قرر علماء التاريخ و الاجتماع، قديمهم وحديثهم، أنه عندما يعجز أي نسق عن إنتاج قيم ورموز جديدة يحافظ بها على استمراره يتلاشى ويضمحل ويأذن بالزوال، وحاول يائسا الأمريكي ذو الأصول اليابانية خرق الإجماع ومخالفة القاعدة من خلال مؤلفه الدعائي "نهاية التاريخ " أن الديمقراطية هي أرقى صور النضوج الإنساني في مجال التنظيم السياسي والاجتماعي، وأن البشرية لا يمكنها أن تعرف أحسن من ذلك، وأن قيم الديمقراطية الليبرالية صارت قيما عالمية يجب تعميمها في جميع أرجاء المعمورة، وأنهى بذلك أطروحة مواطنه روسطو التي تقضي بتطور المجتمعات بشكل خطي متواصل. وتلقف العالم بلهف كبير الدين الجديد، الذي سيؤسس للسلام والتسامح والتعددية والابتعاد عن النزاعات والحروب لسبب وجيه هو أن الحكومات الديمقراطية المنبثقة عن إرادة شعبية سترفض الحرب والنزاع، وتدفقت موجات التحول في كل أنحاء العالم في شرق أوروبا وإفريقيا وآسيا وكذلك في الوطن العربي وكل منطقة ما يسمى بالشرق الأوسط، وانبرى لتحقيق الثورة الديمقراطية كل من أمريكا وبريطانيا وفرنسا، وأطلقت المبادرات والمشاريع ورصدت الأموال والصناديق وعبئت الجيوش كذلك، وجهزت المحطات الإعلامية والبرامج، وعقدت الندوات والملتقيات لنصرة الدين الجديد والتمكين له، ووصف كل من خالفه بالمارق وغير المسؤول وعوقب أيما عقاب، فباسمه قسمت الأراضي وانتهكت سيادة الدول وشردت شعوب وأمم وقتل الإنسان وقطع الشجر وخربت صوامع وعلا صوت العسكر في كل بقاع العالم.. لقد حارب الدين الجديد، دين المحافظين الجدد، والمركبات الصناعية العسكرية ومنتجو النفط وتجار المنظمة العالمية للتجارة، كل حرية رأي، وكل تعددية، وكل إرادة شعبية تتعارض، أو يبدو أنها تعارض مصالحهم الكونية اللامتناهية، وقمعت تجارب ديمقراطية ناجحة مدعومة من الشعب، لا لشيء إلا أنها سلمت الحكم للاسلاميين، وسالت من أجل ذلك دماء الأبرياء ودموع الثكالى تحت مرأى ومسمع من الآلة الإعلامية الغربية التي ظلت تخون أمانة الإعلام وتضلل الراي العام العالمي.. لقد انقلبت " الديمقراطية " على كل قيمها، وأطلقت يد الأعراب تقتل كل أمل في الأمة وتهيء المنطقة العربية للعودة إلى ما قبل وعيهم، فصاروا خدما كما كانوا بني النعمان، قبائل تتنافس في خدمة الأمبراطوريات، تستباح أراضيهم وتنتهك أعراضهم وتستحل أموالهم ودماؤهم فقط ليروا إخوانهم وبنوا عمومتهم يهانوا ويشردوا، إنهم الأعراب أشد الناس كفرا ونفاقا، لقد فضحتهم" دقائق " فصول الديمقراطية الغربية الكاذبة، ولم يصبروا على الحرية والتنافس الشريف، وصاحوا في كل وادي أن يا ترامب لقد سئمنا من حديث عن التداول والتعدد وإشراك الشعب وعن الإسلام حتى إن لم يكن حديثا عن تعدد الزوجات والإشراك بالله في مسألة القبور. لقد بات واضحا أن الديمقراطية التي ينادي بها الغرب الرسمي قد انتهت وبان عوارها، والتي أضحت تصنف حركات المقاومة، وحركات المجتمع المدني إرهابا مثل ما يجري مع حماس في فلسطين ومع الإخوان في مصر وسوريا وليبيا واليمن، والتي تساند حكم المونارشيات على حساب حرية التعبير والري، والتي تضيق بالصوت المخالف في كل مكان، ولابد من بعث عالمي جديد، يدافع عن الشعوب المتعطشة للحرية والعدالة ويؤسس لمرحلة جديدة بقيم جديدة تنحاز للإنسان وتشفق على مستقبل العالم من هذا العدوان الصارخ والفساد البين، وعلى حكومات العالم الثالث أن تعتبر وترى بعين الواقعية السياسية أن هؤلاء لا دين لهم ولاذمة، ولا يهمهم سوى إشباع رغباتهم ومصالحهم ضاربين بكل قيمة نبيلة عرض الحائط.