الكثير ممن يهرول وراء "البولتيك"، خاصة أولئك الذين لا يملكون إلا فن "التخلاط " واللعب على "الشعبوية"، يعتقدون أنهم وهم يهرولون وراء مطامعهم الخاصة يشكلون بهذا السلوك الفوضوي الذي لا يمت للعمل السياسي بأي صلة، يعتقد هؤلاء أنهم بالفعل طبقة أو واجهة سياسية يمكن النظر إليها بإمعان والتأثر بما تؤسس له من ممارسات أصابت الفعل السياسي بالبلاد في مقتل، وجعلت الترشح لإدارة بلديات وولايات ومؤسسات سياسية ثقيلة لمن يهرول ويتجول ويستيقظ بعد خمس سنوات فجأة ليقول للناس إنه الرشيد الذي يرى ما لا يراه حتى أهل الذكر. إن هذه الفئة التي تتغول الآن بمالها وتتخذ من الشعوبية قميص عثمان، وتريد التموقع على حساب ثقافة الكفاءة والمسؤولية والأخلاق التي يقتضيها الاشتغال بالسياسية، إن هذه الفئة كانت كثيرة أم قليلة، خطر حقيقي على الحياة السياسية ومستقبل العمل السياسي. فالدولة لا تحتاج لهؤلاء الذين يوظفون كل شيء إلا الأخلاق السياسية وكفاءة العقل والعلم للظفر بأصوات الناس والتحدث إليهم عن برامج الغذ التنموية في المقاهي والشوارع و"الملومات". الدولة لها احتياجات، ومما تحتاجه بالفعل، الكفاءات الوطنية التقنية التي تستطيع أن تدير دون شراء للعواطف والشعوبية مؤسسات الدولة برؤية موضوعية، لا تميل لطيف أو خط سياسي بعينه. إن الكثير من مجالس البلديات تسير الآن بالمزاج ومن قبل من لايستطيع أن يخط ورقة طريق للنهوض بواقع من انتخبوه بالأمس ووعدهم بقرب الخلاص، لقد أضرت هذه الفئة التي تصطاد كل خمس سنوات عواطف الناس وتوظف المال لشراء الميول بثقافة الدولة وثقافة العمل السياسي، الذي يقوم على التنافس بين الآداءات والكفاءات. وإن بقى تغوّل هذه الفئة في مجال السياسة على النحو الذي نرى، فإننا سنجد أنفسنا بعد سنوات وسنوات دون ثقافة سياسية يرتكز عليها جيل الغذ، وهو من الشباب الذي يعزف عن الانخراط في سوق السياسة الذي امتلأ بالمهرولين وراء المصالح، ولا تجد فيه إلا قلة من نخب تتحفظ على الموجود وتصارع لتجد لها مكانا في غول الفوضى والشعبوية. لقد تعبنا بالفعل من هؤلاء الذين يتكلمون عن السياسة والترشح لتمثيل الناس دون أن يحيلوا الناس إلى مراجعهم، أم أن السياسة أصبحت مجرد لعبة أو قمار يدخله من هب ودب، أم النخبة التي تستقيل كل يوم عن ممارسة الفعل السياسي قد سمحت قصدا أو سهوا لهؤلاء بالتواجد في الحياة السياسية؟. مها كانت الإجابة على هذه الأسئلة التي تحيلنا بكل صراحة إلى جرح عميق مازال موجودا في العمل السياسي رغم مرور سنوات على تعددية حزبية راهن عليها الجميع في الإرتقاء بالفعل السياسي إلا أن القادم بكل تأكيد لا يبشر بخير لأن عامة الناس لا يمكنهم أبدا أن يسوسوا شؤون الخاصة. ولابأس كما أنشئنا في مجال الرياضة بطولات للاحتراف، لابأس أن نعمم هذا الطرح على السياسة لتكون في الأخير للمحترفين لا للمهرولين وراءها بلا احتراف ومعنى.