أجمع أساتذة ومختصون في علم الاجتماع على احتفاظ المجتمع الجزائري بأدق خصوصياته من خلال محافظته على تنظيماته التقليدية وسط الإرهاصات العالمية التي طالت جزءا منه ولم تتمكن في نفس الوقت من القضاء عليها حتى في الوسط الشباني، حسب ما أثبتته البحوث والدراسات التي مست هذه الفئة من مناطق مختلفة من الوطن أنجزها الأستاذ حمدوش رشيد من جامعة بوزريعة. احتضن قسم علم الاجتماع لجامعة بوزريعة يومي 24 و25 فيفري أشغال الملتقى الوطني السادس حول التنظيمات التقليدية في المجتمع الجزائري، تطرق من خلاله المحاضرون إلى إشكالية عدم انقراض هذه التنظيمات في المجتمع الجزائري المعاصر من قبائل وعروش وآعيان وغيرها، مؤكدين انها لم تزل خاصة خلال العشرية الأخيرة بل اتخذت مرجعية جديدة تبلورت في صورة جمعيات المجتمع المدني، ما دفع بأخصائيي علم الاجتماع والأنثروبولوجيا إلى بحث الأسباب لمعرفة كيف تمكن المجتمع الجزائري من الحفاظ على خصوصياته الاجتماعية في عهد العولمة. الشباب الجزائري يتخذ الموقع البيني حفاظا على هويته تطرق الأستاذ حمدوش رشيد من قسم علم الاجتماع بجامعة بوزريعة عبر مداخلة له بعنوان ''المجتمع الجزائري من المحلي إلى التعاقدي عملية ومسار غير مكتمل''، إلى موقع الشاب الجزائري من التطورات الحاصلة على الساحة المحلية في ظل ارتخاء مؤسسات الضبط والتنشئة الاجتماعية، منوها بصعوبة مهمة الحصول على المعلومات في مجتمع تتغير فيه المرجعيات وتتحول في ظروف زمنية قياسية. وأوضح حمدوش أن المجتمع الجزائري لم يستهلك بعد المرحلة الانتقالية من النظام المجتمعي القديم إلى النظام الحديث، وفقا لما أسفرت عنه نتائج الدراسة الميدانية في الوسط الشباني فهي مازالت تتأرجح بين النظامين. تبين من البحث الميداني أن الشباب الجزائري ينقسم من حيث انتماءاته المجتمعية إلى 3 أقسام تثبت جميعها أن مجتمعنا مازال محتفظا بخصوصياته النابعة من الأنماط العائلية المرتبطة بالنزعة القبلية، فقد أكدت الفئة الأولى من عينة البحث أنها تنتمي إلى عائلات متفتحة ما أثر على تكوين شخصياتها في علاقاتها مع محيطها الخارجي، فنمط التنشئة الاجتماعية الذي تلقاه هؤلاء الشباب داخل أسرهم سمح لهم بالانفصال عن محيطهم العائلي في مراحل معينة من الحياة وأن يكونوا أكثر اعتمادا على النفس، فيما ظهر أن الفئة الثانية أكثر ارتباطا بمحيطها المحلي العائلي وهذا نابع من هدف أسرها في الحفاظ على ما هو قائم والإبقاء على انسجامها الداخلي. ومع ما جاءت به الفئتين ظهرت فئة ثالثة تجمع بين النمطين على ما يبدو -كما قال الأستاذ حمدوش -لم تتمكن التطورات الدولية والعولمة من التأثير عليها بصفة تامة فهي منشطرة بين الحفاظ على خصوصياتها وبين التفتح على العالم الخارجي، تميزه طباعية مكتسبة ومبعثرة. المجتمع الأغواطي الأكثر تمسكا بالقبيلة أظهرت دراسة أخرى للأستاذ طلحة بشير من جامعة الأغواط شملت حوالي 300 عائلة من الولاية، أن المجتمع الأغواطي يعد الأكثر تمسكا بمفهوم القبلية مرجعا في بحثه الأسباب إلى كون المدينة متواجدة في منطقة صحراوية معروف عنها الحضور القبلي القوي في جميع نواحي الحياة الاجتماعية. وقال الأستاذ بطلحة في مداخلته، إن هذه المنطقة استطاعت وبالرغم من تعاقب الحقبات التاريخية التي مرت بها حيث لعبت القبيلة دورها الأساسي في مساعدة الفقراء وفي الحفاظ على التماسك المجتمعي والمساهمة في عدم انتشار الانحلال الخلقي والآفات الاجتماعية، وتراجع نسبة الطلاق بفضل تحكيم أعيان القبيلة في أمور الزواج والطلاق أو بصفة عامة في الحالات المدنية، فقد ظهرت سلوكات وممارسات لا يمكن تفسيرها إلا بالرجوع إلى البناء الاجتماعي للمنطقة والتي شكلت فيه القبيلة محورا مركزيا في توجيه جميع الأحداث وتسييرها.