على بعد أيام قليلة من نهاية عهدته على رئاسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في الجزائر تحدث اسكار اومابكوف في حديث مطول للحوار عن بداية ظهور هذه المنظمة الإنسانية ونشاطاتها الخيرية في أكثر مناطق العالم توترا، مثمّنا دور الديبلوماسية الجزائرية التي رافقت عمل اللجنة منذ الاستقلال فاتحة المجال للعمل التطوعي الدولي الإنساني البعيد كل البعد عن السياسة والدين. * قبل الخوض في جملة الأنشطة التي تقوم بها اللجنة الدولية للصليب الأحمر في الجزائر هل بإمكانك إعطاء لمحة تاريخية عن هذه المنظمة الإنسانية ؟ – بالطبع كنت سأتطرق إلى هذا الجانب المهم جيدا، حيث تم تأسيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر منذ قرابة قرن ونصف القرن وتسعى هذه المنظمة إلى الحفاظ على قدر من الإنسانية في خضم الحروب ويسترشد عملها بالمبدأ القائل بوضع حدود للحرب نفسها: أي حدود لتسيير الأعمال الحربية وحدود لسلوك الجنود. وتُعرف مجموعة الأحكام التي وضعت استنادا إلى هذا المبدأ والتي أقرتها كل أمم العالم تقريبا بالقانون الدولي الإنساني الذي تشكل اتفاقيات جنيف حجر أساسه. اللجنة الدولية للصليب الأحمر منظمة مستقلة ومحايدة تقوم بمهام الحماية الإنسانية وتقديم المساعدة لضحايا الحرب والعنف المسلح، وقد أوكلت إلى اللجنة الدولية بموجب القانون الدولي، مهمة دائمة بالعمل غير المتحيز لصالح السجناء والجرحى والمرضى والسكان المدنيين المتضررين من النزاعات والحروب وإلى جانب مقرها الرئيسي في جنيف، هناك مراكز للجنة الدولية في حوالي 80 بلداً ويعمل معها عدد من الموظفين يتجاوز مجموعهم 16 ألف موظف موزعين عبر العالم. هذا وفي حالات النزاع، تتولى اللجنة الدولية تنسيق العمل الذي تقوم به الجمعيات الوطنية للصليب الأحمر والهلال الأحمر واتحادها العام. واللجنة الدولية هي مؤسس الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر ومصدر إنشاء القانون الدولي الإنساني لاسيما اتفاقيات جنيف التي تعد الجزائر عضوا فيها.
* هل المنظمة لها علاقة بالدين بالنظر إلى الدلالة الواضحة في رؤيتها أو حتى التسمية التي أطلقت عليها إن صح القول ؟ – فعلا الكثير يعتقد أن تسمية منظمة الصليب الأحمر بهذه التسمية له دلالة دينية خاصة في بلدن العالم الإسلامي أين يتواجد غير أن حقيقة الأمر أنه لاعلاقة له لا من قريب أو من بعيد لأن هذه الدلالة تشير إلى أحد رموز راية دولة سويسرا فقط التي كانت السابقة في تأسيس إحدى أقدم المنظمات الإنسانية في العالم والتي يعود تاريخ وجودها إلى مايقارب 154 سنة مضت، كما أن الصليب الأحمر هي منظمة إنسانية بحتة ومستقلة ولا علاقة لها لا بالسياسة ولا بالدين.
* من خلال هذه اللمحة القيمة والهامة جيدا في نفس الوقت هل من الممكن أن توضح لنا بداية مشوار منظمتكم الإنسانية في الجزائر؟ – بالطبع اللجنة الدولية للصليب الأحمر تربطها علاقة متينة وقوية ومميزة في نفس الوقت بالجزائر وتعود هذه العلاقة إلى الحقبة الاستعمارية، حيث تعمل اللجنة الدولية في الجزائر بشكل أقوى منذ نهاية حرب الاستقلال التي وقعت في الفترة من 1954 وحتى 1962، على الرغم من تواجده في سنوات الخمسينيات من القرن الماضي وبالتحديد سنة 1957 أين كان ممثلو الصليب الأحمر يقومون بزيارة المحتجزين من كلا الجبهتين المتصارعتين آنذاك للوقوف على حالة اعتقالهم ووضعيتهم، غير أن بعد الاستقلال كما أشارنا سالفا إلى يومنا هذا عرف تواجد المنظمة على التراب الجزائري بعض فترات الانقطاع لظروف أمنية خاصة في تسعينيات القرن الماضي.
* على ماذا يرتكز نشاطكم في الجزائر ؟ – كما تطرقت من قبل كان الصليب الأحمر في الجزائر في فترة الاستعمار يقوم بتفقد حالة المحتجزين في صف كلا طرفي النزاع أي من الجانب الجزائري والفرنسي آنذاك، أما بعد الاستقلال كان نشاطها يركز في ذلك الوقت على زيارة الأسرى ومساعدة اللاجئين في المغرب وتونس، غير أن في التحولات والتغيرات التي شاهدتها الجزائر جعلت من الصليب الأحمر في الجزائر هو الآخر يعمل في الوقت الراهن في زيارة المحتجزين، حيث تُجري زيارات منتظمة للمحتجزين في السجون ومراكز الشرطة والدرك الوطني، وترفع عقب تلك الزيارات تقارير سرية إلى السلطات المعنية مرفقة بتوصيات لتحسين المعاملة وظروف الاحتجاز عند الاقتضاء، ويضاف إليها تعزيز قدراته لا سيما في الجنوب حيث تتعاون المنظمة مع الفرعين التابعين له في ولايتي "أدرار" و"تمنراست "وتشمل أوجه التعاون خدمة الإسعافات الأولية وإعادة الروابط العائلية بالتعاون مع الهلال الأحمر الجزائري.
* أشرت منذ قليل أن الصليب الأحمر في الجزائر يقوم بزيارات للمحتجزين و السجناء في السجون كيف هي معاملة السلطات الجزائرية معكم ؟ – قبل الحديث في هذا الموضوع لابد من العودة إلى أهم العلاقات الوطيدة التي تربط اللجنة مع السلطات الجزائرية وقبلها مع الجزائر في حد ذاتها حيث تعد الجزائر شريكا محوريا وهاما بالمنطقة وأنها جد إستراتجية بالنظر إلى الخطوات التي حققتها اللجنة مع سلطات البلد في مجال تعزيز القانون الدولي الإنساني والمبادئ الإنسانية العالمية بالمنطقة ودولة القانون، وفي هذا الإطار بودي الإشارة قبل التطرق إلى علاقات التعاون التي تربط المنظمة مع وزارة العدل وغيرها من الهيئات الرسمية الجزائرية لابد من الحديث عن تلك العلاقة الإستراتجية التي تربطنا مع وزارة الخارجية التي تتجلى في دبلوماسيتها، حيث ساهمت قوة الدبلوماسية في تعزيز تواجد المنظمة في العديد من بؤر التوتر في عديد البلدان الإفريقية وحتى الشرق الأوسط على غرار سوريا مثلا القوية في المنطقة وفي مساندتها في المحافل الدولية، حيث ساهمت مساندة هذه الأخيرة للصليب الأحمر من التوغل في مناطق النزاعات على غرار مالي ولبيا وغيرها من الدول التي مستها نيران الحرب والنزاعات الداخلية الواقعة بها، وعليه فإن من واجبنا أن نقر عن مد يد العون الذي قدمته الدبلوماسية الجزائرية للصليب الأحمر فهذا المجهود لايقدر بثمن وتضاف إليها تلك المساهمات المالية المعتبرة التي تصبها كل سنة في صندوق اللجنة الدولية للصليب الأحمر باعتبارها عضوا في اتفاقية جنيف.
– هل هذا يعني أن لكم علاقات تعاون قوية مع وزارة العدل أيضا؟ – نعم تجمعنا علاقات تعاون جيدة مع وزارة العدل حيث وجدنا كل التسهيلات اللازمة لأداء مهامنا بكل أريحية خاصة في ما يتعلق الأمر بزيارة السجون والمؤسسات العقابية وظروف الحجز ودون أي عراقيل تذكر.
* في هذه النقطة بالذات هل رفعت اللجنة أي تقرير للوصية عن حالة المحجوزين بالمؤسسات العقابية بالجزائر وهل من الممكن الكشف عن مضمون أحد هذه التقرير ؟ – نعم اللجنة قامت بالعديد من الزيارات إلى المؤسسات العقابية في الجزائر خاصة منذ أن باشرت الجهات المعنية بإصلاحات عميقة للمنظومة العقابية للبلد وقد تم رفع العديد من التقارير حول الوضع العام للمحتجزين غير أن في هذا الشق بالتحديد تتعهد اللجنة الالتزام بواجب التحفظ وبعدم نشر نتائج هذا التقرير لأي جهة كانت أو للرأي العام ماعدا لسلطات البلاد.
* هل هذا راجع لاعتبارات سياسية ما؟ – أولا اللجنة الدولية للصليب الأحمر في الجزائر أو في أي دولة أخرى لا علاقة لها بالسياسية لا من بعيد أو قريب فهي لا تدخل في الشؤون السياسية للدول أين هي متواجدة فمهمتها تنحصر فقط في العمل الإنساني والمساهمة في تحسين الوضع الإنساني للأشخاص الأكثر ضعفا من خلال مرافقة سلطات هذه الدول في تعزيز القانون الدولي الإنساني والمبادئ الإنسانية العالمية هذا من جهة، ومن جهة أخرى تلتزم الحركة الدولية للصليب الأحمر بالمبادئ الأساسية السبعة التي تبنتها منذ نشأتها، والمتمثلة في الإنسانية وعدم الحيز والحياد، الاستقلال بالإضافة إلى الخدمة التطوعية والعمل على الوحدة، إلى جانب مبدأ العالمية وهي المبادئ نفسها التي تلتزم بها الجمعيات الوطنية الناشطة مع الصليب الأحمر وهي سبب تواجدها هنا بالجزائر وغيرها من مناطق العالم، وأضيف هنا بالقول أنه لولا التزامنا بهذه القواعد الأساسية لما نالت اللجنة ثقة سلطات البلدان خاصة الجزائرية التي لها الثقة الكاملة في اللجنة الدولية لصليب الأحمر وخير دليل عن هذا دعمها الدائم والمستمر للمنظمة الإنسانية في المحافل الدولية. ويتعدى مجال التعاون أيضا إلى مجال تنظيم الدورات التكوينية لفائدة القضاة بالإضافة إلى تنظيم دورات تكونية أخرى لرجال الشرطة بالتنسيق مع المديرية العامة لشرطة القضائية من أجل تحسين طريقة معاملة الشرطة القضائية مع الأشخاص في إطار تعزيز حقوق الإنسان.
* وهل هناك علاقات تعاون أخرى مع هيئات رسمية ؟ – بطبيعة الحال فاللجنة الدولية للصليب الأحمر نظمت بالتعاون مع وزارة الدفاع الوطني فعاليات "سويروم" في طبعته التاسعة التي احتضنتها لأول مرة القارة الإفريقية وكان الشرف للجزائر أن تحتضن هذه التظاهرة المهمة جدا بمشاركة كبار الإطارات العسكرية من عديد الدول، ولاتنحصر علاقتنا مع هذه الهيئات فقط الرسمية بل تتعدى وتشمل الجمعيات الوطنية والهلال الأحمر الجزائري الذي تربطنا معه علاقات عمل متينة وقوية ونعمل من أجل تعزيز قدراته لا سيما في الجنوب حيث تتعاون المنظمة وتشمل أوجه التعاون خدمة الإسعافات الأولية وإعادة الروابط العائلية وتتصدى اللجنة الدولية أيضاً لمسألة المواطنين الجزائريين المحتجزين في الخارج أو الذين يعيشون في بلدان متضررة من النزاعات، من خلال دعمها لعمل الهلال الأحمر الجزائري في مجال إعادة الروابط العائلية خاصة وسط اللاجئين الذين هربوا من مناطق الحروب بحثا عن السلام وهو التحدي الجديد للجنة الدولية للصليب الأحمر في الجزائر وفي باقي الدول الأخرى.
* في الأخير كيف كان يتوقع أسكار أوماربكوف الجزائر قبل أن يتم تنصيبك على رأس البعثة ؟ – يصعب عليا الآن إيجاد الكلمات للتعبير عن مدى سعادتي بوجودي بالجزائر إنني طيلة إقامتي هنا التي تعود مدتها إلى ثلاث سنوات مضت لم أشعر يوما أنني بعيد عن موطني الأصلي، فالجزائر صراحة بلد مضيف وشعبها يحمل في قلبه حب الخير والتسامح ومد يد العون، فعلا الجزائر مميزة عن باقي بلدان المنطقة، وأؤكد لك إنني قضيت في إطار عملي بصفتي رئيس البعثة هنا بالجزائر أسعد أيامي فلم أجد سوى التعاون المبنى على الشفافية والنزاهة من طرف السلطات التي هي فعلا حققت في وقت وجيز قفزة نوعية في مجال احترام القانون الدولي الإنساني وإدراجه في القوانين الوطنية لتصبح اليوم ببصمتها الخاصة من بين الدول الرائدة في المجال. حاوره: جمال مناس