يبدو أن الحكومة دخلت في سباق مع الزمن من خلال الزيادات المعتبرة الجديدة التي سيتضمنها قانون المالية لسنة 2018، في أسعار العديد من المنتجات وعلى رأسهم الوقود. إجراءات جديدة تهدف إلى مواجهة الأزمة المالية والاقتصادية التي تعيشها البلاد في ظل تهاوي القدرة الشرائية للمواطن وعجزه عن تحقيق أدنى متطلباته اليومية.
* قطع الطريق أمام النقابات والناقلين لتهذيب الزيادة في الأسعار ضرورة في سياق الموضوع أكد رئيس جمعية حماية وإرشاد المستهلك، مصطفى زبدي، أن الزيادات الأولى المرتقبة والتي يتضمنها قانون المالية 2018 ستكون في تسعيرة النقل، متمنيا أن يتم تهذيب هذه الزيادات وقطع الطريق أمام النقابات والناقلين الذين يستغلون الفرصة لفرض زيادات أخرى تضاف إلى الزيادات التي ستفرضها الحكومة. وباعتبار أن ارتفاع أسعار الوقود والنقل يؤثر على عدة مجالات أخرى، أفاد مصطفى زبدي في اتصال هاتفي مع "الحوار" أن جميع المواد الاستهلاكية ستعرف زيادات معتبرة، مضيفا في السياق أن قانون المالية لسنة 2018 سيتضمن الزيادة في عدة منتجات وخدمات أخرى، مشيرا إلى أن هذه الزيادات التي كان يتضمنها قانون المالية منذ عامين كانت تشهد زيادات استباقية قبل دخول القانون حيز التنفيذ، أين يستغل العديد من التجار والناقلين هذه الفرصة لفرض زيادات أخرى أثقلت كاهل المواطن البسيط.
* زيادة أسعار الوقود سينجر عنها زيادة أسعار المواد واسعة الاستهلاك ومن جهته يتوقع الخبير الاقتصادي، سليمان ناصر، أن تشهد أسعار الوقود ارتفاعا آخرا في قانون المالية 2018، مضيفا أن هذه الزيادة ستدخل عامها الثالث على التوالي لتصل إلى ما يقارب ال 80 بالمائة كقيمة للزيادة منذ ثلاث سنوات. وأكد ناصر، في حديث ل "الحوار"، أن الزيادة في جميع أنواع الوقود سيكون لها انعكاسات سلبية على مجالات أخرى، خاصة على المواد واسعة الاستهلاك، مؤكدا أن زيادة أسعار الوقود سيخلف تأثيرات كبيرة مما سيساهم في ارتفاع أسعار العديد من المنتجات الأخرى. كما أشار المتحدث ذاته إلى تهديد ومطالبة نقابات النقل بزيادة الأسعار بنسبة 100 بالمائة، مضيفا أن الزيادة التي تفرضها الحكومة تليها زيادات أخرى غير قانونية يستغلها الناقلون لتحقيق هامش ربح آخر، مؤكدا في السياق أن هذه الزيادات سيكون لها تأثير كبير على القدرة الشرائية للمواطن، مستبعدا أن تكون هناك مراجعة للقدرة الشرائية لرفع الأجور في ظل الوضعية الاقتصادية الحرجة التي تمر بها الجزائر.
* المواطن سيفقد 5٪ من أجره الشهري نتيجة ارتفاع الأسعار صرح الخبير الاقتصادي، كمال رزيق، أن جملة الإجراءات الجديدة التي فرضتها الحكومة على عملية الاستيراد، على غرار إعادة تفعيل الحقوق الجمركية والرسوم الداخلية على بعض المنتجات المستوردة والمقدرة ب 1 ٪، سيساهم في وصول هذه المنتجات إلى المستهلك بزيادة تقدر من 2 إلى 5 ٪. أما بخصوص الزيادة الأخرى، فأكد كمال رزيق، أنها ستشمل مادة الوقود، مضيفا أن هذه الزيادة ستساهم في رفع أسعار منتجات أخرى باعتبار أن كل آليات الإنتاج تعتمد على الوقود، مضيفا في السياق أن زيادة أسعار هذه المادة ستؤدي إلى رفع تسعيرة النقل بالدرجة الأولى. وصرح رزيق، في حديث ل "الحوار" أن الزيادة التي ستفرضها الحكومة، إضافة إلى الزيادات الأخرى التي بدأ العديد من التجار فرضها بطريقة غير قانونية وقبل المصادقة على قانون المالية 2018، ستجعل المواطن أمام فقد ما قيمته 5 بالمائة من أجره الشهري مقابل هذه الزيادات المشروعة وغير المشروعة في آن واحد. وفي ظل غياب وزارة التجارة، يضيف ذات المصدر أن التاجر يستغل هذه الزيادة كل عام لتعظيم أرباحه بطريقة غير مشروعة في ظل غياب رقابة حقيقية للحد من هذه التجاوزات، مؤكدا أن وزارة التجارة غائبة منذ سنوات عن لعب دورها الحقيقي بالرغم من تدخلات أعوانها، ليبقى المستهلك الحلقة الضعيفة في ظل تهيئة الحكومة لمناخ عمل التجار والسماح لهم بتحقيق هوامش ربح خيالية على حساب القدرة الشرائية للمواطن البسيط. وفي ذات السياق، اعتبر كمال رزيق، أن الزيادة التي تفرضها الحكومة والتي تقدر ب 2 دج، زيادة شبه معدومة مقارنة بالزيادة التي تتبعها والتي قد يوصلها التاجر إلى ما قيمته 500 دج، مضيفا أنه من غير المعقول أن تستفيد الحكومة من 2 دج فقط، في الوقت الذي يستغل فيه التجار هذه الفرصة للاستفادة بما قيمته 488دج بطريقة غير شرعية.
* الحكومة لن تتخذ إجراءات بالغة القسوة في حق الطبقات الاجتماعية الضعيفة صرح الخبير الاقتصادي، عمر هارون، أنه لا يمكن الجزم بالإجراءات التي ستتخذها الحكومة في قانون المالية لسنة 2018، مضيفا أن هناك مجموعة من السيناريوهات التي يمكن النظر من خلالها لمالية الجزائر في السنة القادمة. وأفاد عمر هارون في تصريح ل "الحوار" أن الحكومة لن تتخذ إجراءات بالغة القسوة في حق الطبقات الاجتماعية الضعيفة، كما ستتجنب إثارة رجال المال والأعمال بضرائب جديدة ومراجعات جبائية قاسية وفق توجيهات رئيس الجمهورية، خاصة أن عديد الأطراف نادت بتطبيق ما يعرف بضريبة الثروة. كما كشف هارون، أن الزيادات المتوقعة ستكون من خلال الرفع في أسعار بعض السلع الطاقوية كالبنزين بأنواعه والكهرباء والماء من خلال زيادة في التكلفة أو بعض الرسوم، على غرار أنظمة الدفع في الطرق السريعة التي سترى النور في 2018 وتخفف أعباء الخزينة العمومية في هذا الجانب، وهو ما سيبقي على التوازنات الكبرى للجزائر مع التركيز على توقيف بعض المشاريع الكبرى التي تستنزف موارد مالية كبيرة أو تمويلها من خلال اتفاقيات دولية كما حدث مع الشركات الصينية، للتخفيف من التمويل التضخمي الذي قد ينتج تضخما كبيرا، وهو ما يعني إمكانية وجود عجز مقصود في ميزانية 2018، في ظل توقعات بتعافي سعر البرميل –يضيف ذات المتحدث-. أما السيناريو الثاني، فيقول الخبير الاقتصادي، أنه يتعلق بمحاولة المحافظة على أموال الخزينة وهذا ما يعني مراجعة شاملة وكاملة لنهج الدعم الاجتماعي ومحاولة توجيه الدعم لمستحقيه، مؤكدا أن هذه السياسة تتطلب رقمنة شاملة وقواعد بيانات مفصلة تجعل أصحاب الدخول الضعيفة يملكون الحق في الاستفادة من الدعم في حين تحرم منه الطبقات الغنية. أما السيناريو الثالث، يضيف المتحدث ذاته، يتعلق بإلغاء تام للدعم من قبل الحكومة وفرض الأسعار الرسمية على المواطنين مع إعادة نظر شاملة في الأجور، حيث توجه الإعانات المقدمة من قبل الدولة إلى المواطن بشكل مباشر لتصب في أجره، وتمنح كمنحة للأسر والأفراد البطالين، وهو توجه ليبرالي تسمح فيه الدولة لقوى السوق بتحديد الأسعار، ويكون دورها هو تحديد الأجر العادل في المجتمع، إلا أن هذا النوع من الإجراءات الجذرية يصعب تطبيقه لأنه يحتاج إلى دراسات قياسية واقتصادية عميقة، بالإضافة إلى نقاش مجتمعي واسع –يضيف عمر هارون-. وأكد ذات الخبير الاقتصادي أن تصريحات الوزير الأول أحمد أويحيى في الاجتماع التنسيقي مع الشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين وتأكيده على أن الجزائر تسير في نفس التوجه "الرأس مالية الاجتماعية" تجزم لحد بعيد أن السيناريو الأول هو الذي سيكون في قانون المالية القادم، حيث ستعتمد الحكومة على ما يطبعه البنك المركزي من نقود لتمويل الخزينة العمومية لتغطية عائدات الجباية البترولية، مع الإبقاء على العجز المقصود من خلال اعتماد 50 دولارا كسعر مرجعي ومحاولة تغطية الفوارق بين السعر المرجعي والسعر الحقيقي من خلال تقليل الدعم بشكل طفيف على سلع واسعة الانتشار برفعه ما بين 02 و 05 دينار جزائري. سمية شبيطة