك النقوش التي نجدها في الجنوب الجزائري، وبالضبط بإقليم التاسيلي ناجر، وبالتالي يضيف دراجي يمكن ربط بين تلك الأثار التي تمثل الإنسان الجزائري الذي استوطن المنطقة بجمال وسحر الطبيعة الصحراوية، لخلق توازن بين التاريخ الحاضر، وأردف يقول " للأسف لم نستغل ما لدينا من كنوز ثقافية لما يخدم السياحة ببلادنا، ولم نستغل منها سوى م يعادل 1 بالمائة مثل تيبازة، جميلة، تيمقاد، وتلمسان، في حين بقيت باقي المناطق الوطن مجهولة حتى لدى السائح المحلي، وما زاد الطينة بلة يقول دراجي تعرض العديد من المدن والمناطق الأثرية إلى عملية الإتلاف تارة بفعل الإنسان وتارة أخرى بفعل العوامل الطبيعية، وهي تئن في صمت رهيب، تستنجد بمن هم على رأس القطاع الثقافي لإنقاذها من مد الزوال، كما أدى نقص المرشدين السياحيين المختصين في علم الآثار عامل آخر ساهم بشكل أو بآخر في تأخر النهوض بالسياحة الثقافية ببلادنا، داعيا في ختام حديثه إلى ضرورة تبني هذا القطاع واستغلاله في التنمية السياحية، كما طالب المسؤولين على القطاع الثقافي فك الحصار على القصور العتيقة بالجنوب، والتي يعود تاريخ تشييدها إلى القرن الحادي عشر للميلاد، وكذا التركيز على ربط والتنسيق بين الباحثين في علم الآثار والجماعات المحلية في كل ولاية.
* الأستاذ سحنوني: الجزائر متحف طبيعي يجب استغلاله وفي هذا الصدد، قال الأستاذ سحنوني محمد، باحث في المركز الوطني لبحوث وتطوير الإنسان بإسبانيا، أن علاقة التراث بالسياحة يتوقف على عملية التنقيب والبحث عن الكنوز الثقافية المدفونة في أعماق الأرض، وكذا الجرد الأثري لكل المعالم والحواضر والقلاع الثقافية التي تتوفر عندنا، مشيرا إلى ضرورة تزويد تلك المعالم بملصقات تروي حكايتها، حتى يتسنى للزائر الاطلاع عن عمقها الإنساني، والتعرف على نمط حياة الإنسان في زمن ما وخلفياتها التاريخية، وأضاف يقول " بحكم تجريبتي في هذا الميدان التي تفوق الثلاثين عاما، أؤكد أن الجزائر متحف طبيعي، باستطاعتنا تحويله إلى قطب سياحي في مجال السياحة الثقافية، خاصة إذا علمنا أن الإنسان الجزائري الأول يتعدى سنه المليوني عام، ونظرا لنقص الإمكانات بقي للأسف مدفونا تحت الأرض، ولم نستغله في جلب الثروة للخزينة العمومية، عوض الاتكال على الريع البترولي"، ومن أجل الوصول إلى خلق سياحة ثقافية أوضح سحنوني أن ذلك يتوقف على وزارة الثقافة، مطالبا إياها بضرورة تخصيص أغلفة مالية للباحثين في علم الآثار لتسهيل عليهم مهمة البحث التنقيب الأثري، ولن ينحصر دورها في منح رخصة البحث فقط، وحفظ التراث، بل دورها كبير ومحوري للوصول إلى استغلال القطاع الثقافي في التنمية السياحية.
* الأستاذ حريشان: * بإمكاننا الاعتماد على العقار الثقافي في حال زوال الثروة البترولية من جهته، أوضح الأستاذ حريشان زهير، باحث بالمركز الوطني في ما قبل التاريخ، أن الجزائر فضاء أثري متنوع، إلا أننا لم نستثمره، وجعله كمورد مهم لجلب الثروة، وانعاش الاقتصاد الوطني، الذي يعتمد على مداخيل الطاقة، مضيفا أن الجزائر تتوفر على ثروة ثقافية بشقيها المادي وغير المادي، والذي يمكن استخدامه في تنشيط الحياة الاقتصادية، والاعتماد عليه كرافد يدر الأموال عند غياب الثروة البترولية المهددة بالانقراض خلال الأعوام القادمة بحسب الخبراء في مجال الطاقة. وعن أسباب تأخر التحاق القطاع الثقافي بركب السياحة بالجزائر، أكد زهير أن ذلك يعود إلى عدم تهيئة المعالم الأثرية، واستقلالية البحث الأثري عن الجامعة.
* الدكتور عزوق عبد الكريم: يجب إشراك المجتمع المدني في التنمية الثقافية عن أهمية العقار الثقافي في التنمية السياحية، قال الدكتور عزوق عبد الكريم، مدير معهد الآثار جامعة الجزائر 2، في لقاء سابق مع " الحوار" يجب أن نميز بين الظاهرة السياحية، والصناعة والسياحة، فالظاهرة السياحية في المجال الأثري، فيمكن اعتبار أن الجزائر تعد أكثر البلدان غنى في الحوض البحر المتوسط وفي العالم أجمع من حيث المادة التراثية، التي تعود إلى مختلف الحقب التاريخية، مما يعني -يضيف عزوق- أن الجزائر بإمكانها استقطاب السياح على الصعدي المحلي والأجنبي، مما يجعل الجزائر قبلة سياحية بلا منازع، لأن مقارنة ما يجري الآن في العديد من البلدان العربية وحتى الأجنبية التي يعيش معظمها حالة اللاأمن وللااستقرار، في حين أن الجزائر تتمتع والحمد لله، بنعمة الاستقرار الأمني، والسياسي، وقال مستطردا إن ذلك لن يكون -حسبه – إلا إذا تم إشراك المجتمع المدني من جمعيات ثقافية والجماعات المحلية عبر الوطن التي يفرض عليها تقديم المساعدات إلى فرق البحث الأثري، وكذا القيام بعملية تشغيل فئة الطلبة المتخرجين من الجامعات ومعاهد الأثار في المواقع الحضارية، وقال " إن النهوض بالثقافة السياحية لا يكمن في بناء عدد الفنادق، بقدر ما هو مرتبط بالاهتمام بوضعية المنتوج المقدم، وتهيئة الأرضية اللازمة والتي تسمح للسائح بالتعرف على نمط الحياة الاجتماعية وطبيعة تراثنا اللامادي والمادي، ومن أجل الوصول إلى هذه المحطة لابد -يقول عزوق- من تأسيس لمفهوم السياحة الثقافية من تهيئة المواقع الأثرية، التي تحول أغلبها إلى مزابل، وترميم ما يجب ترميمه وإعادة النظر في تسييرها والحفاظ عليها من قهر الزمن ومن ظلم البشر.
* نادية شريط إطار بوزارة الثقافة: آن الأوان لاستغلال تراثنا الثقافي في السياحة وعلى صعيد مماثل، قالت نادية شريط، إطار بوزارة الثقافة وعضو المهرجان الوطني لإبداعات المرأة، إنه آن الأوان لاستغلال ما تزخر به الجزائر من ثروة ثقافية مكنونة في رحم الجزائر، والعمل على بعثها من جديد للواجهة، واستغلالها في جلب السياح، وإدارة المهرجان الوطني لإبداعات المرأة تسعى كل سنة إلى إبراز نوع جديد من المهارات تحول الأشياء اختيارنا، الرسالة الموجهة نحاول الوصول المجتمع أن هناك ثروات كبيرة، ونبين ونكتشف كنوز مهارات، مواد، مصادر القديمة التي المرأة الجزائرية تقوم بها، مثل الحياكة، صنع الأواني الفخارية، وكل نشاط يعبر عن مهنة الأجداد، حيث نقوم ببحث معمق في ربوع الجزائر، وإتيان بها إلى قصر الثقافة عن طريق استعرض منتجاتهن للزوار، وطبعا يتم استدعاء أعضاء السلك الدبلوماسي المعتمد بالجزائر، للإطلاع على مخزوننا الحضاري، وتأسفت نادية عن نقص ثقافة الترويج لهذا الموروث الثقافي في الجزائر، ففي الدول الأخرى تظاهرة ثقافية تحول إلى حدث، وتتسارع وسائل الإعلام إلى تغطيته ومتابعة الفعالية وتهتم بكل ما تم تسطيره طيلة أيام الفعالية، فنحن إذن بحاجة إلى سياسة إعلامية وسياسية للوصول إلى ذلك، وكذا تفعيل العمل بين القطاعات، ودور العمل الثقافي والفني مهم جدا.
* البطاقة البريدية ودورها في تنمية السياحة الأثرية تلعب البطاقة البريدية دورا رياديا في عملية الترويج للمناطق السياحية الجزائرية، ويمكن اعتبارها الوسيط السياحي لما لها من أهمية بالتعريف بمعالمنا وقلاعنا ومدننا الثقافية، وفي هذا يقول الدكتور عزوق باحث في علم الآثار ومدير معهد الآثار جامعة الجزائر أن لهذه البطاقة قيمتها الفنية والجمالية والتاريخية، ولها دور فعال في عملية التنشيط والترويج للسياحة، تحويل وجهة السائح إلى الجزائر، وتساهم للحصول على العوائد المادية والمعنوية التي تدعم الاقتصاد الوطني. من جهته، قال عمي السعيد " أتذكر هذه البطاقة التي كانت متداولة بكثرة في فترة ما، حيث كانت بمثابة بطاقة التعريف لقلاعنا ومعالمنا التاريخية، حيث كنا نبعث بها إلى خارج الوطن، وكأننا نريد من خلالها عملية إشهارية لكنوزنا وموروثنا الحضاري".
* العامل الفني غائب في الترويج للسياحة بالجزائر تعمل العديد من الدول المتقدمة، على تأسيس مدن سينمائية تقوم على قاعدة متينة، وتعمل على جعل مدنها الأثرية استديوهات لتصوير الأعمال الفنية، وذلك بغية الترويج لثروتها الثقافية لجلب السائح الأجنبي قبل المحلي. وبفضل الأفلام والمسلسلات ارتفع الدخل القومي لهذه الدول في القطاع السياحي إلى ملايير الدولارات، حيث تتسابق شركات الإنتاج إلى دعم الأعمال الفنية والمراهنة عليها لجلب الثروة، وتركز على المناطق السياحية المراد استهدافها للعمل السياحي. وقد صرح المخرج الجزائري، أحمد راشدي، في إحدى المواقف أن الجزائر فقيرة من حيث الوسائل الفنية للقيام بالأعمال الفنية تستجيب لمعايير دولية، وهذا ما جعلها متأخرة عن الركب الفني العالمي.
* الحرفية رزيقة دوفان: مهرجان المرأة مرآة عاكسة لتراثنا الثقافي وفي السياق، أكدت الحرفية، رزيقة دوفان، أن المهرجان الوطني للإبداعات المرأة، الذي أضحى تقليدا سنويا، يعد مرآة عاكسة للمروث الثقافي الذي تزخر به الجزائر، مشيرة إلى أن الجزائر غنية بطبوعها الفنية، وبغزارة تراثها الثقافي المتنوع، فالامتداد الجغرافي للجزائر تقول رزيقة، هو في حد ذاته تنوع في كل شيء، إذ لا يخل كل شبر من هذا الوطن من عادات وتقاليد التي تميزها عن منطقة أخرى، وهذا طبعا -تقول رزيقة- ما يؤهل لكي تصبح الجزائر قبلة للسياحة في هذا المجال، علما أن المنتجات التقليدية القديمة مثل الطرز التقليدي التي تختص به، لقت رواجا كبيرا خارج الوطن، وهذا -تضيف رزيقة- اكتشفناه خلال المعارض التي تنظم خارج الوطن.